بوابة أخبار اليوم قالت صحيفة الخليج الإماراتية، أن القوى المدنية في مصر تدفع ثمن اندفاعها إلى الصدام مع المجلس الأعلى للقوات المسلحة في أعقاب نجاح ثورة 25 يناير في الإطاحة بالرئيس السابق حسني مبارك. وأضافت الصحيفة في افتتاحيتها – الخميس 7 مارس- أن القوى المدنية رفعت شعارها الشهير "يسقط حكم العسكر"، على الرغم مما كان واضحاً من دور مؤثر لعبه الجيش حين انحاز للمطالب الشعبية التي رفعها ملايين المواطنين المحتجين خلال الأيام الثمانية عشر للثورة . وتابعت أن فترة إدارة المجلس العسكري للبلاد في ما عرف بالمرحلة الانتقالية شهدت وبلا شك أخطاء لقيادات المجلس، عزاها مراقبون مستقلون لقلة الخبرة بشؤون الحكم لديهم، لكن حرب "الاستنزاف" التي خاضتها القوى المدنية ضد المجلس، أسهمت إلى حد كبير في شغلهما معا "المجلس والقوى المدنية"، ولم تراع الأخيرة وقتها أن المؤسسة العسكرية هي الأكثر تنظيماً واستقراراً في البلاد بعد الثورة، كما هي الأقدر على ترتيب الصفوف في مواجهة أي قوى أخرى منظمة. وأوضحت الصحيفة، أنه لم يستفد من حالة الشد والجذب تلك سوى القوى الإسلامية وعلى رأسها جماعة الإخوان المسلمين التي حرصت على التأكيد في غير مناسبة على الدور العظيم الذي لعبه الجيش وقياداته في الثورة، كما حرصت الجماعة على أن تظهر كل التأييد للجيش والرفض لما كانت تصفه بمحاولات النيل من قياداته، على الرغم من أنها شاركت بشكل رمزي في تظاهرات رافضة لبعض قرارات المجلس، حين كانت تريد الضغط على المجلس لاستصدار قرارات رأت قوى المعارضة أنها لم تخدم سوى الجماعة ومؤيديها، وبينها طرح التعديلات الدستورية في مارس 2011 التي قضت بإجراء الانتخابات النيابية قبل إعداد الدستور، وكانت بمثابة نقطة فاصلة في العلاقات بين مختلف أطراف المشهد السياسي في مصر . وأشارت الصحيفة إلى أن القوى المدنية التي رفعت شعار “يسقط حكم العسكر” تعود الآن لترفع شعاراً معاكساً “يا سيسي خد قرارك الشعب المصري في انتظارك”، وأصبحت قيادات بارزة بها تطرح بشكل صريح دعوات لعودة الجيش إلى إدارة شؤون البلاد، في ظل ما تصفه بالفشل المستمر لنظام الحكم الحالي برئاسة الرئيس "الإخواني" محمد مرسي وممارسات جماعة الإخوان المسلمين منذ حصولها على الأغلبية البرلمانية في انتخابات مجلس الشعب "المنحل" وبعدها حصولها على المقعد الرئاسي، وفي المقابل فإن تسريبات عن غضب بين القادة العسكريين إزاء إدارة الرئيس مرسي وضد تصريحات لقيادات في جماعة الإخوان المسلمين، تؤكد أن هناك أزمة بين الجانبين، خاصة مع ما تسرب لفترة من أنباء تم نفيها فيما بعد عن إقدام الرئيس مرسي على إقالة وزير الدفاع الفريق أول عبد الفتاح السيسي من منصبه، فضلاً عن اتهام قيادي بالجماعة للقيادات السابقة بالمجلس الأعلى للقوات المسلحة بتدبير حادث رفح الإرهابي الذي وقع في شهر رمضان الماضي، وراح ضحيته 16 من جنود القوات المسلحة وعدد من المصابين، وهو الحادث الذي لم تعلن أي من الجهات بالبلاد نتائج التحقيقات فيه . وقال القيادي بالإخوان علي عبد الفتاح في تصريحاته تلك: إن القيادات العسكرية السابقة دبرت تلك الحادثة تمهيدا للإطاحة بالرئيس مرسي . ولفتت الصحيفة إلى رد الفعل الصادر من جانب القوات المسلحة على ما تردد عن اتجاه مرسي إقالة الفريق السيسي الذي وصفه مراقبون بأنه "شائعة إخوانية" قصد منها قياس رد الفعل العسكري في حال الإقدام على مثل هذه الخطوة، جاء سريعاً وحاسماً، حيث نشرت تصريحات منسوبة لمصدر عسكري أكد فيها بعبارات حادة أن "النظام لن يستطيع تحمل غضب المؤسسة العسكرية حال تكشيرها عن أنيابها، واللعبة التي يقودها بعض رموز جماعة الإخوان المسلمين ضد الجيش في الفترة الحالية في منتهى الخطورة، وستنعكس بشكل سلبي على مستقبل البلاد"، مشدداً على أن الجيش متضامن تماماً مع وزير الدفاع ولن يرضى أبدا بأي محاولة للغدر به، كما حدث مع المشير حسين طنطاوي، والفريق سامي عنان، بعدما سلما البلد للرئيس المنتخب. وفي المقابل فإن جماعة الإخوان المسلمين سارعت إلى محاولة احتواء الأزمة الساخنة مع الجيش وأعلنت عن إحالة القيادي صاحب التصريحات “الأزمة” لتحقيقات داخلية بحزبها “الحرية والعدالة”، فيما أطلق مرشدها العام محمد بديع تصريحات أكد فيها تقدير جماعته للمؤسسة العسكرية، وحرصها على العلاقات الطيبة معها، وعلى عدم المساس بها وبرموزها، واصفا الجيش بأنه أكثر مؤسسة رسمية منظمة في مصر، وأن جماعته "الإخوان" أكبر مؤسسة شعبية منظمة في الشارع المصري . وذكرت أن جماعة الإخوان المسلمين تدرك طبيعة التقاليد الراسخة لدى المؤسسة العسكرية المصرية والقائمة على احترام الأوضاع المؤسسية الشرعية والرافضة للانقلاب عليها، لكن تجربة انحياز القوات المسلحة لدعم مطالب الشعب المصري في ثورة يناير والاعتراف بشرعية غضبه على ممارسات الرئيس السابق حسني مبارك تظل ماثلة أمام أعين الكثير من قيادات الجماعة، لذلك يحرص عدد منهم على إطلاق تصريحات بين الحين والآخر تحمل الكثير من الود للمؤسسة العسكرية، وفي المقابل فإن تصريحات كبار القادة العسكريين وإن كانت تؤكد هي الأخرى على احترام الشرعية في البلاد، فإنها تشدد على أن القوات المسلحة هي ملك الشعب المصري فقط، وترفض أي محاولات لتهديد الأمن القومي أو وجود ميليشيات مسلحة في البلاد، “أو السماح لأي فصيل سياسي بالسيطرة على القوات المسلحة، أو العبث بهويتها الوطنية”، فضلا عن التلويح بأن الجيش لن يسمح بانزلاق البلاد إلى الفوضى، والتصريح الأشهر لرئيس الأركان الفريق صدقي صبحي بأن “الجيش يراقب ما يحدث في البلاد، وأن الشعب المصري لو احتاج القوات المسلحة فستكون في الشارع في أقل من ثانية” . وقالت أنه في المقابل فإن قوى معارضة تراهن على أن يفرض الواقع المصري على الجيش التدخل والعودة للمسرح السياسي في حال اتساع دائرة دعوات العصيان المدني التي انتشرت في عدد من المدن المصرية خاصة في منطقة قناة السويس، وعلى رأسها مدينة بورسعيد، فضلاً عن اتساع دائرة المواجهات بين قوات الشرطة والمتظاهرين المحتجين على حكم الرئيس مرسي وجماعة الإخوان، حيث يظل راسخا في أذهان أغلبية المصريين أن الجيش هو المؤسسة الوحيدة القادرة على منع تدهور الأوضاع إلى الأسوأ، لكن مراقبين يرون أيضاً أن النقطة التي يمكن لها أن تكون وحدها الفاصلة في هذا الأمر هي إقدام جماعة الإخوان المسلمين على أي محاولات لاختراق القوات المسلحة أو السعي للسيطرة عليها و”أخونتها”، لافتين إلى أن سلسلة الأخطاء التي ترتكبها الجماعة في إطار تعجلها بسط هيمنتها على مؤسسات البلاد المختلفة لا يستبعد معها الوقوع في هذا الخطأ الذي سيكون فاصلا في العلاقة بينها وبين الجيش. ويرصد مراقبون مواقف بدا أن فيها تباعدا بين موقف القيادة العسكرية من جانب والمؤسسة الرئاسية من جانب آخر وبينها موقف الجيش من فرض الرئيس حالة الطوارئ في مدن القناة بعد اشتباكات جرت على خلفية أحداث بورسعيد وهو القرار الذي اضطر مرسي إلى تخفيفه بعد إصداره بأيام قليلة، وفسرت تقارير إعلامية ذلك برفض الجيش الإشراف على تنفيذ القرار لأنه سيضعه في مواجهة مباشرة مع المحتجين عليه، واكتفائه الجيش بتأمين المنشآت والمناطق الحيوية في أماكن الاشتباكات، وعلى رأسها المجرى الملاحي لقناة السويس ومنشآت هيئة إدارتها . موقف آخر بدا منه أن هناك خلافاً بين الجانبين وتمثل في إصدار الفريق السيسي قرارا وزاريا في ديسمبر الماضي بتحويل حدود مصر الشرقية مع “إسرائيل” وغزة إلى منطقة عسكرية مغلقة بعمق خمسة كيلومترات، باستثناء مدينة رفح، ما اعتبر وقتها محاولة لمنع تسلل العناصر الجهادية الفلسطينية من غزة إلى مصر، ومن قبل كانت أزمة الدعوة لحوار بين مختلف أطراف المشهد السياسي برعاية من القوات المسلحة وهي الدعوة التي جرى التراجع عن إتمامها بعدما تردد عن وجود غضب رئاسي وإخواني لإطلاقها باعتبارها تجاوزا للمؤسسة الرئاسية في البلاد . التطلع إلى دور للقوات المسلحة للخروج من الدائرة المغلقة بالمشهد الراهن في البلاد يأتي، وبعيدا عن حسابات القوى السياسية المختلفة، سواء في المعارضة أو الحكم، تأكيدا للمكانة التي تحظى بها المؤسسة العسكرية في نفوس المصريين، والتي تكرست بانحيازها لثورة يناير .