في إطار إلقاء الضوء علي جانب من المشهد السياسي قبيل الانتخابات البرلمانية المقبلة، تحدثت في المقال السابق عن القوي والأحزاب ذات المرجعية الإسلامية، ومنها حزب "الحرية والعدالة" الجناح السياسي للإخوان المسلمين، ثم حزب "النور" السلفي. ويتبقي الحديث عن بعض الأحزاب الصغيرة ذات المرجعية الإسلامية، ومنها حزب "الوسط" الذي أثبت حضورا جيدا في الأشهر الأخيرة، وبخاصة في الجمعية التأسيسية لإعداد الدستور، وأيضا في إدارة الحوار الوطني بين مؤسسة الرئاسة وقوي المعارضة، وهناك حزب "البناء والتنمية"، الذي ظهر بقوة مؤخرا، داعما للشرعية ومدافعا عن المسار الديمقراطي، ونجح في تنظيم جمعة "معا ضد العنف" وهناك أحزاب محسوبة علي الإسلاميين، وإن كانت لا تفضل أن تصنف كذلك. أما التيار الآخر الذي ينافس في الانتخابات المقبلة، فهو تيار الأحزاب والقوي العلمانية بأطيافها المختلفة، من أقصي اليسار إلي أقصي اليمين، إضافة إلي بعض المستقلين وغير المنتمين حزبيا، وهذا التيار حصل علي ما يقرب من 25٪ من إجمالي المقاعد في البرلمان السابق، ويأتي حزب "الوفد" الليبرالي علي رأس هذا التيار، وهو يقود حاليا ما يسمي ب "جبهة الإنقاذ"، ورغم نشأته القوية قبل أكثر من ثلاثين عاما، إلا أن أداءه السياسي في السنوات الأخيرة لم يحقق له جماهيرية. لقد نجح حزب "الوفد" بعد فترة قصيرة من عودته إلي الحياة السياسية، بقيادة الزعيم فؤاد سراج الدين، في أن يتعاون مع الإخوان المسلمين في عام 1984، وأن يشكلا سويا أقوي معارضة سياسية، وفي عام 87 كان للوفد 35 نائبا برلمانيا، لكنه لم ينجح بعد ذلك في تكوين رؤية سياسية تنحاز إلي الشعب وتعبر عنه، وبدأت الخلافات بين قياداته تؤثر علي الزخم السياسي الذي بدأ به، وخاب أمل كثير من المصريين في أن يصبح الوفد منافسا حقيقيا، وبديلا للحزب الوطني. وهناك أحزاب ليبرالية كانت موجودة قبل الثورة، ومنها حزب "الأحرار" الذي عصفت به الخلافات، ونفس الظروف تقريبا مر بها حزب "الغد"، وأيضا حزب "الجبهة الديمقراطية"، وهناك أحزاب نشأت بعد الثورة منها: "المصريون الأحرار"، و"الاجتماعي الديمقراطي"، و"الدستور"، لكنها لم تنجح بعد في وضع أقدامها في الميدان السياسي، ومن الصعب في تقديري أن يحقق هذا التيار نتائج تذكر لأسباب موضوعية كثيرة، ومنها عدم تقديم أي برنامج سياسي بديل يمكن أن يقنع الشعب. ويتبقي الحديث عن الجانب الآخر من الأحزاب العلمانية، وهي التي تنتمي إلي اليسار الاشتراكي والماركسي، ومنها أحزاب نشأت في أحضان النظام السابق قبل الثورة، مثل: "التجمع" و"العربي الناصري" و"الكرامة"، أو تأقلمت وتعاونت معه أو استفادت منه، وقد فشلت هذه الأحزاب اليسارية علي مدي زمني طويل في تحقيق أي جماهيرية، ويتجه بعضها الآن إلي مقاطعة انتخابات البرلمان، أملا في عدم ظهور حجمها الحقيقي، رغم أن المقاطعة في زمن الحرية تعني الموت السياسي. وأعتقد أن الأحزاب اليسارية تدفع الآن ثمن مهادنتها للنظام السابق، ومشاركته في قمع وإقصاء وتهميش الإسلاميين، وأيضا تدفع ثمن هذا الشعور العام الذي ينتشر الآن بين عموم المصريين، في أنهم يقفون خلف استمرار ودعم حالة العنف والفوضي، ويوفرون الغطاء السياسي للبلطجية وأطفال الشوارع، الذين يقومون بالحرق والتخريب، وقطع الطرق وإلقاء الزجاجاجات الحارقة علي المؤسسات، بهدف عرقلة الاستقرار، ورفض المسار الديمقراطي كله لأنه جاء بالإسلاميين. أتوقع تصدع ما يسمي ب "جبهة الانقاذ"، كلما اقترب موعد إجراء الانتخابات، لاختلافهم في كل شيء، واتفاقهم علي شيء واحد يستحيل تحقيقه، وهو إسقاط الرئيس المنتخب!