بعد ان عرفت العلمانية في لبنان عهدها الذهبي في مطلع السبعينات قبل بدء الحرب الاهلية، لم يعد العلمانيون في لبنان اليوم سوي حفنة من الناشطين الذين يحاولون عبثا سماع صوتهم في بلد بات يعاني كثيرا من استقطاب مذهبي اضيف الي الاستقطاب الطائفي قديم العهد. ويقول نصري الصايغ منسق جمعية "البيت العلماني" التي انشئت في فبراير الماضي "للعمل بالوسائل الديمقراطية من اجل لبنان علماني"، ان "الطائفية اجتاحت المجتمع اللبناني خلال الحرب الاهلية (1975-1990) وخصوصا بعدها". وكان الحزبان العلمانيان، الحزب الشيوعي والحزب السوري القومي الاجتماعي، عرفا عصرهما الذهبي في لبنان خلال الستينيات والسبعينيات في لبنان قبل ان يدخلا الحرب الاهلية ويقاتلا الي جانب الفلسطينيين في اطار ما كان يعرف يومها ب"القوي التقدمية والاسلامية". ويضيف الصايغ "ان هذين الحزبين شاركا في معارك الاخرين ولم يقاتلا من اجل العلمانية". وجاءت فكرة اطلاق "البيت العلماني" اثر التوتر الشديد الذي تشهده الساحة السياسية اللبنانية من استقطاب بين قوي الاكثرية الممثلة بقوي الرابع عشر من اذار وبين المعارضة الممثلة خصوصا بقوي الثامن من اذار. ومع ان هاتين القوتين تضمان احزابا من طوائف عدة الا ان النزاعات السياسية كانت تتحول احيانا الي نزاعات في الشارع تتخذ ابعادا طائفية ومذهبية. ويقول هادي نعيم الناشط في البيت العلماني "الكثيرون يقولون امامنا انهم لا يريدون ان يحملوا شارة علي جبينهم تحدد توجههم السياسي، والعلمانية هي طريقة للابتعاد عن الاستقطاب الحاد القائم حاليا". وبعد ان تلقي المسئولون عن "البيت العلماني" نحو مئة طلب انتساب خلال اطلاقه عادوا وتلقوا نحو 900 طلب انتساب علي موقع فيس بوك علي شبكة الانترنت. ويضيف هادي نعيم "للاسف ان هامش المناورة لدي العلمانيين يضيق كلما ازداد الشرخ علي المستوي الوطني" معتبرا ان "الاستقطاب بين المعارضة والاكثرية بات قويا بحيث بتنا لا نشعر بوجود مكان لنا". والمعروف ان الولاء في لبنان الذي يضم نحو عشرين طائفة ومذهبا يبقي اقوي للطائفة منه للوطن حتي ان المدارس والجامعات والمستشفيات والاندية تبقي مرتبطة بهذه الطائفة او تلك. ويقول الصايغ "كثيرون هم الذين لا يفقهون حتي معني العلمانية وبعضهم يعتبرها الحادا والبعض الاخر يري فيها منتجا غربيا مستوردا". وجرت محاولة في التسعينيات لاقرار الزواج المدني في لبنان الا ان المحاولة اجهضت سريعا بسبب معارضة رجال الدين بشكل خاص. ويقوم "البيت العلماني" حاليا بحملة لازالة الاشارة الي المذهب في الافادات الرسمية المتعلقة بقيد النفوس. وقال الصايغ "قدمنا طلبا لدي الامن العام بهذا الصدد فكان الجواب بانه لا يحق لك ان تكون من دون ديانة". النائب المناهض لسوريا الياس عطالله الذي يترأس حركة اليسار الديمقراطي يقول ان "الاولية حاليا هي لمعركة الحرية والسيادة" مضيفا "انا اليوم في معركة واحدة مع زعماء طوائف مثل وليد جنبلاط (درزي) وسعد الحريري (سني) لان الازمة حاليا تطاول وجود الدولة اللبنانية نفسه". وخلص النائب عطالله الي القول "من غير الممكن العمل علي اصلاح نظام الدولة قبل ان نتأكد من ان اساساته قائمة".