سيظل شرعياً ما دام يحكم بالعدل، ويراعي أحوال كل أفراد شعب مصر، ولا يجب أن يخشى في الله لومة لائم، ولا يجب أن يستمع لنصائح مستشاري السوء الذين هم من أجل مصالحهم يزينون الباطل والخطأ، ويقودون الرئيس إلى اتخاذ قرارات تجلب الكوارث التي ستضر بشعب مصر وتدمّر وحدته .. هكذا كان يفترض في فترة حكم الرئيس محمد مرسي التي استمرت عاماً كاملاً، ولكن ما حدث عكس ذلك بشهادة كثير من المتابعين، حيث وقع فريسة أخطاء كبيرة أودت به إلى اعتباره رئيساً ساقطاً أو معزولاً حسبما يردد البعض. فخلال عام من حكم مرسي، توالت أخطاء إستراتيجية لجماعة الإخوان نسفت حكم الجماعة، وقادت نظام مرسي إلى الهاوية .. أخطاء لم تقتصر بحسب اتهامات المعارضة على عدم قدرة جماعة الإخوان على احتواء القوى المدنية والليبرالية، بل تخطتها إلى سوء الإدارة ومحاولات الجماعة أخونة مؤسسات الدولة. ولعل أبرز أخطاء الجماعة التي ظهرت طيلة العام الماضي، كان تمريرها للدستور الجديد رغم رفض المسيحيين وجميع القوى المدنية له، والذي كان كفيلاً بإحداث صدع كبير بين جماعة الإخوان وباقي القوى المدنية والسياسية. علاوة على حادثة إقالة مستشار الرئيس خالد علم الدين عضو الهيئة القيادية العليا في حزب النور السلفي، التي أحدثت أزمة ثقة بين الطرفين، دفعت بالأخير بعدها إلى إصدار بيانات تدعم مطالب المتظاهرين في الميادين المصرية. كما اشتدت الأزمات أكثر فأكثر مع رفض الرئيس المعزول مطالب المعارضة بإقالة حكومة هشام قنديل، وتعيين محافظين جدد دون حدوث حكومة توافق وطني وبلا رشادة في القرارات ( اختيار محافظ الأقصر). ناهيك عن حدوث أزمة بين مرسي والمؤسسة الأمنية بدأت بحالة سخط في المؤسسة العسكرية عقب إقالة وزير الدفاع المشير طنطاوي ورئيس هيئة الأركان الفريق سامي عنان، وانتهت بخروج عشرات من ضباط وعناصر الشرطة في مسيرات لمساندة حركة تمرد، بعد اتهام مرسي المؤسسة الأمنية بعجزها عن حماية مقرات الجماعة. تراكمات ومن هنا يرى معظم المراقبين، أنه لم يأت سقوط الرئيس المصري محمد مرسي صدفة، وإنّما نتيجة أخطاء متراكمة أدّت إلى قيام الجيش المصري بخلعه بالقوّة، مستفيداً من دعم ملايين المصريّين الذين نزلوا إلى الشوارع والميادين. وأول هذه الأخطاء: تأثره بتوجهات جماعة الإخوان المسلمين رغم أنه تم انتخابه على أساس إنهاء عضويته أو تجميدها، وأن يكون رئيساً لكل المصريين؛ فإذا بمؤسسة الرئاسة تمتلئ بالإخوان وأنصارهم والسلفيين وأعوانهم، كما أسندت رئاسة الوزارة إلى غير ذي قدرة على القيام بأعبائها الضخمة. ولعل سوء اختيار المعاونين الذين يزينون الأخطاء، ويتمسكون بألاعيب السياسة السيئة التي عانت منها مصر طوال ثلاثين عاماً في عهد مبارك، خير ما أوقعه في أخطاء متكررة، رغم تراجعه عنها واعترافه بها لاحقاً (الخطأ القاتل بالإعلان الدستوري، الدستور الجديد، قرار عودة مجلس الشعب). وثالثها: معاداته لركائز المجتمع الخمس وهي الجيش والشرطة والقضاء والإعلام والخارجية، ومحاولته إتاحة الفرصة لجماعة الإخوان وحزب الحرية والعدالة للتغلغل في صفوف هذه القوى التي من المفترض أن تكون معبّرةً عن الوطن، وليست معبرة عن حزب، فضلاً عن إثارة حالة من التخوين والاتهامات الموجهة لهم بشكل أو بآخر، وتصنيف كل هذه الفئات تصنيفات غريبة عن خلق الإسلام الوسطي (فلول ، فاسدين ، ممولين، أعداء الوطن). أخطاء قاتلة وعن الأخطاء القاتلة التي أودت بحياة نظام الاخوان، كان سوء تقدير الرئيس الحالي لحجم الدعم الشعبي الذي يتمتّع به مثالاً حياًّ على ذلك، فلم يكن حجم المؤيِّدين للإخوان في مصر كافياً، لمحاولة فرض مبادئهم وأسلوب حياتهم على كامل الشعب المصري (ربطه بالانتخابات فقط). علاوة على سوء تقديره لوضع مصر الاقتصادي ، إذ لعبت سياسته الداخليَّة دوراً مؤثِّراً في زيادة البطالة، وفي تفاقم الأزمة المعيشيَّة المالية نتيجة ارتفاع الأسعار، إلى جانب تصريحات بعض الوزراء (تصريحات وزير الكهرباء فيما يخص تخفيف الأحمال، وتصريحات وزير البترول تجاه البنزين والسولار). إلى جانب عدم التزامه أمام الناس بتنفيذ ما تعهد بتحقيقه خلال ال 100 يوم الأولى من حكمه، وهذه التعهدات الخمسة هي أولاً إعادة الأمن، وثانياً توفير رغيف العيش بالجودة الكافية، وثالثاً: إعادة سيولة المرور ومنع الاختناقات والعشوائيات المرورية، ورابعاً تنظيف البلاد من القمامة التي تمثل عنواناً سيئاً لنا كمصريين، وخامساً توفير الوقود وإنهاء أزمات البنزين والسولار والبوتاجاز. فضلاً عن سوء تقديره لنفوذ الجيش المصري في الدولة المصريَّة، وإيمانه بوقوفه إلى صفه مهما حدث، رغم أنَّ نظام سلفه الرئيس محمد حسني مبارك كان عبارة عن تركيبة عسكرية بالأساس ولم يقف بجانبه... فأخطأ مرسي عندما فشل في تقييم تهديدات الجيش عند اندلاع الأحداث الأخيرة (30 يونيو)، واعتبرها بأن رسالة تأييد من الجيش له وداعمة لبقائه في السلطة. وبناءً على ما سبق، يجب على الرئيس القادم مراعاة الدروس والعبر السابقة، كي يدخل التاريخ المصري من أوسع أبوابه كقائدٍ من قياداتها العظيمة القادرة على تلبية احتياجات وطموحات المصريين بلا تمييز وبلا محاباة لا طرف على حساب طرف آخر، أما إذا وقع في فخ أي خطأ من الأخطاء المذكورة، يكون قريباً من مصيدة التاريخ التي لن ترحمه، وقبل كل ذلك سيكون قريباً من عرين الشعب المصري الذي يفترض أن يثور ضد أي حاكم لا يرضيه.