يحظي القيادي اليساري والباحث السياسي عبد الغفار شكر بإجماع القوي الوطنية. هذه العبارة سيقولها لك أصدقاؤه ممن ينتمون لألوان طيف اليسار. وحتي من ينتمون لاتجاهات سياسية أخري. وصفه بعضهم بأنه صورة إنسانية من غاندي بجسده النحيف واخلاصه لمبادئه وزهده في المناصب. استقبلنا في مكتبه بمركز البحوث العربية والافريقية حيث يعمل نائبا لرئيس المركز. وتطرقنا في الحوار لمحاور عديدة باعتباره المتحدث باسم حزب التحالف الشعبي تحت التأسيس. وكان قبل ذلك من مؤسسي حزب التجمع وتولي أمانة التثقيف حتي عام 1995 ثم كان عضوًا بالمكتب السياسي حتي استقالته من الحزب بعد ثورة 25 يناير .. وحول قضايا اليسار المصري كان لنا معه هذا الحوار : أشرت في عام 2005 إلي ان حزب التجمع يحتاج إلي إعادة تأسيس. لماذا انتظرت حتي ثورة 25 يناير كقيادي في الحزب رغم خلافك الجذري مع قرارات قيادة التجمع؟ من سنة 1990 أخذت موقفًا معارضًا لموقف قيادة الحزب بسبب انعطافه نحو الحكم لما دخل الانتخابات سنة 1990 بمعزل عن قرار الأحزاب الأخري بمقاطعة الانتخابات وقلت انه ككاسر الإضراب لانه لم تتوافر لأحزاب المعارضه ضمانات لنزاهة الانتخابات. وأصبحت معارضة التجمع تقل وانعطف تجاه الحكم وأخذت موقفا ضد هذا التوجه. لكننا كنا حريصين علي حسم الخلافات سعيا لوحدة التجمع. وهذا التوجه ظل من 2005 الي 2010 في هذه الفترة عقد مؤتمر عام للحزب أكثر من مرة وقدمت تقارير في هذه الموضوعات لكن لم تحصل علي اغلبية. ومن عام 2003 كنت أدعو لتأسيس التجمع علي أسس ديمقراطية. نحن أسسناه من عام 6791 وكنا حريصين أن يكون معبرا عن اليسار ويصبح بيتا لليسار المصري. وجددت التقرير سنة 2008 لكن علاقات القوي داخل الحزب لم تسمح بتغييرات جوهرية. في ديسمبر 2010 بعد انتخابات مجلس الشعب مباشرة وبعد ما ظهر وجود ما يمكن اعتباره صفقة مع النظام مقابل عدد محدود من المقاعد طالبنا بعقد اجتماع عاجل للجنة المركزية بسحب الثقة من القيادة المركزية للحزب وقبل تحديد ميعاد للاجتماع حدثت الثورة وتأجل الي 12 مارس 2011 وقدمنا التقرير وأيضا لم نحصل علي أغلبية. ولأننا في ظروف ثورة ولأن المجتمع المصري لم يعد يتحمل ان تتخلي الناس عن أهدافها و مبادئها رضوخا للواقع لان الشعب المصري ذاته كسر الواقع وتجاوزه كان لابد من الشروع في تأسيس حزب جديد خاصة وان اليسار كان جزءًا من حركة الثورة رغم افتقاده للقيادة وآن الأوان أن يكتسب هذه القيادة من خلال حزب بمثابة بيت لليسار الواسع بمختلف انتماءاته. لكن هناك أحزاب يسارية جديدة أخري تحت التأسيس أيضًا. نحن نقبل التعددية في صفوف اليسار كما نقبل التعددية في المجتمع مادامت ليست انقساما. ليس كل اليسار تقيمهم ومعرفتهم بالأحداث واحد لذلك اسست الأحزاب الثلاثة التحالف الشعبي والاشتراكي المصري والعمال الديمقراطي لكن نناقش وجود كتلة شعبية تجمعهم من خلال جبهة القوي الاشتراكية وتنسق لعمل مشترك في الانتخابات القادمة. كيف لا يكون حزب التحالف الشعبي تكرارا لتجربة حزب التجمع؟ اتمني ألا يكون تكرارا لتجربة التجمع فيما يتعلق بالنقاط التي حددتها لان تجربة التجمع إيجابية في مجملها. حزب ناضل منذ 67 ضد سياسات الردة التي تبناها أنور السادات ودافع عن الفقراء وحق الناس في الحياة بحرية ووقف ضد كامب ديفيد والصلح مع اسرائيل وضد العلاقات مع أمريكا وكانت جريدة الأهالي في السبعينات والنصف الأول من الثمانينات جريدة ثورية تتلقف الناس أعدادها وتتابع ما تنشره وجمعت عددا كبيرا من المناضلين الذين عملوا بقدر كبير من التجرد والنزاهة ونحن نعتز بهذه التجربة لكننا نريد أن نتلافي أخطاءها مثل أن ينشأ حزب سياسي تحتكره قلة من القيادات وتهيمن عليه وتوجهه حيث تريد بصرف النظر عن رغبة أعضائه أو رغبة قياداته الوسيطة أو المحلية. هناك مجموعات عمل ثورية وشبابية تشارك في تكوين حزب التحالف الشعبي شاركت في الثورة منذ بدايتها مثل التجديد الاشتراكي أو شباب من أجل العدالة والحرية. ما هي آلية التنسيق مع هذه المجموعات؟ بنينا التحالف بصيغة احترام تعدد المنابر والاتجاهات ونسمح بوجود منابر سياسية وكل مجموعة لها رؤيتها السياسية. بمعني أن عضوية الحزب تقوم علي أساس فردي مع إمكانية تعدد المنابر والاتجاهات للتكتلات داخل الحزب. كل مجموعة لها توجه سياسي ورؤية للأحداث. النقطة الثانية لن يبني الحزب علي أساس هرمي يسمح للبيروقراطية بالتجذر داخله. فكل حزب تقليدي يتكون من وحدة أساسية ولجنة مركز ولجنة محافظة و مستوي مركزي تعدد الاتجاهات الرأسية وخضوع كل مستوي لما هو أعلي منه يسبب نوعا من البيروقراطية ويمكن القيادة المركزية من التحكم ويمكن تلاف هذا بتأسيس يتكون من مستويين فقط مستوي قاعدي ومستوي مركزي. التكوين الشبكي يكون التمثيل مباشرا من الوحدات الأساسية فالقرار لا يصدر من أعلي. ومن الممكن الاعتماد علي منظمات جماهيرية للمرأة والشباب والعمال والمهنيين والمثقفين وغير ذلك تصب في المؤتمر العام وبذلك نخضع بنية الحزب التنظيمية للحركة الجماهيرية. ألا يمكن ان يؤدي "تعدد المنابر" داخل الحزب الواحد إلي نوع من الانقسام الداخلي؟ هذا تحد لأنه أول صياغة في مصر لحزب متعدد الاتجاهات ونجاح التجربة من عدمها تحدده الممارسة. لم يكن لليسار مقاعد في مجلس الشعب تذكر في حين استطاعت اتجاهات أخري مثل الليبراليين والاسلاميين اقتناص مساحة في ظل النظام السابق.. هل اليسار في مصر كان مهمشًا أكثر من غيره أم أنه كان منفصلًا عن الواقع وتغيراته؟ هذا يحتاج لتأصيل تاريخي فاليسار المصري كان دائما جزءا من الحركات العمالية وكانت اللجان القاعدية يصل إليها يساريون وكذلك الحركة الفلاحية والطلابية حتي منتصف الثمانينات. قبل صعود الاسلاميين واستخدامهم العنف الذي قابله النظام باستخدام أدوات القمع الجماهيرية وشهد عام 1988 اعتصامات الحديد والصلب وقتل العامل عبد الحي واقتحم الأمن المركزي المصانع. كما كان سقوط الاتحاد السوفيتي الذي أثر علي سمعة الاشتراكية ولم تعد كما كانت. أي أن القمع في مصر والتضييق علي الحركة الجماهيرية وأزمة الاشتراكية ساهمت في دخول اليسار في أزمة خاصة ان الوقت لم يسعفه لتجديد توجهاته الفكرية السياسية والاقتصادية لتواكب ما حدث من تغييرات في العالم وما يسمي بظاهرة العولمة واعتقد أن ثورة 25 يناير هي الرافعة التي ستنقل اليسار للعودة مرة أخري للجماهير. قلت من قبل أن الناصرية تحطمت علي صخرة الديمقراطية. وهذا يقودنا للكيفية التي يمكن لليسار أن يتعامل بها مع الحريات الفردية؟ في رأيي أن اليسار في مصر بشكل عام لم يكن يحبذ الديمقراطية الليبرالية التي قامت علي أساس الحريات الفردية وأن اليسار كان أميل للديمقراطية الاشتراكية التي تعطي الجانب الاجتماعي أهمية أكبر هذا موقف خاطيء لانه ليس هناك تعارض أو تناقض في أن نبني الاشتراكية انطلاقا من أساس ديمقراطي. وقدمت من قبل أطروحات لا تقوم علي رأيي الشخصي بل من خلال وثائق حزب التجمع والحزب الشيوعي المصري وحزب الشعب الاشتراكي وأفكار قيادات يسارية أساسية مثل سمير أمين وفؤاد مرسي وأسماعيل صابر عبد الله وإبراهيم سعد الدين ونبيل الهلالي. أفكارهم التي اعادوا فيها النظر في موقف الاشتراكيين من قضية الديمقراطية وقالوا أنه لا يمكن أن تبني الاشتراكية انطلاقا من سيطرة الحزب الواحد بل لابد ان تبني علي أساس الاختيار الحر والواعي للناس وتبني علي أساس التعددية وهو شرط رئيسي لانه سيعلي من شأن النقد. مما يحقق أهدافا أكبر ولا يوجد اي تعارض بين الديمقراطية بمفهومها الليبرالي والديمقراطية المفترض الوصول إليها لان نقطة البدء هي احترام التعددية والحقوق والحريات الفردية وتداول السلطة من خلال إرادة الشعب بانتخابات حرة ونزيهة مما يجعل انجازات الاشتراكية أكبر واكثر تأثيرا من احتكار حزب واحد للسلطة. اي أن الاشتراكيين في مصر قبلوا تلك الشروط الأساسية. لماذا لم يشارك حزب التحالف الشعبي في التحالف الديمقراطي وشاركتم في الكتلة المصرية علي سبيل المثال.. ألم يكن وجود الاخوان في التحالف الديمقراطي سببا لعدم المشاركة فيه؟ لان التحالف الديمقراطي انتخابي ولو شاركنا فيه سنكون في ذيل القائمة مع الوفد والأخوان. لكن فيما يتعلق بالتنسيق السياسي حول قضايا محددة سنشارك مع الجميع مثل ما حدث في المذكرة التي رفعت بشأن قانون الأحزاب. في فترة التأسيس لا نشغل نفسنا بالتغاضي عن مكانتنا وسمعتنا عند الناس مقابل مقعد أو اتنين في مجلس الشعب لكن نهتم أكثر بتقديم نفسنا من خلال شغلنا علي مشاكل الناس ونضالنا من أجل استكمال اهداف ثورة 25 يناير وبناء نقابات مستقلة وبناء نقابات للفلاحين مشاركة شبابنا في اتحادات طلابية هذا التعزيز هو الذي يقودنا لمجلس الشعب وليس عقد التحالفات. هل تري أن مجلس الشعب القادم يمكن أن يقتصر علي تيار بعينه في ظل سيطرته علي الشارع لفترة طويلة؟ سوف يعبر البرلمان القادم عن كل الخريطة السياسية في مصر وإلا تصبح مشكلة كبيرة. قد يبدو التيار الاسلامي أقوي في ظل الاستقطاب الشديد في أيام مبارك فلم يكن سوي الحزب الوطني والأخوان لكن الأمر اختلف الآن وأصبحت الخيارات المتاحة أكبر. هناك رجال الأعمال والقوي الليبرالية وهناك العائلات الكبيرة في الريف خارج أطار التصنيفات التقليدية. هناك اليسار وحزب الوسط مثلا وغير ذلك. نحن نتعلم ولا أخاف مما يحدث فهناك قوي سياسية كانت مقموعة وصعدت للسطح وحين يتعرف الشعب علي توجهاتها وأفكارها سواء كانت فجة أو ناضجة سوف ترشد نفسها. قد تختلف جذريا وجوهريا لكن لن تكون بالفجاجة التي ظهر بها السلفيون مثلا في جمعة لم الشمل. من واقع تجربتك كأمين مساعد منظمة الشباب الاشتراكي من سنة 1965.. كيف تري حركة الشباب في العمل السياسي ما بعد الثورة؟ عندما انشأت منظمة الشباب الاشتراكي عام 1964 واستمرت لعام 1971 ثقفت حوالي نصف مليون شاب وفتاة في هذه الفترة حصلوا علي قدر عال من الثقافة السياسية وتكونت علاقات بين الشباب بعضهم البعض وتكونت منظمة الشباب في المصانع والقري والجامعات. ولما وقعت هزيمة يونيو خرج الشباب في انتفاضة فبراير 1968 وضغط علي جمال عبد الناصر. بعدها تفجرت انتفاضة الطلبة 1971 وتعتبر حرب 1973 في جانب منها ثمره من ثمار هذه الانتفاضة. أي أن الشباب قوة دافعة للتغيير عندما يتشكل هذا الوعي بضرورة التغيير. وقد كتبت مقالا نشر في جريدة الدستور عنوانه هل يفعلها الشباب 2010 وقلت ان تاريخ مصر الحديث يؤكد ان كلما كان الشعب في أزمة كان الشباب دائمًا قادرا علي اختراقها وتغيير الاوضاع. في ثورة 1919 كان سعد زغلول ورفاقه في اتجاه التفاوض مع الانجليز لكن الذين تظاهروا في مدن مصر المختلفة هم الشباب الذي أدي لتخلي الأنجليز عن الاحتلال المباشر لمصر. سنه 1935 فجر الشباب ثورة لما وجدوا أن دستور 1923 ألغي وحل محله دستور لا يحقق الحريات ولا الديمقراطية فخرج الشباب مطالبين الأحزاب بتكوين جبهة فيما بينها لمواجهة الانجليز ودفع الشباب حياتهم لهذا أقول إن الشباب عبر التاريخ يفتح باب التغيير.