هدد وزير النفط الفنزويلي عبر تصريحات وتعليقات شديدة اللهجة، نشرتها يوم الأحد الماضي، إحدي الصحف الصادرة في العاصمة كاراكاس، بأن في مقدور بلاده تحويل صادراتها النفطية للولايات المتحدةالأمريكية، إلي أسواق نفطية عالمية أخري. وقال الوزير "رافائيل راميريز" إن في وسع فنزويلا التي تعد خامس دولة مصدرة للنفط في العالم، وبصفتها الدولة المصدرة لما يزيد علي 10 في المائة من حاجيات الولاياتالمتحدةالأمريكية من النفط، أن تستخدم سلاحها الأسود في مواجهة ما أسماه بعدوان إدارة بوش عليها. والملاحظ أن مثل هذه التهديدات أصبحت جزءاً لا يتجزأ من ترسانة الأسلحة والقنابل الشفوية اليومية التي يستخدمها الرئيس الفنزويلي "هوجو شافيز" ضد إدارة بوش، مقترنة ببيعه المزيد والمزيد من صادرات النفط إلي الصين. ولكن يري المراقبون والمحللون أن وراء هذه النبرة التهديدية، ما يضمر نوايا جادة وحقيقية من قبل شافيز تستهدف البحث عن مشترين وعملاء نفطيين جدد، خلافاً للولايات المتحدةالأمريكية. ذلك ما قاله "لورانس جولدشتاين" رئيس "مؤسسة أبحاث الصناعات النفطية" التابعة ل"مجموعة تحليل السياسات" بنيويورك، التي أنشأتها وتمولها الصناعات والشركات النفطية بالولاية. ويعتقد "جولدشتاين" أن تنفيذ هذه التهديدات وترجمتها إلي موقف عملي ممكن وغير مستبعد من قبل حكومة شافيز، سواء من الناحية الاقتصادية أم السياسية، أم الاثنتين معاً. ومضي المتحدث قائلاً إن المقصود بهذا التهديد توقيع عقوبة اقتصادية علي الولاياتالمتحدةالأمريكية، مع ملاحظة أن حكومة شافيز هي من سيدفع ثمنها. كما تعني هذه الفاتورة اختيار فنزويلا طوعاً وإرادة منها لتحمل نفقات ترحيل خام النفط الباهظة عبر كل تلك المسافة الشاسعة البعيدة التي تفصل أمريكا اللاتينية عن الصين. إلي ذلك ذكر المتحدث أن رحلة ناقلات النفط بحراً إلي الصين تستغرق 30 يوماً بالتمام والكمال، بينما تستغرق رحلة الناقلات ذاتها إلي أمريكا 5 أيام فحسب. وعدا عن تكلفة الترحيل، فإن الاختلاف بين الصين وأمريكا، هو أن للأخيرة من المعدات ومصافي النفط عالية الكفاءة، ما يمكنها من تصفية خام النفط الفنزويلي الملوث بنسبة مرتفعة جداً من المواد الكبريتية. والملاحظ أن المناكفات المستمرة بين حكومة شافيز وإدارة بوش، وخلاف شافيز مع تلك الإدارة في كل شيء، ابتداءً من الحرب علي العراق، ووصولاً إلي علاقات بلاده بكوبا، قد دفعت بشافيز وحكومته سريعاً باتجاه توطيد علاقاته النفطية مع الصين. ذلك أن كاراكاس أعلنت مؤخراً اعتزامها مضاعفة صادراتها النفطية إلي الصين من 150 ألف برميل إلي 300 ألف برميل يومياً خلال العام الحالي. وبالمقارنة تصدر فنزويلا حوالي 1.5 مليون برميل نفط يومياً إلي الولاياتالمتحدةالأمريكية. وفي اللقاء الصحفي الذي أجرته معه الصحيفة اليومية Altimas Noticias قلل وزير النفط الفنزويلي "راميريز" من أهمية ما يساق من عقبات وعراقيل أمام محاولة استبدال أمريكا بمشتر وعميل نفطي آخر غيرها. فعلي نقيض ذلك تماماً، صرح وزير النفط قائلاً إن بلاده قد عقدت العزم علي تنويع أسواقها العالمية، وأنها ماضية إلي غير رجعة في هذا الاتجاه. كما نقل عنه قوله: "إن أسهل شيء يمكن فعله، هو تحديد مكان ذلك العميل الجديد، لأنه لا تحيط أدني مشكلة بهذا الإجراء". وقال المتحدث مردداً أصداء تخوفات هوجو شافيز من احتمالات توجيه أمريكا ضربة عسكرية إلي بلاده، إن في وسع فنزويلا الرد علي عدوان كهذا، بمعاقبة واشنطن نفطياً واقتصادياً، وتجفيف الصادرات الفنزويلية إليها. وعندها يتعين علي حكومتي البلدين أن تريا من يتفوق منهما علي الآخر عندما تجدان نفسيهما في موقف كهذا. أما علي صعيد العميل النفطي البديل، فإن السبيل الوحيد لتمكن الصين من استهلاك كميات أكبر من صادرات النفط الفنزويلي، هو تأهيل وتهيئة مصافيها، حتي تتمكن من معالجة مكونات النفط الصادر إليها من كاراكاس. وعلي فنزويلا أيضاً أن تضطلع بعدد من المهام الجديدة في سبيل ترحيل نفطها إلي الصين. منها علي سبيل المثال، زيادة أسطول ناقلاتها النفطية، ومد خط أنابيب عبر الساحل الكولمبي الواقع علي المحيط الهادئ، بما يساعد في تذليل عمليات الشحن والترحيل. الجدير بالذكر أن تهديدات شافيز هذه لم تذرها الرياح ولم تمر دون أن تجد أذناً صاغية لها في أوساط مسئولي البيت الأبيض، وكبار القادة العسكريين الأمريكيين، فضلاً عن تردد أصدائها في أركان الكونجرس ومجلس الشيوخ. ففي جلسات مغلقة سرية، ناقش كبار المسئولين الأمريكيين تهديدات شافيز بتنويع سوق بلاده النفطية، مقترنة بتنامي الدور الصيني في قارة أمريكا اللاتينية عموماً. تعليقاً منه علي ما يجري في واشنطن بخصوص تقديرات الموقف الفنزويلي، قال مايكل شيفتر المحلل الأول في مجموعة الحوار الأمريكي البيني، وهي مجموعة مختصة بالسياسات في واشنطن، ومعنية بمتابعة العلاقات الأمريكية الفنزويلية قال إنه ليس مرجحاً أن تضرب واشنطن بتصريحات شافيز وتهديداته عرض الحائط هذه المرة، مثلما اعتادت دائماً في المرات السابقة. فالتهديد واضح ومحدد الهدف والاتجاه، إلي جانب إمكانية تنفيذه في ظل التوترات التي تشهدها العلاقات بين واشنطن وكراكاس. ولكنه أضاف محذراً: صحيح أن الهدف واضح، ولكن يبقي ما إذا كانت لشافيز القدرة الفعلية علي تصدير نفط بلاده إلي ذلك الجزء البعيد من العالم، ومتي سيبدأ ذلك فعلياً؟ أما القلق الذي يساور واشنطن الآن ويزعجها، فهو أن شافيز قد تحرك بأسرع مما توقع المسئولون الأمريكيون، وبقدرة أكبر مما تصوروا! هذا ومن رأي بعض محللي الطاقة أنه وفيما لو نفذ شافيز تهديداته بالفعل، ووجه صادرات بلاده النفطية إلي أسواق أخري، فإنه يظل في وسع أمريكا إيجاد موردين آخرين، إلا أن ذلك سيستغرق وقتاً أطول ويكلف مبالغ أكبر مما ينفق الآن علي صادرات النفط الفنزويلية. أما رأي جولدشتاين الذي ورد اسمه آنفاً، فهو أن السوق النفطية تتسم بعالميتها، ولذلك فإذا ما حصلت الصين علي صادرات النفط الفنزويلي، فإن ذلك لا يعني حصولها واستئثارها أيضاً بالنفط الشرق أوسطي. وبذلك فإن معدل العرض العالمي من النفط سيظل ثابتاً كما هو، مع تغير وجوه العملاء والمشترين والأسواق.