قبل أن ينتخب شافيز رئيسا في عام 1998، كانت ثروة البلد النفطية تستخدم بشكل خاص لزيارة ثروة نخبة صغيرة من البيض. أما الأغلبية المهملة من ذوي البشرة الداكنة. فقد تركت لتعاني في بيوت مشيدة من الطين والتنك الصدئ في التلال المرتفعة التي تحيط بمدن فنزويلا. ولم يكن بوسعهم سوي التحديق نزلاً إلي عالم مرمري أبيض لم يكن لهم أن يدخلوه أبداً إلا خدماً أو عمال نظافة. خاض شافيز الانتخابات علي بطاقة وعد بإنفاق دولارات البترول علي هؤلاء، وأوفي بوعده. في عام 2003، أجرت مؤسستان استشاريتان أكثر الدراسات تفصيلاً عن التغير الاقتصادي في ظل شافيز في فنزويلا، وكانت النتائج مدهشة: لقد ارتفعت دخول النصف الأكثر فقرا في البلاد بواقع 130% بعد التضخم، وارتفعت نسبة الحصول علي مياه نظيفة من 79 إلي 91%، فيما سجل معدل الحصول علي الرعاية الطبية مستويات غير مسبوقة؛ ففي عام 1998 كان هناك 1.628 طبيبا يقدمون العناية الأولية في البلاد، واليوم هناك حوالي 19.571 طبيبا -أي بزيادة عشرة أضعاف تقريباً. هذا هو السبب في أن الفنزويليين يعتقدون بأن بلدهم أصبح أكثر ديمقراطية في ظل حكم شافيز. ووفق "لاتينوباروميترو" Latinoabarometro، المقياس الذهبي لاستطلاعات الرأي في أمريكا اللاتينية، فقد شعر حوالي 32% من الشعب بالرضا عن الديمقراطية في عام 1998. أما اليوم، فقد أصبحت نسبة هؤلاء 58%، أي بتقدم 20 نقطة علي المعدل المماثل في كامل أمريكا اللاتينية. ولكن، هل ثمة من خطر في أن يتصرف شافيز بالطريقة التي يتحدث عنها منتقدوه، ويتحول إلي دكتاتور بعد كل شيء؟ وإذن، لماذا هذه المزاعم المقيمة القائلة بأن شافيز رجل قوي؟ ثمة أسباب كثيرة وكبيرة لقول هذا -وأسباب أقل بكثير للشعور بالقلق. إن شافيز يمر بوضع صعب بالنسبة لأي زعيم في دولة ديمقراطية، ذلك أن بلده تضم أقلية شرسة الصوت ومناهضة بعنف للديمقراطية، وأفرادها مصممون علي قلب إرادة الأغلبية. كما تشعر النخبة الفنزويلية البيضاء بالدهشة بسبب خسارتها المفاجئة للسلطة والمزايا، حيث كانت هذه النخبة معتادة علي النظر إلي ثروة البلاد النفطية وكأنها حكر خاص عليها، وهي تلقي الدعم من الحكومة الأمريكية المستثارة لأن شافيز طلب من مؤسساتها فجأة بأن تدفع حصتها العادلة، وبسبب محاولاته نشر أنموذجه في الخارج. ومن اللحظة التي انتخب فيها شافيز، بدأ هؤلاء في النضال لقلب نظام حكمه. أولاً: حاولوا فرض حصار اقتصادي، فأعلن أغنياء فنزويلا الإضراب، ومنعوا العمال من الدخول إلي المصانع والمؤسسات في محاولة لتدمير اقتصاد البلاد. لكن محاولاتهم باءت بالفشل. ثم جاءت خطوتهم الأكثر دراماتيكية، إذ عمدوا في نيسان-إبريل عام 2002 إلي الاستيلاء علي القصر الرئاسي، واختطفوا شافيز. وبدعم من إدارة بوش، قاموا فوراً بحل البرلمان، وألغوا الدستور والمحكمة العليا وأعلنوا الأحكام العرفية. لكن الفقراء في فنزويلا رفضوا مشاهدة ديمقراطيتهم وهي تموت، فخرجوا إلي الشوارع بملايينهم، مجازفين بخطر التعرض للموت، للمطالبة بعودة شافيز. لكن الجنود الذين كانوا يحتجزون شافيز شعروا بالخزي فأخلوا سبيله. ماذا عساك أن تفعل إذن في ديمقراطية يضغط فيها أصحاب الصحافة الحرة للإطاحة بالعملية الديمقراطية نفسها؟ إنه سؤال صعب حقاً، وأنا لا أعرف الإجابة عليه. أعرف أن ذلك لو حصل في بريطانيا، لو اختطف جوردون براون علي يد أقلية مدعومة من الخارج ومصممة علي إنهاء الديمقراطية، وساعدت محطة "آي تي في" والقناة الرابعة في التخطيط لذلك- لكنا قد تصرفنا، كرد فعل، بطريقة أكثر تطرفاً وقسوة من شافيز نفسه.