تغير الواقع المصري بشدة ومازال يتغير لكن يبدو أن أحزاب ما يسمي بالقوي المدنية تريد أن يتغير أو تستوعب التغيرات السريعة والنسبية التي تعتري هذا الواقع سياسيا واجتماعيا. فحتي الآن لم تحقق محاولات تلك الأحزاب اعادة بناء ذاتها وتقوية قدراتها التنافسية في مواجهة التيار الإسلامي- مثلما تعلن- نجاحا ملموسا. فحضورها مازال ضعيفا أو غير محسوس في كثير من الأحيان. لذا فإن سعيها إلي المشاركة في صنع القرار والسياسات العامة بدعوي عدم انفراد فصيل بعينه بالحكم وإقصاء الفصائل الأخري لم تفض إلي شيء. إن السياسة لا تعترف إلا بالقوة الفعلية علي الأرض أي بقدرة الأحزاب والقوي السياسية علي انتزاع مكانتها ودورها من خلال الوجود الجماهيري والبرامج أو المواقف السياسية الجريئة والشجاعة. فهل استطاعت الأحزاب أن تحقق تلك المعادلة؟ لعل القراءة السريعة للتطورات التي شهدتها الساحة الحزبية في مصر والتي وصلت إلي ما يقرب من70 حزبا بين قديم وجديد وتحت التأسيس وتشير الي غير ذلك. والكثرة العددية لم تتجاوز حتي الآن حدود الكم إلي الكيف أي لم تستطع أن تحدث نقلة نوعية سواء علي مستوي الأداء أو الفاعلية السياسية, وتكفي الإشارة إلي أن تلك الأحزاب قديمها وجديدها فشلت في الاتفاق علي مرشح واحد توافقي يمثلها علي مستوي انتخابات الرئاسة, كما أنه لم تكن أفضل حالا في الانتخابات البرلمانية التي سبقت تلك الانتخابات, إذ أن اغلب المرشحين( سواء علي مستوي الرئاسة أو البرلمان) تقدموا بأسمائهم وأشخاصهم وليس لكونهم يعبرون عن حزب بعينه أو توجه سياسي أو فكري يستندون إليه وليس هناك ما يؤكد أن المحاولات الجارية الآن لتشكيل جبهة موحدة تجمع تلك الأحزاب ستكون أفضل حالا. فقد أعلن اخيرا عن تشكيل ما يسمي بالتحالف الشعبي بقيادة المرشح الناصري السابق للرئاسة حمدين صباحي وكذلك دعت بعض الاحزاب الصغيرة بيقودها د.ابو الغار إلي تشكيل جبهة أخري يطلق عليهاالتيار الثالث, ومن جانبه دعا حزب الوفد, بعد انضمام السيد عمرو موسي المرشح الرئاسي السابق أيضا اليه, إلي تشكيل مايسمي بتحالف الأمة المصرية وغيرها من ائتلافات مماثلة تضم مجموعة أحزاب وبعض الشخصيات العامة وأخري اسم القوي الوسطية المصرية قد تضم الدكتور عبد المنعم أبوالفتوح المرشح الرئاسي السابق وهكذا. الواقع أن نقطة الضعف الأساسية لمثل تلك الائتلافات والتجمعات الحزبية تكمن مرة أخري في كثرتها وتشابهها إلي حد كبير, بمعني أن كل تجمع منها يريد ان يجمع أو يمثل جميع التيارات والتوجهات الفكرية والسياسية( قومية وناصرية ويسارية وليبرالية وما يسمي بالتيار الإسلامي الوسطي) وهو ما يعني أن تظل التناقضات الفكرية أو السياسية علي حالها فليس منطقيا أن يكون لجميع تلك التيارات موقف موحد من القضايا السياسية والاقتصادية والاجتماعية. كما ان اغلبها يعتمد بالأساس علي أشخاص الداعين إليها بأكثر من اعتمادها علي برامج محددة مثلما سيصعب التمييز ما بين تلك التجمعات وهو أمر قد يصعب علي النخبة فما بال القاعدة الأوسع من الفئات السياسية والاجتماعية الساعية الي الانضمام الي حزب ما. إن كثرة المسميات هي في حد ذاتها تعبير عن الأزمة وليست حلا لها, بل قد تعد هروبا من إعادة تشكيل الخريطة الحزبية علي أسس قوية وراسخة وخيارات سياسية واضحة تستطيع من خلالها جذب الفئات التي تستهدفها. إذ قد يكون مفهوما أن ينشأ ائتلاف أو تنسيق بين الأحزاب ذات المرجعية الواحدة أو المشتركة تستطيع من خلال تحقيق نفس الهدف, لكن ليس مفهوما ان تقوم الائتلافات الحزبية علي مرجعيات متباينة. وفوق ذلك فإن تلك التجمعات والأحزاب التي تندرج في إطارها كما أعلنت ستسعي في النهاية لتشكيل جبهة واحدة عريضة. والسؤال هو كيف ستتشكل تلك الجبهة وتحت أي قيادة سياسية أو حزبية؟ بل من المتوقع أن تحدث خلافات حول الزعامة كما هو الحال دائما. يبدو إن الهدف الأول من تلك التجمعات الحزبية هو مواجهة أو منافسة القوي الإسلامية التي أصبحت في الحكم الآن خاصة في انتخابات قريبة قادمة وقد يكون هدفا مشروعا لأي معارضة حزبية أو غير حزبية ولكن لن يصلح وحده لبناء أحزاب قوية مستقلة بذاتها تستطيع الصمود لأمد طويل يتجاوز هذا الهدف المرحلي, أما إذا كانت تلك التجمعات الحزبية تريد أن توصل رسالة مفادها ان الصراع السياسي الدائر في مصر الآن هو بين أنصار الدولة المدنية وأنصار الدولة الدينية خاصة نحن علي أعتاب كتابة دستور جديد فإن مسمي التيار الثالث قد لايكون دقيقا أو معبرا عن هذا المقصد. فربما كان مفهوما في الماضي, عندما كان الحزب الوطني المنحل في الحكم وجماعة الإخوان أو التيار الإسلامي عموما في المعارضة فسعت الأحزاب الأخري لتلمس طريق ثالث. أما الآن فان الوضع تغير وموازين القوي تبدلت والقضايا السياسية اختلفت, فهل مازالت الأحزاب تتجنب الإعلان الصريح عن مواقفها أو تحديد أهدافها بدقة فتدور بالتالي في دائرة مغلقة لن تستطيع معها اجتذاب الأجيال الجديدة التي سبق وانصرفت عن الأحزاب السياسية إلي ما يسمي بالعالم الافتراضي( أي شبكات التواصل الاجتماعي) معلنة تمردها عن التنظيمات والإيديولوجيات والقيادات الحزبية التقليدية واختار بعضها الانضواء تحت لواء حركات الاحتجاج السياسي والاجتماعي مثل حركة كفاية ثم6 أبريل واكتفي البعض الآخر بالعمل الحر دون تنظيم حزبي أو حركي إذا أرادت الأحزاب المدنية أن يكون لها حضور حقيقي فعليها أن تتخذ مواقف صريحة معلنة في كل قضية من القضايا الملحة والخلافية المطروحة علي الساحة الآن. فالمواقف هي التي تصنع الأحزاب وليس المسميات والائتلافات. ان الوضع الحزبي في مصر ربما يكون أفضل لو قام علي أحزاب كبيرة قوية بدلا من حالة التفتت الحالي فكثرة الأحزاب الصغيرة غالبا لن تضيف شيئا. المزيد من مقالات د . هالة مصطفى