لسنوات طويلة عاشت أحزاب المعارضة المصرية مهمشة لا دور لها في الحياة السياسية سوي التمثيل المشرف، ومعارضة الحزب الوطني الحاكم علي استحياء. تفرغت هذه الأحزاب للانشقاقات والصراعات الداخلية، ولم يكن لها تواجدا في الشارع، لدرجة أن المواطن العادي لا يعرف أسماء الكثير منها. . ظلت تلك الأحزاب التاريخية، ومنها - علي سبيل المثال لا الحصر- الوفد، الناصري، الأمة، التجمع، الكرامة، وغيرها، تعلق فشلها في تحقيق أي نجاح علي شماعة سيطرة الحزب الوطني، وتدخلات أمن الدولة، والتزوير والتلاعب في نتائج أي انتخابات تخوضها تلك الأحزاب. وجاءت انتخابات برلمان الثورة، لتكون أول انتخابات تشريعية تتم في غياب الحزب الوطني (المنحل)، وبإشراف قضائي كامل، وبلا تزوير، وبدون وجود لأمن الدولة، لتعطي الفرصة كاملة لكافة الأحزاب والقوي السياسية للمشاركة في الانتخابات البرلمانية بدون أي تدخلات خارجية، ليتم الاحتكام لرأي المواطنين. كشفت الجولة الأولي من الانتخابات التشريعية المستور، وأظهرت مدي الضعف والهوان الذي تعانيه الأحزاب المصرية، وأن المبررات التي كانت تسوقها تلك الأحزاب لم تكن هي السبب الحقيقي وراء الفشل الذي عاشته لسنوات طويلة، بدليل نجاح جماعة الإخوان المسلمين ومن بعدها السلفيون عبر حزبي الحرية والعدالة والنور في تحقيق الفوز الكاسح في الانتخابات رغم أنهما كانا محظورين، ولم يكن لهم تواجد قانوني، إلا أنهما نجحا في تحقيق قاعدة جماهيرية عريضة، ووصلا للمواطن البسيط في كل مكان، فاقتنع بهما، وعبر عن ذلك برأيه في الصندوق فحصدا أعلي الأصوات. البعض يلتمس العذر للأحزاب الجديدة كحزب "الثورة مستمرة"، وغيره في عدم تحقيق نتائج مرضية خلال هذه الانتخابات، علي اعتبار أنها لا تزال في البداية، ولا تجد التمويل الكافي، وتفتقر إلي الخبرة السياسية، إلا أن الجميع لا يجد مبرراً لإخفاق الأحزاب التاريخية القديمة في الانتخابات سوي كونها أحزابا كرتونية خرجت من عباءة النظام البائد، ولم تسع يوماً لتشكيل الرأي العام والتأثير فيه، واكتفت بأداء دور المعارضة في مسلسل ديمقراطية الحزب الوطني. المستشار مصطفي الطويل رئيس حزب الوفد الشرفي حمل إخفاق الوفد في هذه المرحلة إلي سعيه للتحالف مع حزب الحرية والعدالة التابع لجماعة الإخوان المسلمين، وهو ما كان بمثابة تخليه عن مبادئه الداعية لمدنية الدولة، وخروجه منها قبل إجراء الانتخابات بوقت قصير خلق نوعاً من الارتباك في صفوف صنع القرار، والمطالبات بتأجيل الانتخابات وهو ما جعل كثيراً من المرشحين يتباطأون في حملاتهم الانتخابية، وهو ما صب في مصلحة مرشحي التيار الديني الذين لديهم الإمكانيات المادية، والموجودون في الشارع باستمرار في الوقت الذي كانت فيه الأحزاب الأخري حبيسة مقراتها بأوامر أمن الدولة. نتيجة طبيعية وأضاف: أن نجاح التيارات الدينية في هذه المرحلة نتيجة طبيعية، لأنها تسيطر علي محافظات المرحلة الأولي منذ فترة طويلة، فهذه التيارات الدينية كان مسموحاً لها بالوجود، إلي جانب الأحزاب التي كانت في أحضان النظام السابق، أما الأحزاب الأخري فقد قضي عليها تماماً، وأشار إلي أن هذا النجاح للتيار الديني في مصر هو جزء مما يحدث في المنطقة العربية، وهوجة التوجه إلي الإسلاميين، بسبب ممارسة الأنظمة السابقة للظلم والقهر للمواطنين، والحالة المتردية التي كان يعيشها المواطن من فقر وجهل، ما خلق تشدداً دينياً، ولو كانت هناك ديمقراطية وحرية لما كان هذا التشدد، واستبعد أن يكون السبب في إخفاق الوفد احتواءه علي قوائم الفلول، لأن كل ما احتوته قوائم الحزب من الفلول لا يتجاوز 5 مرشحين. فيما كشف الناشط السياسي الدكتور أشرف بلبع القيادي بحزب الوفد أن ما قام به السيد البدوي من ترشيح الفلول في الانتخابات البرلمانية بمحافظات مصر علي قوائم الوفد أدي إلي قيامه بتجميد عضويته بالحزب، والترشح مستقلاً بدائرة الواحات، وقال بلبع إن أهم التداعيات والآثار التي ستنجم من فشل فلول وأركان الوطني، والذين رشحهم السيد البدوي رئيس حزب الوفد علي قوائم حزبه في حصد مقاعد "القوائم والفردي" بالمرحلة الأولي هي حدوث تغييرات جذرية في حزب الوفد بالضرورة، مؤكداً أن فشل الفلول علي قوائم الوفد، يأتي جراء أن الشعب لديه إيمان بالديمقراطية ويرفض أن يترك هؤلاء الفلول يتلاعبون بمصيره. بينما قال حسين منصور عضو الهيئة العليا بحزب الوفد أن هناك قرارات اتخذها الوفد كان لها رد فعل سلبي في الشارع، منها احتواء قوائمه علي وجوه من خارج الحزب، ما فتح الباب لإطلاق اتهامات ضم الفلول للوفد، وهو ما تم استخدامه في الدعاية المضادة للوفد، والترويج بعلاقاته بالنظام السابق، رغم أنه لم يدخل في أية صفقات مع النظام القديم. أضاف: الدخول في التحالف مع الإخوان ثم الخروج منه جعل هناك ارتباكاً، وخلق إحساساً لدي الطبقة المتوسطة أن هناك ترددا في صناعة القرار وتحمل الوفد وزره في الانتخابات، مؤكداً أن هناك مزاجا عاما لدي المواطنين لخوض التجربة مع الإسلاميين، أما الأحزاب القديمة علقت بها كثير من الاتهامات، من أنها شاركت بالتواجد مع الحزب الوطني المنحل ولم تواجه كامب ديفيد أو الدولة البوليسية. الدكتور محمد أبو العلا أحد المتنازعين علي رئاسة الحزب العربي الناصري أوضح أن أسباب فشل الأحزاب القديمة في تحقيق النجاح بالانتخابات يعود إلي سلسلة الانقسامات الموجودة بداخلها والصراع علي السلطة فيها، وضعف الإمكانيات الاقتصادية التي تمكنها من الإنفاق علي الدعاية في الانتخابات، مشيراً إلي أنه كان يوجد اقتراح بتوافق كل الناصريين علي قائمة موحدة لكن سامح عاشور أعد قائمة وسعي من خلالها للتحالف مع الإخوان المسلمين لكنهم خذلوه، وهو ما كان له تأثير سلبي علي استكمال الاقتراح. بينما أكد أحمد حسن الأمين العام للحزب الناصري أنهم قبلوا عدم خوض الانتخابات، والاكتفاء بقائمة سامح عاشور حتي لا يزداد الشرخ بين أطراف الحزب، غير أن قائمة عاشور جاءت هزيلة وعلي رأسها من هم ليسوا بناصريين، بل من فلول الوطني، وقال: "الأموال هي صاحبة الصوت العالي في الانتخابات، وهو ما تفتقده الأحزاب القديمة، كما أن هناك مناخا عاما يعطي للتيارات الدينية فرصة الصوت العالي، فهم يعتمدون علي الحناجر دون البرامج، أما الأحزاب الحقيقية التي لها برامج وطنية فليس لها مكان". ورفض توحيد البنهاوي الأمين العام للحزب الناصري - جبهة سامح عاشور-، التعليق علي أن السبب في فشل الحزب الناصري هو اختيار جبهة سامح عاشور لقائمة منفردة، مؤكداً أنه يرفض التعليق علي هذه الاتهامات وضرورة تجاوز هذه المرحلة، واعترف توحيد بأن سبب فشلهم في هذه المرحلة، التي شاركوا من خلالها بقائمة في القاهرة وأخري في دمياط وقائمتين في أسيوط، ومقعد علي الفردي في الأقصر هو ضعف القوائم، وعدم اختيار شخصيات جماهيرية، بسبب ضيق الوقت بعد الانسحاب من التحالف مع الإخوان، وهذا خطؤنا وعلينا تحمله، مشيراً إلي أنه يري أن أجواء الانتخابات مشابهة لأجواء الاستفتاء، فالناخبون انشقوا إلي قسمين منهم من أيد التيار الديني، وهم الذين صوتوا بنعم في الاستفتاء، والآخرون صوتوا للكتلة وهم الذين قالوا لا في الاستفتاء دون النظر إلي أحزاب أخري. فلول وصراعات من جانبه اعتبر سيد عبد العال الأمين العام لحزب التجمع، نجاح الكتلة المصرية نجاحاً لحزب التجمع لأنه شريك فيها، وقال: "ما حققته من نجاح نحن راضون عنه، لأننا نخوض الانتخابات بأساليب تحترم عقلية الناخب من خلال برامج انتخابية محددة، أما الأحزاب الدينية فتستخدم نفس أساليب الحزب الوطني المنحل بتقديم الزيت والسكر والدقيق للناخبين، والتأثير عليهم بالدين من خلال المساجد والقنوات الدينية. وعن إخفاق الوفد والناصري في الانتخابات أرجع السبب إلي احتواء الأول علي أسماء من فلول الحزب الوطني المنحل، وفشله في التحالف مع حزب الحرية والعدالة التابع لجماعة الإخوان المسلمين، وانسحابه قبل الأيام الأخيرة من إجراء الانتخابات، وهو ما أدي لإرباك في صفوفه، والثاني يعاني من انشقاقات وصراعات، بينما قال إن حزب التجمع لا يعاني من أي انقسامات داخلية، بل يتحمل مسئولية كبيرة خلال المرحلة القادمة وهي إبراز الجانب الإيجابي في الثورة "العدالة الاجتماعية"، لأنه الحزب الذي مهد للثورة - علي حد تعبيره - . وأضاف عبد العال أن النظام القديم لم يكن يسمح لقوي ليبرالية أن تقوي وتتفاعل، حيث كان يدعم قوي استبدادية - قاصداً بذلك القوي الإسلامية-، ومع ذلك فنحن راضون عما حصلوا عليه، لأننا في أول تجربة ديمقراطية في مصر خرج فيها كل الشعب، وهذا هو النجاح الحقيقي، أما توزيع الكراسي في البرلمان فالحكم فيه لاختيارات الشعب، وإن كنت أستبعد حصول التيار الديني علي الأغلبية، وهو ما ستكشف عنه نتائج المرحلة الثانية والثالثة. الدكتور صبحي عسيلة الخبير بمركز الأهرام للدراسات السياسة والاستراتيجية، يري أن السبب في خسارة الأحزاب التاريخية القديمة يرجع إلي اعتمادها علي تاريخها، واعتبرت هذه الأحزاب أن ذلك كافياً لنجاحها في البرلمان، وابتعدت عن الشارع حتي الكتلة المصرية التي حققت نجاحاً، فهي اعتمدت علي الدعاية دون أن تلتحم بالشارع، أما اكتساح الإخوان فهو يعكس إدارة حملة انتخابية بطريقة احترافية. وأكد أن إخفاق الوفد سببه الانشقاقات الداخلية التي لم تمكنه من إدارة الحملة الانتخابية ودخوله في تحالف مع الإخوان ثم الخروج منه، ما جعل الجميع يشكك في أهداف الوفد، في حين عكس التجمع الذي دخل في الكتلة متحملاً أي إخفاق ستتحمله الكتلة، أما نجاح الكتلة فمحسوب لحزب المصريين الأحرار، مشيراً إلي أن التجمع رغب في أن يحتمي بغطاء قوي حتي لا يأخذ التجريح بمفرده، وأوضح أن الناصري لم يدخل في الرهان، ولم تكن لديه أية طموحات في هذه الانتخابات بسبب الصراعات وعدم القدرة المادية، مشيراً إلي أن أي نجاح أو إخفاق يحققه بعيد عن الحسابات، عكس الوفد الذي كان يعول علي نفسه وعلي تاريخه. وأرجع الدكتور محمد محسوب عضو الهيئة العليا لحزب الوسط وعميد كلية الحقوق جامعة المنوفية، نتائج للمرحلة الأولي من الانتخابات، إلي القوة التنظيمية التي يتمتع بها حزب الحرية والعدالة والكتلة المصرية، مشيراً إلي أن هذه الأحزاب تتمتع بقوة بشرية هائلة مكنتها من التواجد أمام جميع اللجان الانتخابية، وتمكنت أيضاً من توفير المندوبين داخلها، وهو الأمر الذي لم تستطع الأحزاب المنافسة توفيره، نظراً لقلة خبرتها، وضعف الإمكانيات المادية لديها، معتبراً النتائج أمراً منطقياً مع حالة الشحن والاستقطاب التي شنتها الكنيسة والقوائم التي خرجت منها لتأييد مرشحي الكتلة المصرية، مما كان له رد فعل مقابل بالحشد الكبير لباقي المواطنين لصالح التيار الإسلامي. تحالف منتظر الأمر نفسه أكده القيادي اليساري عبد الغفار شكر أحد منسقي تحالف الثورة مستمرة الذي يضم حزب التيار المصري وحزب الوعي وائتلاف شباب الثورة وحزب التحالف الاشتراكي وحزب المصري الاشتراكي، وقال إنهم بصدد التنسيق مع تحالف الكتلة المصرية خلال الجولتين المقبلتين. واعتبر شكر نتيجة الجولة الأولي من الانتخابات متوقعة، مشيراً إلي أن كل المؤشرات قبل بدء التصويت كانت تؤكد أن الإسلاميين سيحصدون النصيب الأكبر في هذه الانتخابات، لأنهم ظهروا طوال 30 عاماً هي فترة حكم مبارك باعتبارهم قوة معارضة، لذلك انتخبهم المواطنون، خاصة أن لديهم قدرة علي الحشد، والتنظيم، والانضباط بجانب توافر الأموال، وتوقع عبد الغفار شكر أن يستفيد "النور" سياسياً من خبرات "الحرية والعدالة"، وأن يحل تحالف الكتلة المصرية ثالثاً، مبرراً ابتعاد حزب الوفد عن المنافسة بما سماه مواقفه غير الواضحة خلال السنوات الأخيرة. وأبدي ارتياحه لفوز الدكتور عمرو حمزاوي بمقعد الفئات في دائرة مصر الجديدة، وتقدم الدكتور مصطفي النجار بدائرة مدينة نصر، وقال: "هذا مؤشر إيجابي ويعبر عن وجود روح للثورة، وإن كنت أتوقع ألا يحصل عدد كبير من شباب الثورة علي مقاعد في البرلمان القادم". من جهته قال الدكتور عمرو هاشم ربيع الخبير بمركز الدراسات السياسية والاستيراتيجية بالأهرام، إنه ينبغي علي القوي السياسية أن تقبل بنتيجة الانتخابات لأنها تعبير علي الديمقراطية، وأن ترضي بالنتيجة"، مشيراً إلي أن مجيء الكتلة المصرية بعد حزبي الحرية والعدالة والنور ضمن المؤشرات الأولية للانتخابات أمر جيد، لأن الكتلة تضم حزبين جديدين هما المصريون الأحرار والمصري الديمقراطي الاجتماعي، وهي أحزاب وليدة بعد الثورة، وجاءت في المقدمة، لتتجاوز أحزاباً موجودة من قبل مثل الوفد والناصري، مشيراً إلي قناعته بأن الكنيسة لعبت دوراً، وتدخلت في توجيه الناخبين الأقباط للكتلة، ومنتقداً هذا الأمر لأنها مؤسسة دينية ما كان يجب لها هذا التوجيه.