تحولت المساجد في تونس إلى ساحات للعراك والاشتباكات، والقوي من يفرض رأيه على الأخر وتكون كلمته مسموعة لدى المصلين، حتى وصل الأمر إلى هجران بعض المساجد من قبل المصلين تجنبا للخلافات والمشاجرات التي أصبحت بالسلاح الأبيض. أزمة المساجد التونسية ليست وليدة اللحظة، لكن من وقت للأخر تطفو على السطح بتبعات جديدة، أخرها إعلان أكثر من 200 إمام في ولاية تونس عن دخلوهم في إضراب مفتوح عن الطعام. إضراب مفتوح أعلن الكاتب العام لنقابة إطارات المساجد فاضل عاشور يوم الخميس الماضي، أن الأئمة سيدخلون في إضراب مفتوح عن الطعام، في الأول من شهر رمضان القادم احتجاجاً على تردّي أوضاعهم المادية والمعنوية. وهدّد عاشور، بحسب ما أوردت صحيفة «الشروق» التونسية، بمقاضاة وزير الشؤون الدينية نور الدين الخادمي بتهمة تجاوز السلطة، باعتبار أنه ألغى دوره في تعيين أئمة المساجد، وأصدر منشوراً فوّض من خلاله للمصلين الصلاحية في اختيار الإمام الذي يرغبون في تنصيبه، ما يتعارض مع صلاحيات الوزارة على حدّ قوله. إلى ذلك، أكد أن 178 مسجداً في تونس لا تزال خارج سيطرة الوزارة بعد أن استولى عليها عدد من السلفيين الجهاديين الذين يمارسون كل أنواع العنف للسيطرة والتحكّم في دواليب المساجد ليصل عدد الأئمة والخطباء الذين تعرّضوا للاعتداد من قبل هؤلاء الى 1048 شخصاً، دون أن يتمّ فتح تحقيق من قبل سلطة الإشراف في مختلف هذه الجرائم التي استهدفت المساجد، ودون أن يتم تتبّع أي فرد من مرتكبيها. كما أكد أن صمت الوزارة على هذه الاعتداءات والتجاوزات الحاصلة في عدد كبير من المساجد يطرح نقاط استفهام عديدة ويؤكد أن المعتدين الذين نصّبوا أنفسهم أئمة وخطباء في المساجد والجوامع دون أي وجه حق لهم أياد خفية تسهر على حمايتهم. مؤكداً أن جل السلفيين في تونس الذين شرّعوا لأنفسهم منصب الإمام أو الخطيب في المساجد، هم في خدمة أحد المراكز الثقافية الخليجية وهم يشرفون على جمعيات دينية مقابل الحصول على تمويلات من الخارج تصل إلى حدود 150 ألف دولار للجمعية الواحدة. على الجانب الأخر أكّدت وزارة الشؤون الدينية في بلاغ صدر لها الخميس أنّ كلام بن عاشور يدخل في إطار الإرباك والتشويش والمزايدة مضيفة عزمها رفع قضية ضدّه بتهمة نشر أخبار زائفة. معركة المساجد ووسط مخاوف من استقواء التيار السلفي وتوغله في تونس، احتد الصراع بين أنصار السلفيين وحركة «النهضة» لكسب معركة «المساجد» مما زاد من ضبابية المشهد السياسي. وأصبح الكثير من التونسيين يفضلون الصلاة في بيوتهم على التورط في الجدل بين الطرفين حول كيفية أداء الصلاة، خصوصا وهو جدل ينتهي في بعض الأحيان باستعمال الأذرع أو التهديد. ووصل الأمر إلى استعمال السلفيون، العصي والأسلحة البيضاء في مدينة غار الدماء بعد خلاف مع أنصار «النهضة» حول كيفية الصلاة. كما نقلت بعض الصحف خبرا مفاده أن أمام جامع وصف في خطبة جمعة، غير الملتحي بالمخنث والمتشبه بالنسوة في المقابل ذكر مواطنون، لموقع «الصحفيين التونسيين» بصفاقس، أن سلفيين استحوذوا على المكان المخصص لقبول التعازي بجامع سيدي اللخمي بصفاقس قصد تهيئته للاعتكاف. واستولى السلفيون على حوالي 400 منبر من منابر المساجد بعد أن طردوا خطباءها بعلة أنهم من بقايا نظام بن علي. واعترف نور الدين الخادمي وزير الشؤون الدينية خلال افتتاحه ندوة علمية حول «المساجد في تونس بعد الثورة» ، بأن المساجد التي استولى السلفيون على منابرها تشهد «مشاكل خطيرة» في إشارة إلى إنزال الأئمة من على المنابر بالقوة وإجبار مصلين على تغيير المساجد التي تعودوا على أداء الصلاة فيها متعهدا بفض «الإشكاليات داخل بيوت الله» في اقرب الآجال. يذكر أن أئمة المساجد و الإطارات الدينية دخلوا يوم 8 أغسطس 2012 في إضراب عن العمل و ذلك للمطالبة بإرجاع المطرودين من حاملي صفتهم، و يعد هذا الإضراب الأول في تاريخ هذا القطاع في تونس. ظاهرة قديمة وحول هذا الجدال القائم أكد محمد خوجة رئيس حزب «جبهة الإصلاح» لصحيفة « التونسية» أن ظاهرة الخلافات داخل المساجد ليست جديدة وإنما هي ظاهرة قديمة بالأساس. مشيرا إلى أن الأشكال لا يكمن في الخلاف وإنما في إيجاد الحلول الجذرية لتجاوز هذا الخلاف وذلك من خلال التوافق بين كل المصلين وسلطة الإشراف المتمثلة في وزارة الشؤون الدينية لتعيين أئمة الخمس صلوات وأئمة صلاة الجمعة. وأضاف رئيس «جبهة الإصلاح» أن التوافق بين المصلين والوزارة ضروري حتى نتجنب الصراعات الداخلية داخل المساجد وكذلك من أجل تطويق الخلافات وتجاوز كل الإشكاليات ولا يكون ذلك إلا بإيجاد حلول توافقية مؤكدا أنه لا يمكن تعيين إمام يرفضه المصلون لان ذلك لا يجوز فقها لذلك لابد من حل يرضي جميع الأطراف ويجمع كافة المتدخلين لاختيار الأئمة والمشرفين على المساجد. وأشار خوجة إلى أن الاجتماع على طاولة التفاوض والنقاش مسألة هامة من أجل تجنب التصادم قائلا إن العنف وفرض الآراء بالقوة يولد العنف ويعمق المشاكل لذا لابد من حلول توافقية. وحول ما تشهده تونس من عنف وصل إلى حد استعمال الأسئلة البيضاء واشتباكات بالأيدي ، أكد رئيس حزب «جبهة الإصلاح» أنه في كثير الحالات يتم توظيف مندسين لإشعال الفتنة بين المصلين بالإضافة إلى التحريض على استعمال العنف والقوة داخل بيوت الله والتي لا يجوز فيها رفع الصوت أو ارتكاب مثل هذه الأفعال لان بيوت الله جعلت للعبادة وللسجود والموعظة والترشيد. وفيما يخص إنزال الأئمة من على المنابر والاعتكاف في المساجد وطرد بعض المواطنين، قال عادل العلمي رئيس جمعية الإصلاح والتوعية إن الدولة مطالبة بتطبيق القانون وردع كل المخالفين مشيرا إلى ضرورة الاستئناس بآراء المصلين من أجل تجاوز كل الإشكاليات. وأضاف العلمي أن جمعية الإصلاح والتوعية تقدمت بمجموعة من المقترحات إلى وزارة الشؤون الدينية على غرار تنظيم دور العبادة بالتنسيق مع رواد المساجد مع ترشيح أئمة معينين من طرف الوزارة مؤكدا على ضرورة ترسيخ الهوية التونسية وتمكين المدرسة الزيتونية من مهمة تعيين الأئمة حتى نتفادى التجاذبات والمهاترات. خطأ فادح واعتبر رضا بلحاج الناطق الرسمي لحزب «التحرير» أن وزارة الشؤون الدينية ارتكبت خطأ فادحا عندما احتكرت الشأن الديني وتسلطت على المساجد بطرق إدارية «مقرفة» تذكرنا بالممارسات القديمة. واتهم بلحاج وزارة الشؤون الدينية بتعيين أئمة موالين لحركة «النهضة» مما خلق نوعا من الفوضى المقصودة هدفها السيطرة على بعض المساجد الحساسة. وقال بلحاج إن بعض الأئمة المعينين تنقصهم الكفاءة ويقدمون خطبا هزيلة جدا وهو ما يخلق امتعاضا وتململا داخل صفوف المصلين ويجعلهم يحتجون. وعلى الجانب الأخر وصف عبد الحميد الجلاصي القيادي في حركة «النهضة» الوضع في المساجد العادي قائلا:« الوضع عادي في المساجد مقارنة بالأشهر السابقة، مشيرا إلى أن ما حدث في بعض المساجد حالات استثنائية وتبقى تداعياتها نسبية. وأكد الجلاصي أن حركة «النهضة» منذ فبراير2011 أثبتت موقفها من خلال الآية الكريمة «المساجد لله فلا تدعو مع الله أحد» داعيا إلى تحييد المساجد والتعامل مع القنوات الشرعية وفقا لمعايير معروفة (الكفاءة والتقوى والجدارة ورأي عامة المصلين في شخصه) مؤكدا أن تونس ستبقى بلد القانون ولابد من الانضباط والشفافية. ورفض الجلاصي تقسيم المصلين وتهييجهم على بعضهم البعض مهما كانت المبررات فما بالك بترويع المصلين واستعمال العنف ضدهم. مؤكدا على ضرورة إشاعة ثقافة الاختلاف وتقبل الآخر والتعايش معه إلى جانب إشاعة ثقافة دينية تجديدية متنورة تسمح بترتيب التكاليف الدينية والتمييز بين ما هو مستحب وبين ما هو سنة أو سنة مؤكدة . ممنوع الدخول في سابقة تعد الأولى من نوعها منعت وزارة الداخلية التونسية، الجمعة، 8 دعاة من دولة خليجية من دخول البلاد، كما كان يحدث في عهد بن علي ، حيث كان غير مسموح لدعاة أجانب بدخول البلاد. وقالت الوزارة في بيان مقتضب تعلم وزارة الداخلية أنها منعت 7 يونيو 2013 دخول 8 أشخاص قادمين من أحد البلدان الخليجية إلى تونس كانوا يعتزمون القيام بأنشطة دينية. ولم تكشف الوزارة عن الدولة التي قدم منها هؤلاء ولا عن طبيعة «الأنشطة الدينية» التي كانوا يعتزمون القيام بها في تونس. وهذه أول مرة تعلن فيها الوزارة التي يتولاها لطفي بن جدو (مستقل) عن منع دعاة قادمين من دول الخليج العربية من دخول تونس. وتنتقد المعارضة ومنظمات غير حكومية ووسائل إعلام تونسية استقدام جمعيات دينية محسوبة على حركة النهضة الإسلامية الحاكمة في تونس. وتواجه هذه الجمعيات اتهامات بتجنيد شبان تونسيين وإرسالهم إلى سوريا لقتال القوات النظامية تحت مسمى «الجهاد». وتقول وسائل إعلام محلية إن دعاة الخليج يعاملون في تونس معاملة الرؤساء إذ تفتح لهم قاعة الشخصيات الرسمية بالمطار ولا تفتش حقائبهم ويتنقل بعضهم في سيارات فارهة مصفحة وسط حراسة أمنية مشددة. وفي 9 مايو الماضي قال راشد الغنوشي رئيس حركة النهضة إن الدعاة الذين تستقدمهم جمعيات إسلامية تونسية يقوضون الأسس الدينية للإرهاب في تونس التي قال إنه لم يبق فيها شيوخ دين محليون بسبب سياسة "تجفيف المنابع" التي انتهجها الرئيسان الحبيب بورقيبة 1956-1987 وزين العابدين بن علي 1987-2011. كما انتقد الرئيس التونسي المنصف المرزوقي في 11 مايو الماضي توافد الدعاة الخليجيين على بلاده قائلا "نحن مع الدعاة التونسيين وليس الدعاة الذين يأتون من مكان آخر ، فلنا ما يكفي من مشايخ جامع الزيتونة ومفكريها ليربحوا المعركة الفكرية ضد التطرف.