منذ سقوط مبارك وبداية مرحلة التحول الديمقراطي في مصر والمحاولات المستميتة لإفشال الثورة أو تفريغها من مضمونها لم تهدأ، ولبست عدة أثواب، وتبناها عدد من المنتفعين من النظام السابق ومن يريدون إعادة إنتاجه رغبة في استمرار مكاسبهم المحرمة، وأعطاهم الغطاء السياسي مع كل أسف قوى سياسية كارهة للمشروع الإسلامي وراغبة في إفشاله بأي صورة من الصور ولو على حساب مصر وشعبها. وسلكوا في سبيل ذلك عدة سبل؛ منها محاولة الحشد الشعبي، ثم استخدام العنف اللفظي والمعنوي ثم المادي، باستخدام الملوتوف والخرطوش وقطع الطرق وتعطيل وسائل المواصلات. وعندما فشلوا حاولوا الاستقواء بالخارج ودعوا بصورة سافرة إلى التدخل في الشئون الداخلية المصرية، وعندما لم يجدوا سبيلاً لجئوا إلى حيلة شيطانية باستعداء الجيش على القوى السياسية والسلطة الشرعية. وعندما فشلوا حاولوا استدعاءه عن طريق نداءات هنا وهناك وعدة توكيلات من هذا وذاك، وتناسوا خطورة الزج بالجيش المصري الوطني في خضم الصراعات السياسية لتغطية فشل تلك القوى الورقية في الوصول إلى المواطن المصري البسيط أو التأثير في الشارع السياسي. وأخيرًا حاولوا استغلال بعض الحوادث والأخطاء الفردية لتسويقها على أنها فتنة طائفية، وظلوا يزايدون على حقوق المسيحيين، وتباروا في التباكي على حقوقهم المسلوبة، متناسين أن الوضع الذي نعيشه في مصر الآن هو نتاج تراكم عشرات السنين من الحكم الدكتاتوري الذي جرف الحياة السياسية والاجتماعية والاقتصادية المصرية على كل المستويات، وكان من جرائمه التي لا تغتفر، إشاعته روح الفتنة الطائفية وإشعالها، بل وارتكابه بعض الجرائم لتغذية تلك الروح المدمرة. وأخيرًا وليس آخرًا، محاولتهم التمسح بحقوق القضاء وعدم التدخل في شئونه، وكأن التشريع أصبح جريمة لا تغتفر ما دام من يقوم عليه إسلاميين. وتناسى هؤلاء أنهم أول من نادى صراحةً بضرورة تطهير القضاء، وأن بعض القضاة هم أعداء الثورة؛ لأنهم رجال مبارك وأعوانه، ورفعوا بذلك الرايات في الميادين، وتسابقوا لعرضها في الفضائيات ووسائل الإعلام. وكانوا يكيلون الاتهامات لكل من يطالبهم بضرورة ترشيد خطابهم وعدم التعميم أو استخدام الشعارات التي تسيء للمجموع. وواكبت ذلك كله حرب إعلامية ضروس تشوه الصورة، بل وتغيرها وتبدلها في بعض الأحيان، قامت بها بعض وسائل الإعلام المملوكة لرجال أعمال منتفعين من النظام السابق ومتربحين من فساده، وسياسيين يخافون من ملاحقات قضائية هنا أو هناك، فتسابقوا جميعًا في الحرب الضروس على المشروع الإسلامي وعلى الإرادة الشعبية وتشويهها، بل وإهانتها في محاولة يائسة منهم للتأثير في الشارع المصري. وتناسى هؤلاء أن الشعب المصري أوعى بكثير منهم، وأن إرادته أقوى من حبائلهم وحيلهم، وأن لديه قدرة فائقة على التمييز بين الزبد وما ينفع الناس، وبين من يحمل همومه وآماله وآلامه ومن يتاجر بها، بل وبدماء أبنائه. كما أن محاولة تشويه الإنجازات والتغيرات التي تحدث على أرض الواقع، لا تعني إلغاءها أو التقليل من شأنها؛ فالتقدم الواقع في مصر الآن أصبح ملموسًا ومحسوسًا لدى رجل الشارع البسيط، وهو ما أزعج المزايدين والمتاجرين بمصر وشعبها. لو أن هؤلاء يدركون أن الرئيس فاشل ولا يحقق إنجازات، لتركوه ليزداد فشلاً على فشل، لكنهم يدركون أنه يسير بخطى ثابتة وحثيثة نحو الإصلاح والتغيير وإعادة بناء ما أفسده النظام السابق؛ لذا فهم يختلقون الأزمات ويصدرونها ويتسابقون في الإسفاف والانحطاط الأخلاقي والسياسي، ظنًا أن ذلك يقربهم من الشعب، وهو ما يخالف الواقع الملموس الذي لا يخطئه منصف. إن التغيرات الملموسة على أرض الواقع -وإن كانت بطيئة في بعض الأحيان- تجعل جميع المخلصين والوطنيين مطمئنين على مستقبل مصر رغم التحديات الجسام التي تعترضها من الداخل والخارج، كما أن في زيادة الاستثمارات والمشاريع الكبرى وتكاتف رجال الأعمال الشرفاء مع الحكومة وزيادة الاكتفاء الذاتي من الغذاء والدواء والسلاح والمحافظة على ما تم من إنجازات حقيقية على أرض الواقع؛ يوضح لنا بجلاء أن مصر تسير بخطوات ثابتة نحو تقدم حقيقي وملموس، وبإذن الله نحو مستقبل مشرق لنا ولأبنائنا قريبًا جدًّا، وتتضح لنا هنا إجابة سؤال: إلى أين؟! وهذا التقدم لن يتحقق إلا على يد المخلصين الحقيقيين المحبين بصدق لمصر وشعبها أكثر من حبهم أنفسهم ومكاسبهم الشخصية؛ فكيف ستبنى مصر على يد نفعيين مزايدين يسعون إلى إفشال التحول الديمقراطي ويعملون على تعويق أي تقدم على أرض الواقع. إن مرض "الأنا" وانتفاخ الذات مستشرٍ فيهم بصورة جعلتهم يحسون أنهم أكبر من الوطن ذاته. لقد وصل الأمر ببعضهم إلى المناداة بهدم أي حالة نجاح وإهدار أي إرادة شعبية وتسفيهها شرطًا لمشاركتهم في انتخابات هم يدركون تمامًا أنهم لن يحققوا فيها أي تقدم ملموس؛ لذا فهم يماطلون ويسوفون ويختلقون الأعذار ويصطنعون العراقيل لإفشال العملية السياسية، لكن الهدف الحقيقي لهم في الواقع هو محاولة إفشال المشروع الإسلامي وتعويقه وإظهاره بمظهر العاجز عن تحقيق إي إنجاز. لن تبنى مصر على يد أمثال هؤلاء أبدًا، بل ستبنى على يد المحبين الحقيقيين لها والمضحين في سبيلها والمغلبين لمصالحها على مصالحهم الخاصة، الذين يتعبدون إلى الله بأعمالهم، ولا يريدون من أحد جزاء ولا شكورًا، الذين اختصهم الله بقضاء حوائج الناس والسعي المخلص والجاد إلى بناء بلدهم ونهضتهم غير عابئين بالمثبطين والمرجفين الذين لا يراعون في بلدهم ولا مصالح أوطانهم إلاًّ ولا ذمة. إن مصر ستُبنى على يد هؤلاء النابهين المخلصين من أبنائها من مختلف التيارات والمعتقدات الذين يعلون قدر منظومة القيم الكلية المعظمة للحرية والعدالة والمساواة والإخاء وحقوق الإنسان والتداول السلمي للسلطة، وعدم الإقصاء أو التخوين، والتعايش بين الجميع وتقبل الجميع، وهم كثر بفضل الله، وسينصرهم الله قريبًا وقريبًا جدًّا بإذنه تعالى. وفي هذا الإجابة على سؤال: إلى من؟! حفظ الله مصر وشعبها ورئيسها من كل مكروه وسوء.