تغيرت عقيدته العسكرية من الدفاع إلى الهجوم واستخدمته الولاياتالمتحدة في كثير من غزواتها وحروبها، وجعلته الظهير الإستراتيجي العسكري لها في العالم ومنها آسيا وأفريقيا والعالم العربي، مستغلة مفاهيم أيديولوجية "حرب العقائد والأفكار" هذا هو حال «حلف الناتو» . وكانت الثورة الليبية - مؤخراً - مثالاً حياً على تدخل «حلف الناتو» في حل كثير من الأزمات، كما كان له دور في أزمتي الكويت وأفغانستان، غير أن الأزمة السورية الأخيرة، كشفت حقيقة هذا الحلف والذي يعتمد بصورة كبيرة على مصالح وسياسات الدول الكبرى وخاصة الولاياتالمتحدةالأمريكية فيه، التي تحدد توجهاته وأجندته الخاصة تجاه معظم الأزمات؛ الأمر الذي جعله في محل شك من جميع الدول وخاصة العربية. دور محوري وتأسس حلف شمال الأطلنطي – الناتو- عام 1949م، بناءً على معاهدة شمال الأطلنطي والتي تم توقيعها في "واشنطن – الولاياتالمتحدةالأمريكية"، ويقع مقر قيادة حلف الناتو في بروكسل عاصمة بلجيكا. وللحلف لغتان رسميتان هما: الإنجليزية والفرنسية، وقد تحدد دوره منذ نشأته في حراسة حرية الملاحة، وحماية الدول الأعضاء من أي اعتداء عسكري عليها باستخدام حشد القوة العسكرية المتحالفة فقط؛ ونظراً لمساهمة كافة الدول الأعضاء في حشد القوات وتوفير المعدات العسكرية- لتشكيل حلف عسكري يعد الأكبر من نوعه في العالم وتكوين شبكة علاقات وطيدة به- لعب حلف الناتو دوراً محورياً في عدد من الأزمات السياسية. ظهير عسكري وأخذ حلف الناتو يتجه نحو تنفيذ مهام إستراتيجية عسكرية خارجية ذات منحى سياسي واقتصادي تم التخطيط له من قبل الولاياتالمتحدة، وأصبح الظهير العسكري الساند لها في أوروبا وقوة ردع لآسيا وأفريقيا ضمن فلسفة الصراع القاري، ولاسيما مع نهاية الحرب الباردة وتفكيك الاتحاد السوفيتي، والتي تركت لأعضاء الحلف الباب مفتوحاً أمام مهام حربية مستقبلية هلامية تطال كافة بقع الأرض. فتعاظم دوره العسكري في أفغانستان والعراق والخليج وأفريقيا واليمن، فضلاً عن التقارب الناعم نحو القوقاز ودول آسيا، وهو خارج الإطار الإستراتيجي الذي تأسس من أجله الحلف في بداية النصف الثاني من القرن الماضي والذي ينتهج العقيدة الدفاعية. ومن هنا، ظهر الشك لدى عدد كبير من المفكرين نتيجة ذلك التحول من العقيدة العسكرية الدفاعية (دفاعي عن أوروبا) إلى العقيدة العسكرية الهجومية وتنفيذ مهام حربية هجومية في كافة دول العالم، فوصف معظم المحللين ذلك، بأنه محاولة توسعية للهيمنة على مقدرات وثروات الشعوب، وإعادة العالم والمنطقة إلى مفهوم الاستعباد والاستعمار القاسي والناعم. وخير دليل على ذلك، ما شاهدناه من قيامه بفتح أسواق صناعة ونقل واحتكار النفط والغاز في كل مكان بالقوة، وترويج واسع لسوق السلاح، والسماح بصناعة الإرهاب وتجارة الأمن والمرتزقة في دول العالم الثالث، وكذلك غزو المنتجات الأمريكية في العالم وآسيا والعالم العربي الإسلامي. تحديات متنوعة وعلى الرغم من ذلك يشير المحللون إلى أن حلف الناتو يواجه تحديات عدة، منها ما هو داخلي وآخر خارجي. وعن الأسباب الداخلية، فيواجه الحلف خطر الدول الفاشلة، وهي تلك الدول التي تعاني من مخاطر أمنية كبيرة مثل: الإرهاب، وانتشار أسلحة الدمار الشامل، والقرصنة، وأمن الطاقة. وبالتالي فإن اهتمام الناتو بمثل هذا النوع من الدول يتعين أن يكون سابقاً ولاحقاً للانهيار والفشل. فإذا كان الناتو قد بذل الكثير من موارده في مواجهة مخاطر فشل الدولة، فإنه كان بالأحرى أن يحول دون فشلها من خلال بناء مؤسسات الدولة وترسيخها. علاوة على ذلك يواجه الناتو، تحدياً آخر وهو الهجرة غير الشرعية للدول الأوروبية، فعلى الرغم من أن تلك القضية ليست بجديدة، إلا أن التحولات السياسية التي تشهدها دول الشمال الإفريقي أدت إلى تنامي مخاطرها، حيث أدى نزوح آلاف المهاجرين إلى إيطاليا التي قامت بدورها بمنح هؤلاء المهاجرين تأشيرة الدخول للدول الأوربية الأخرى، إلى اتجاه فرنسا للتهديد بإيقاف العمل باتفاقية "شنجن". وتكمن مخاوف هذه الدول من هؤلاء المهاجرين في النقل التدريجي للأفكار والمعتقدات من دول الجنوب إلى نظيرتها في شمال المتوسط، في ظل تعارض القيم بين الجانبين، فضلاً عن أن تدني المستوى التعليمي لهؤلاء المهاجرين يجعل لديهم قبولاً بأي وظائف، وهو ما يمثل ضغوطاً على فرص العمل في الدول المضيفة. كما يواجه الناتو مشكلات وتهديدات تتعلق بأمن الطاقة، والتي بدأ الاهتمام المباشر بها في قمتي "ريجا" 2006 و"بوخارست" 2008، عندما تضمن البيان الختامي ما مؤداه أن المصالح الأمنية للحلف يمكن أن تتأثر بانقطاع إمدادات الموارد الحيوية، وخاصة في ظل ارتفاع أسعارها وتعرضها للتهديد والخطر، ومن ثم فهو في حاجة ماسة إلى البحث عن مصادر بديلة للطاقة، كما يتطلب التعاون بين الناتو والمنظمات المعنية للحفاظ على ذلك المورد الحيوي، (وهو ما يفسر لنا تدخله في الثورة الليبية عن غيره من الأزمات مثل الأزمة السورية) . وفي إطار التحديات الخارجية، لا يزال تنامي نشاط تنظيم القاعدة في دول المغرب العربي رغم تراجع دور التنظيم بعد مقتل زعيمه أسامة بن لادن، أحد أبرز التهديدات التي تلاحق حلف الناتو. وليس أدل على ذلك سوى ما قاله الأدميرال "جيمس ستارينديس"، قائد قوات حلف الناتو، أمام مجلس الشيوخ الأمريكي خلال شهر مارس 2011، "احتمال وجود أو تأثير للقاعدة وحزب الله في المعارضة الليبية". علاوة على ما أشار إليه الرئيس التشادي إدريس ديبي من أن تنظيم القاعدة في بلاد المغرب العربي يسهم بقدر كبير فيما يجري في ليبيا. كما يواجه الحلف جملة من الانتقادات، ولاسيما الولاياتالمتحدةالأمريكية، عقب ما سمته "الحرب على الإرهاب"، والتي خاضت بموجبها حروباً في أفغانستان والعراق من قبل الشعوب العربية والمنطقة العربية بصفة عامة، فتزايدت النظرة السلبية عن الأحلاف في المنطقة العربية، ولاسيما مع تدخله في أزمات عربية منها حرب الخليج الثانية عام 1991، التي شاركت بها الولاياتالمتحدةوفرنسا وبريطانيا وإيطاليا، لضمان عدم سيطرة العراق على نفط دولة الكويت أو نفط المنطقة الشرقية من المملكة العربية السعودية، علاوة على تدخله الأخير في ليبيا. ونخلص من هذا كله، إلى أن تدخل الناتو في الأزمة الليبية وعدم تدخله في الأزمة السورية حتى الآن يؤكد على أن الحلف أداة من ضمن أدوات السياسة الأمريكية وصانع القرار الأمريكي دون سواه، والذي يرتبط بصورة كبيرة بفكرة المصلحة البرجماتية.