على الرغم من نجاح المعارضة في توحيد صفوفها في إطار ما يعرف ب"جبهة الإنقاذ الوطني"، ونجاحها في انتقاد سياسات النظام الحاكم في كثير من الأوقات وبخاصة في حالة الإعلان الدستوري المكمل، إلا أنها لا تزال بحاجة إلى الكثير والكثير؛ كي تصبح معارضة حقيقية تستطيع مجابهة أخطاء النظام الحالي وتقديم البديل المناسب. لذا؛ دعا مؤخراً رئيس حزب الدستور? المنسق العام لجبهة الإنقاذ في مصر الدكتور محمد البرادعي، قيادات الأحزاب المدنية إلى الاندماج في حزبين كبيرين؛ توحيداً للصفوف والقدرة على التنافس مع تيار الأحزاب الدينية، مقترحاً أن يضم أحد الحزبين الأحزاب ذات التوجه الليبرالي الاجتماعي مثل "الدستور والمصري الديمقراطي والمصريين الأحرار ومصر الحرية، فيما يضم الحزب الآخر الأحزاب اليسارية والناصرية مثل "الكرامة والناصري والتحالف الشعبي الاشتراكي والتجمع، إضافة إلى التيار الشعبي الذي يتزعمه حمدين صباحي". وفي هذا الصدد، نسعى إلى توضيح الأهداف التي يفترض أن تقوم بها المعارضة الحقيقية وماهية التحديات والصعوبات التي تواجهها حالياً؟ وكيف يمكن أن تنتقل من مشهدها الحالي إلى أفاق المستقبل؟ قاعدة أساسية بداية تُعرف المعارضة الحقيقية، بأنها أحد أهم المكونات الرئيسة في النظم السياسية، لكونها إحدى قواعد تقييم الحياة السياسية الهادفة إلى مراقبة أداء النظم الحاكمة، وانتقاد سياساتها الخاطئة، وتقديم الحلول المناسبة لمشكلاتها، فهي تسهم بصورة أو بأخرى في تحسين مستوى الحريات، وتطوير الأداء السياسي في المجتمع، إلى جانب مساهمتها في زيادة وعي الناس بشئونهم. وبالتالي يضعف دورها، عند ما تفشل في تطوير وتنمية المجتمع ونشر الوعي بداخله، وفي تقويم برامج الحكومة، وخاصة عند محاولتها صناعة أزمات مع الحكومات بغرض إحراجها أمام الرأي العام، أو خلق مشكلات بشكل متكرر، أو تجاهل القضايا الكبرى في المجتمعات، والاكتفاء بالتعامل مع القضايا الصغيرة الضيقة. خندق الضعف ومن خلال متابعة المشهد الحالي، يؤكد البعض على أن المعارضة المصرية لا تزال في خندق الضعف، ولكن قبل أن نسرد مظاهر ذلك الضعف، نود الإشارة إلى مكونات المعارضة الحالية، والتي ظهرت بعد ثورة الخامس والعشرين من يناير، حيث تتشكل من أحزاب ليبرالية ومدنية أبرزها حزب الوفد، والحزب المصري الاجتماعي الديمقراطي وحزب المصريين الأحرار، إلى جانب عدد من الحركات والائتلافات الثورية مثل حركة 6 أبريل وحركة كفاية. وهناك من يصنف عدداً من الأحزاب ذات المرجعية الإسلامية تحت بند المعارضة السياسية، مثل حزب النور السلفي، والذي أصبح مناهضاً لسياسات الحكومة في أكثر من مناسبة مثل التعديل الوزاري الأخير، فضلاً عن شخصيات وطنية مثل محمد البرادعي، وحمدين صباحي، و"جورج إسحاق" مؤسس حركة كفاية. إفلاس سياسي وقد شهدت تلك القوى المعارضة حالة من الإفلاس السياسي وربما الفقر الجماهيري، ويرجع ذلك إلى عدد من العوامل، تتمثل أولها في معاناة تلك القوى من الانشقاقات والتصدعات الحزبية، والتي أضحت السمة الغالبة لمعظم الأحزاب السياسية، حتى الأحزاب ذات الخلفية الدينية حزب النور السلفي، حزب الوطن، على عكس جماعة الإخوان المسلمين وحزب الحرية والعدالة المنبثق عنها. كما عانت المعارضة من حالة الإفلاس البرامجي وسيطرة الجمود الفكري والتنظيمي داخلها، علاوة على الإخفاق السياسي والجفاء الجماهيري والفقر في الكوادر والكفاءات السياسية. وتتمثل ثالث هذه العوامل في تعرضها لعدد من الظواهر السلبية الخطيرة، مثل استشراء الشخصنة وغياب المؤسسية، وتضخم الصراعات البينية حول الزعامة، فضلاً عن التداخل الشديد، خصوصاً في حالة الأحزاب ذات الخلفية الإسلامية، بين الديني والسياسي واستحالة الفصل بين النشاط الدعوى والعمل السياسي. حسابات حزبية ونتيجة لتلك العوامل والتحديات السابقة، فقدت المعارضة المصرية مسئوليتها الوطنية، وظهرت الاعتبارات الفئوية والحسابات الحزبية، عن مصلحة الوطن، حيث اختزلت مقاصدها في إسقاط نخبة الحكم وإعاقة المسيرة السياسية، فضلاً عن سعي بعض القوى منها إلى الاستقواء بالخارج وإقحام أطراف وطنية غير سياسية كالقوات المسلحة، أو العناصر الخارجة على القانون، أو التعاون مع فلول النظام السابق، للحيلولة دون صعود الإسلاميين وانفرادهم بالسلطة. وفي الوقت الذي عجزت فيه الأحزاب السياسية المدنية بأطيافها الشتى عن تقديم بديل ملائم للنخب الحاكمة، ظهرت الأحزاب ذات المرجعية الإسلامية، وطورت من ذاتها، وقدمت نفسها للجماهير، في حين شهدت القوى المدنية حالة من الإفلاس السياسي والفقر الجماهيري، وهو ما دفع بعضها إلى الاستقواء بفلول النظام السابق بغية الاستفادة بخبراتهم التنظيمية وزخمهم الجماهيري وإمكاناتهم المالية في مواجهة الأحزاب والقوى ذات المرجعية الإسلامية. ولم يجد بعضهم غضاضة في الاستعانة ببعض الخارجين على القانون لإرباك النخبة الحاكمة المنتخبة، أو الاستعانة بالخارج لتحقيق مصالحهم والضغط على النظام الحاكم. وبالرغم من إعلان جبهة الإنقاذ نيتها خوض الانتخابات البرلمانية المقبلة بقائمة موحدة في إطار الانتقال من الثورة إلى الدولة، إلا أن تأكيد بعض قياداتها على أن الهدف من وراء تحركهم يكمن في إسقاط الدستور الجديد وإقصاء الإسلاميين، توحي بالإحباط من سلوك المعارضة التي تصر على اختزال الثورة المصرية في الصراع على السلطة. ونخلص من هذا كله، إلى أن دور المعارضة السياسية في تراجع كبير، فهي لم تسع إلى تقويم أداء النظام وتصحيح مساره، سواء من خلال الرقابة أو عبر تقديم البرامج والمشاريع البديلة، كما فشلت أيضاً في ملء الفراغ الناجم عن وجود سلطة منفصلة عن المجتمع. وبذلك وضعت المعارضة نفسها في موقف سيئ بين الاستثقال والسعي للتقويض أو الترويض من قبل النخبة الحاكمة، وبين فقدان الثقة من قبل الجماهير الغفيرة. لذا؛ نحن بحاجة إلى معارضة حقيقية، تعي دورها جيداً وتحمل أفكاراً وبرامجاً وخططاً قوية، وتعمل في تنظيمات جماهيرية، وتعيش قضايا المجتمعات ومشكلاته وتتلمس واقعها وتسعى لعلاجها، وتحترم قيم ومعتقدات المواطنين وعاداتهم وتقاليدهم الاجتماعية واهتماماتهم وتوجهاتهم المختلفة.