عندما لا يكون هناك حل فليست هناك مشكلة، هذا ما رآه جيمس بارنهام، المنظر التروتسكي السابق الذي أصبح من دارسي جيواسترتيجية الحرب الباردة. رؤية بارنهام هذه عادت للأذهان مجدداً في ختام اجتماع الرئيس بوس بايهود أولمرت عندما تم الاعلان عن أن رئيس الوزراء الإسرائيلي جاء إلي امريكا ب "أفكار جريئة" من أجل السلام. ما طبيعة هذه الأفكار الجريئة يا تري؟ أولمرت يريد من بوش الاستمرار في موقفه الرافض للتحدث مع السلطة الفلسطينية التي تقودها حماس. وهو يرغب في الدعم الأمريكي لجدار الفصل العنصري الذي يحيط بشرائح واسعة من اراضي الضفة الغربية ويحرم الفلسطينيين من دولة قابلة للحياة إلي الأبد. وهو يسعي إلي كسب اعتراف الولاياتالمتحدة بالخطوط التي رسمتها إسرائيل كحدود نهائية لها. ويريد من أمريكا أن تزيل "التهديد الوجودي" الذي تشكله إيران لإسرائل. وخلال الستة أشهر التي تسبق مباشرة قيامه بتطبيق خطة شارون أولمرت، سيسر أولمرت بالتحدث إلي محمود عباس الرئيس الفلسطيني الذي وصفه بأنه "مجرد من السلطة". ما الخطة التي وضعها بوش للمضي قدماً بمصالحنا في الشرق الأوسط؟ ليست هناك خطة من هذا النوع. وعلي امتداد خمسة أعوام، كانت سياسة بوش تتمثل في اعتماد كل ما يضعه شارون أمامه. والآن وقد أصبح موقف بوش ضعيفاً سياسياً، فإنه ليس بسبيله إلي ألا يختار اشتباكاً لن يفوز فيه أو لا يريده أصلاً. وقد اعتمد بوش أجندة عمل شارون. وإذا كانت لديه سياسة تتناقض مع خطة شارون أولمرت، فإن الحقائق السياسية ستحول دون تنفيذه لهذه السياسة. لنفترض أن بوش قد أعلن أن عمليات الانسحاب التي اقترحها إيهود أولمرت غير كافية، وأن وجوداً فلسطينياً في القدسالشرقية ضرورياً، وأن الولاياتالمتحدة عليها مساعدة الفلسطينيين الذين تقوم إسرائيل بتجويعهم بقطع الامدادات، وعليها التحدث مع حماس بطرق غير مباشرة، علي نحو ما تحدثنا إلي العقيد الليبي القذافي لإقناعه بوقف الإرهاب والتخلي عن اسلحة الدمار الشامل. ربما ترتفع أسهم بوش والولاياتالمتحدة علي امتداد العالم. بيد أنه في الولاياتالمتحدة، سنجد قصة أخري تماماً. لسوف نسمع صرخة التحذير "ميونخ!" في إشارة للتفاوض البريطاني مع هتلر قبيل الحرب العالمية الثانية، وذلك من التبشيريين واليمينيين المتدينين، "بيبي" نتينياهو سيطل باستمرار من قناة فوكس نيوز، التي قد تسأل في كل ساعة عما إذا كان بوش قد فقد عقله. ومن ثم كما فعل والده فيما يتعلق بضمانات قروض اسرائيل التي قام بتعليقها عام 1991 لمدة قصيرة فقط فإن بوش قد يستسلم. وهكذا فإن إسرائيل ستواصل خطة شارون أولمرت حتي تكتمل. كما انه ستجري عمليات انسحاب من المستوطنات والنقاط الاستيطانية الأمامية المعزولة، ولكن لن تكون هناك مفاوضات للموافقة علي حدود دائمة وعلي دولتين مع السلطة الفلسطينية. ستشمل الضفة الغربية قريباً كافة ضواحي القدس بامتداد أميال. وسيتم تقسيم فلسطين إلي ثلاثة أجزاء وهي غزة وجيبان معزولان في الضفة الغربية. ولن يكون هناك وجود فلسطيني رسمي في القدس. ولن تكون هناك دولة قابلة للحياة. وفي تلك الاثناء ستستمر مطالبة أمريكا بمبالغ مالية جديدة وذلك لتقديم العون المالي لخطة شارون أولمرت في الوقت نفسه الذي يتم حثنا علي أداء واجبنا ولي ذارع إيران. ففي الوقت الذي يكون أولمرت قائد طائرة ويوجه المسيرة فإن بوش يوافقه باعتباره ملاحا "أفكاره جريئة" فمن السهل ان نتوقع اتجاه رحلتنا. الدولة الوحيدة اتي ستعترف بحدود إسرائيل الجديدة هي الولاياتالمتحدة، وبضمها للضفة الغربيةوالقدسالشرقية العربية باعتبارها عاصمة لإسرائيل، إسرائيل ستطالب، والولاياتالمتحدة ما عليها إلا النزول عند طلبها، بتعهد واشنطن عسكريا بالدفاع عن حدود اسرائيل الجديدة. ولن تعترف أية حكومة عربية بها. بالتالي سيتم ابعاد اصدقاء أمريكا من العرب عنها. والمعاناة التي يكابدها الفلسطينيون تحت نظام العقوبات الأمريكية الإسرائيلية من شأنها جعلهم يكرهوننا كما يكرهون إسرائيل. ان النزاع بين حماس وفتح علي الإمدادات والموارد الآخذة في التناقص ستزداد حدته، وسيؤدي إلي الانزلاق إلي حرب أهلية، وفي نهاية الأمر مع قطع الامدادات وفقدان الأمل في إجراء المفاوضات فإن حماس ستعود إلي ممارسة العنف وستبدأ الانتفاضة الثالثة. ان أوروبا الغربية والسكان المسلمون فيها تتزايد اعدادهم والنزعة النضالية عندهم لن تعترف بحدود إسرائيل ولن تقر بسياسة أمريكا. كما أنها لن تؤيد الخمسة ملايين إسرائيلي الذين يعتقدون أنهم علي خطأ ضد 300 مليون عربي، الذين سيبلغ عددهم 500 مليون في منتصف القرن. يقول الأمريكيون محقين إننا لن ندع إسرائيل يصيبها الدمار. ولكن لم يتعين علينا الانصياع لإرادة إسرائيل بضم أرض عربية؟ لماذا ينبغي علينا الوقوف مكتوفي الأيدي أمام حرمانها للفلسطينيين من حقوقهم؟ هذه الأسئلة من شأنها ارباك المؤرخين الذين يدرسون النهاية المدهشة والسريعة للهيمنة الأمريكية في القرن الحادي والعشرين.