فيما اعتبر خطوة إيجابية جدا من شأنها أن تدعم الاقتصاد المصري بقوة وتعيد للفلاح الأصيل بعض حقوقه التي أهدرها نظام مبارك ، كلف المجلس الأعلي للقوات المسلحة وزارة الزراعة واستصلاح الأراضي بإعداد احتفال ضخم بعيد الفلاح في 9 سبتمبر . ولم يقف الأمر عند ما سبق ، فقد كشفت "صحيفة الأهرام" أيضا أن الخطوة السابقة تعتبر تمهيدا لإصدار قرار من المجلس الأعلى للقوات المسلحة باعتبار عيد الفلاح يندرج ضمن الأعياد القومية وأن يكون عطلة رسمية. وأضافت الصحيفة أنه من المقرر أن تقوم أجهزة القوات المسلحة بتأمين إجراءات دخول وخروج المشاركين في الاحتفال بعيد الفلاح باستاد القاهرة الدولي والذي من المتوقع أن يشارك به أكثر من 100 ألف فلاح في المدرجات وأرضية الملعب ، مشيرة إلى أن وزارة الزراعة أرسلت بالفعل إلى الاستاد في 6 سبتمبر الشعارات التي تقرر عرضها خلال الاحتفال . بل وكانت المفاجأة أيضا هي الإعلان عن حضور المشير محمد حسين طنطاوي رئيس المجلس الأعلي للقوات المسلحة الاحتفال وتكريم عدد من المزارعين وتسليمهم عقود تمليك أراضيهم وسط قائمة كبيرة من المدعوين تضم رئيس الوزراء والوزراء وشيخ الأزهر والمفتي والبابا شنودة والمرشد العام للإخوان المسلمين والمهندس خيرت الشاطر عضو مكتب الإرشاد والشيخ مظهر شاهين إمام مسجد عمر مكرم والدكتور صفوت حجازي الداعية الإسلامي وأبو العلا ماضي رئيس حزب الوسط وعصام سلطان نائب رئيس حزب الوسط. ورغم أن البعض ربط على الفور بين التطور السابق ومليونية تصحيح مسار الثورة في 9 سبتمبر ، إلا أن الأمر الذي يجمع عليه كثيرون أن قرار المجلس الأعلى للقوات المسلحة جاء في توقيت هام جدا لإعادة الاعتبار للفلاح المصري الذي تعرض لظلم كبير في عهد مبارك وخاصة فيما يتعلق بجلب المبيدات المسرطنة وارتفاع أسعار الأسمدة والفوائد الكبيرة على القروض والاحتكار والتدخل الحكومي في سعر الشراء من المزارع البسيط ، الأمر الذي أثر سلبيا على دخله بل وعرضه أيضا للسجن بعد عجزه عن سداد ديونه . بل واللافت للانتباه أيضا أن اختيار يوم 9 سبتمبر تحديدا الذي صدر فيه قانون الإصلاح الزراعي في 1952 للاحتفال بعيد الفلاح سنويا لم يكن ينبع من فراغ ويبعث برسالة للجميع مفادها أن ثورة 25 يناير تسير على خطى ثورة 23 يوليو وخاصة فيما يتعلق بتحقيق العدالة الاجتماعية . ولعل إلقاء نظرة على وضع الفلاح قبل الثورتين يرجح صحة ما سبق ، فمعروف أنه قبل ثورة 23 يوليو 1952 كان يبلغ تعداد الشعب المصري 21,472 مليون مواطن يعيش 68 % منهم في الريف وكان معدل الدخل الفردي لا يتجاوز 118 دولارا في العام , كما كانت صورة توزيع الدخل القومي تجسيدا لعدم العدالة والظلم الاجتماعي حيث كان 60 % من السكان يحصلون علي 18 % فقط من الدخل . هذا بالإضافة إلى أن الانتاج القومي لم يستطع ولمدة 40 عاما بين عام 1913 و 1952 أن يساير الارتفاع البسيط نسبيا في عدد السكان وقتها ، كما أنه كان هناك نحو 2،309 مليون فلاح يمتلكون 1،230 مليون فدان أي أن 84 % من ملاك الأراضي كانوا يملكون 21 % من الأرض , وعلي الطرف الآخر كان 280 مالكا فقط يمتلكون 583,4 ألف فدان ، وبالطبع في ضوء هذا التدهور في الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية كان لابد من تغيير جذرى ومن هنا جاءت ثورة 23 يوليو التي قام بها الضباط الأحرار وعلى رأسهم الزعيم الخالد جمال عبد الناصر . واللافت للانتباه أن ثورة 23 يوليو لم تتأخر حينها في تنفيذ بعض مبادئها الست " القضاء على الاستعمار وأعوانه، والقضاء على الإقطاع، والقضاء على الاحتكار وسيطرة رأس المال، وإقامة عدالة اجتماعية، وإقامة جيش وطنى قوى، وإقامة حياة ديمقراطية سليمة " ، حيث صدر قانون الإصلاح الزراعي مبكرا جدا ، فلم يمر على الثورة ستة أسابيع فقد حتى صدر قانون الإصلاح الزراعي الأول في 9 سبتمبر 1952 والذي نص على تحديد الملكية الزراعية وأخذ الأرض من كبار الملاك الإقطاعيين وتوزيعها على صغار الفلاحين المعدمين في تعديلات متتالية حددت ملكية الفرد والأسرة متدرجة من 200فدان لخمسين فدان للملاك القدامى وعرفت هذه التعديلات بقانون الإصلاح الزراعي الثاني الذي صدر في 9 سبتمبر 1953 . كما أنشئت جمعيات الإصلاح الزراعي لتتولى استلام الأرض من الملاك بعد ترك النسبة التي حددها القانون لهم وتوزيع باقي المساحة على الفلاحين الأجراء المعدمين العاملين بنفس الأرض ليتحولوا من أجراء لملاك ، وعلى الفور صاحب قوانين الإصلاح الزراعي السابقة تغيرات اجتماعية بمصر ورفع الفلاح المصري قامته واسترد أرض أجداده التي حرم من تملكها آلاف السنين وتوسعت بالإصلاح الزراعي زراعات مثل القطن وبدأ الفلاح يجني ثمار زرعه ويعلم أبنائه . لقد كان الهدف الفوري للإصلاح الزراعي حينها هو توجيه ضربة قوية لطبقة كبار الملاك والإقطاعيين المرتبطين بالإحتلال الإنجليزي والذين سيطروا على مراكز السلطة والنفوذ والثروة في عصر ما قبل الثورة ، وكان الهدف الأبعد هو تحطيم العوائق الأساسية أمام تطوير علاقات انتاجية واقتصادية جديدة في الريف المصري وإحداث عملية إعادة توزيع كبرى للثروة والدخل ومواقع النفوذ الإجتماعى فيه . وبالفعل ، بلغ عدد الأسر التي انتفعت بالإصلاح الزراعي حينها نحو 335 ألف أسرة حصلت على نحو 798 ألف فدان خلال الفترة من 1953 - 1969، وهو ما يعادل انتفاع 1,7 مليون مواطن باعتبار أن متوسط الأسرة لا يقل عن خمسة أفراد. ورغم أنه كان من المتوقع أن يقوم نظام مبارك بتكملة مسيرة ثورة 23 يوليو والاهتمام بالفلاح أكثر وأكثر خاصة وأن الاقتصاد المصري منذ الفراعنة كان يعتمد بصفة أساسية على الزراعة ، إلا أن العكس هو الذي حدث تماما . تجربة نظام مبارك المريرة فقد تعرضت سياسات الإصلاح الزراعي لنكسة كبيرة بعد أن قام نظام مبارك بإلغاء الدعم على مستلزمات الإنتاج الزراعي وخاصة الأسمدة والمبيدات والبذور ، كما أعطى للقطاع الخاص دوراً كبيراً في هذه العمليات ، بل وخطط أيضا لتصفية الإصلاح الزراعي لثورة 23 يوليو وإعادة انتزاع الأرض من الفلاحين المنتفعين بالإصلاح الزراعي ، الأمر الذي أسفر عن معارك قضائية بين هؤلاء الفلاحين و"الإقطاعيين القدامى". ولم يقف الأمر عند ما سبق ، فقد صدر في عام 1992 القانون 96 الذي استهدف تحرير الأرض الزراعية وتدويلها في السوق وحدد هذا القانون فترة انتقالية لمدة خمس سنوات تنتهي في عام 1997 وبعدها يتسلم الملاك أراضيهم من المستأجرين الذين ظلوا لمدة تزيد على أربعين عاما يزرعونها ويتوارثونها منذ صدور القانون 157 لعام 1952 بشرط أن يكون أحد أبناء المستأجر ممتهن لمهنة الزراعة ، كما ظلوا يدفعون إيجارا كان يحدده القانون بقيمة ايجارية ثابتة لم تكن تتجاوز 7 أمثال الضريبة "حوالى 100جنيه مصري" ثم ارتفع الايجار في ظل القانون الجديد 96 لعام 92 إلى 22 أمثال الضريبة "حوالي 600 جنيه مصري". وفي عام 1997 ومع استلام الملاك الأرض ، تم ترك تحديد القيمة الإيجارية للعرض والطلب وبالتالى وصلت إلى 2000 جنيه مصري كمتوسط لايجار الفدان في العام الواحد بل ووصل سعر إيجار الفدان خلال عام 2005 إلى متوسط ثلاثة آلاف جنيه مصري. لقد ألغى القانون 96 لعام 92 سمتين كانتا تميز قانون الإصلاح الزراعي الذي صدر في الفترة الناصرية المسمى 157 لعام 52 والذي نظم علاقة الفلاحين بالأرض وهما ترك تحديد القيمة الايجارية للعرض والطلب "السوق الحرة" بعد أن كان القانون القديم ينظم تحديد هذه القيمة وكانت تقدر 7 أمثال ضريبة الأرض ، والسمة الثانية هو إمكانية طرد المستأجرين من الأرض في أى وقت بعد أن كان ذلك غير وارد في القانون القديم. وبالتالي أصبحت العلاقات الإيجارية في الأرض متروكة للعرض والطلب سواء في القيمة أو في مدة عقد الإيجار ، مما أسفر عن فقد حوالي 904 ألف مستأجر أراضيهم الزراعية بسبب تطبيق القانون الجديد ، كما فقدت أسرهم التي تقدر بحوالي 3,5 مليون شخص حقهم في الأمان الإجتماعى وفرصة العمل بعد ضياع مصدر دخلهم الوحيد ، خاصة وأن القانون الجديد لم يقم بتعويضهم واكتفى فقط بإمكانية تملك المستأجرين أرضا صحراوية تحتاج لإمكانيات عالية للزراعة يعجزون عنها . وأمام ما سبق ، نظم عشرات المستأجرين احتجاجات ولجأ نظام مبارك للعنف لضمان تنفيذ القانون الجديد ، فخلال عام 1997 كان هناك أكثر من 100 قتيل من الفلاحين وأكثر من 1000 مصاب وخلال أعوام 1998/1999 أدى ذلك العنف إلى وفاة 87 حالة من الفلاحين و545 من المصابين وتم إلقاء القبض على 798 شخص منهم . وبالنظر إلى أن القضاء المصري لم يحسم بعد الطعن بعدم دستورية القانون 96 لعام 92 ، فإن القرار الذي أصدره المجلس الأعلى للقوات المسلحة في 6 سبتمبر من شأنه أن يطمئن فلاحي مصر ويعيد لهم الأمل في مستقبل أفضل . ورغم أن البعض رأى في القرار السابق استجابة لمليونية "تصحيح المسار" في 9 سبتمبر التي تمت الدعوة إليها على خلفية الانتقادات للحكومة بالتأخر في تحقيق بعض أهداف ثورة 25 يناير وعلى رأسها العدالة الاجتماعية ، إلا أن الحقيقة التي لاجدال فيها أنه خطوة إيجابية جدا لتحقيق نهضة زراعية واقتصادية في مصر الثورة ، هذا بالإضافة إلى أنه يذكر الفلاحين بالمشهد التاريخي الذي قام فيه عبد الناصر بتوزيع عقود التملك على آبائهم وأجدادهم .