رئيس جامعة القاهرة يترأس لجنة اختيار المرشحين لعمادة كلية الاقتصاد والعلوم السياسية    ارتفاع الذهب في مصر استجابة لتحرك السعر العالمي    أسعار الخضروات اليوم الجمعة 10-5-2024 في الدقهلية    إزالة 32 حالة تعدي على أراضي الدولة ضمن حملات الموجة ال 22 في الشرقية    رفع 29 ألف طن مخلفات بالمنوفية خلال أبريل الماضي    مصدر رفيع المستوى: الحكمة في إدارة التفاوض لا تمنع مصر من حماية أمنها القومي بكل السبل    الجيش الإسرائيلي و"حزب الله" يتبادلان القصف    مواعيد أهم مباريات اليوم الجمعة 10-5-2024 في جميع البطولات والقنوات الناقلة    مباريات الدوري السعودي اليوم.. 3 مواجهات قوية وظهور «شريف» أمام موسيماني    خطوة بخطوة.. طريقة الاستعلام عن المخالفات المرورية    ليلة سقوط اللصوص.. القبض على 6 متهمين بارتكاب جرائم سرقات متنوعة بالقاهرة    ماس كهربائي وراء نشوب حريق محل بأكتوبر    انطلاق فعاليات القوافل التعليمية لطلاب الثانوية العامة بالشرقية    في محكمة الأسرة.. حالات يجوز فيها رفع دعوى طلاق للضرر    مواعيد قطارات القاهرة إسكندرية المكيفة 2024 بعد التعديل لموسم الصيف    جامعة المنيا تحصد 4 مراكز متقدمة في مهرجان إبداع على مستوى الجمهورية    دعاء الجمعة للمتوفي .. «اللهم أنزله منزلا مباركا وأنت خير المنزلين»    بروتوكول تعاون بين «تيودور بلهارس» و«طب الزقازيق» في مجالات التعليم والتدريب    قصف مدفعي إسرائيلي يستهدف منطقة اللبونة في بلدة الناقورة جنوبي لبنان    سويلم: الحضارة المصرية رائدة في وضع تقنيات للري تعد الأقدم بالتاريخ    وزارة التموين تسلم 2.3 مليون طن قمح محلى من المزارعين حتى الآن    "لديه ذبذبة".. مهاجم الزمالك السابق يتحدث عن فرص الزمالك للفوز بالكونفدرالية    رحلة مبابي في باريس تنهي بمكالمة الخليفي    "يا عزيز عيني" فانتازيا أسطورية تحكي عن إيزيس وأوزيريس بطنطا    الفنانة يسرا اللوزي تشيع جنازة والدتها عقب صلاة الجمعة    هنا الزاهد وشقيقتها فرح يرقصان في حفل زفاف لينا الطهطاوي (صور وفيديو)    رد فعل محمد عادل إمام بعد قرار إعادة عرض فيلم "زهايمر" بالسعودية    حصاد جامعة حلوان الأسبوعى    الاستغفار والصدقة.. أفضل الأعمال المستحبة في الأشهر الحرم    بث مباشر.. شعائر صلاة الجمعة من مسجد عبدالحليم محمود بالشرقية    6 تخصصات.. "صحة مطروح" تطلق قافلة طبية في العلمين    ترفع الكوليسترول وتضر القلب.. 5 أطعمة احذر تناولها على الإفطار    تجنب 4 أطعمة لتقليل خطر الإصابة بالسرطان    وزير العمل يتابع إجراءت تنفيذ مشروع "مهني 2030" مع "اللجنة المختصة"    463 ألف جنيه إيرادات فيلم فاصل من اللحظات اللذيذة في يوم واحد بدور العرض    فريدة سيف النصر ضيفة عمرو الليثي في «واحد من الناس».. الإثنين    مصرع ضابط شرطة إثر اصطدام «ملاكي» ب«جمل» على الطريق ببني سويف    «التنمر وأثره المدمر للفرد والمجتمع».. موضوع خطبة الجمعة اليوم بالمساجد    فضل يوم الجمعة وأفضل الأعمال المستحبة فيه.. «الإفتاء» توضح    سعر متر التصالح في مخالفات البناء بالمدن والقرى (صور)    10 علامات ابحث عنها.. نصائح قبل شراء خروف العيد    حماس: الكرة الآن في ملعب الاحتلال للتوصل لهدنة بغزة    القسام تعلن مقتل وإصابة جنود إسرائيليين في هجوم شرق رفح الفلسطينية    حماس: لن نترك الأسرى الفلسطينيين ضحية للاحتلال الإسرائيلي    شخص يطلق النار على شرطيين اثنين بقسم شرطة في فرنسا    تاو يتوج بجائزة أفضل لاعب من اتحاد دول جنوب إفريقيا    نشوب حريق بمصفاة نفط روسية بعد هجوم أوكراني بالمسيرات    أول مشاركة للفلاحين بندوة اتحاد القبائل الإثنين المقبل    الناس بتضحك علينا.. تعليق قوي من شوبير علي أزمة الشيبي وحسين الشحات    لمواليد 10 مايو.. ماذا تقول لك نصيحة خبيرة الأبراج في 2024؟    صلاة الجمعة.. عبادة مباركة ومناسبة للتلاحم الاجتماعي،    3 فيروسات خطيرة تهدد العالم.. «الصحة العالمية» تحذر    مايا مرسي تشارك في اجتماع لجنة التضامن الاجتماعي بمجلس النواب لمناقشة الموازنة    عبد الرحمن مجدي: أطمح في الاحتراف.. وأطالب جماهير الإسماعيلي بهذا الأمر    ما حكم كفارة اليمين الكذب.. الإفتاء تجيب    إصابة 5 أشخاص نتيجة تعرضهم لحالة اشتباه تسمم غذائي بأسوان    اللواء هشام الحلبي يكشف تأثير الحروب على المجتمعات وحياة المواطنين    نهائي الكونفدرالية.. تعرف على سلاح جوميز للفوز أمام نهضة بركان    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



9 سبتمبر عيد الفلاح.. عن القط وخنّاقُه
نشر في المصري اليوم يوم 09 - 09 - 2011

اعتادت النخب السياسية فى مصر ووزارة الزراعة الاحتفال بعيد الفلاح فى 9سبتمبر من كل عام شأنها شأن المسلمين فى الاحتفال بعيدى الفطر والأضحى والمسيحيين فى الاحتفال بعيدى القيامة وميلاد المسيح.
وإذا كان هذا الاعتياد واردا فيما يتعلق بالأعياد والمناسبات الدينية التى تعارف الناس على الاحتفال بها منذ آلاف السنين فالأمر مختلف بالنسبة للأعياد والمناسبات السياسية؛ خصوصا إذا ما كانت تلك الأعياد قد فقدت مدلولها السياسى الذى يتكرر الاحتفال به .. فقد جرت فى النهر مياه كثيرة غيرت من موقف ووجدان الفلاحين من عيدهم المقدس.. عيد الفلاح.
فعندما صدر قانون الإصلاح الزراعى فى 9سبتمبر 1952وصادر نظام الحكم الجديد آنذاك بعض أراضى الإقطاعيين المصريين معلنا عزمه توزيعها على الفلاحين المعدمين الذين عاشوا تحت وطأة نظام السخرة ( عبيد الأرض ) جيلا بعد جيل يفلحون الأرض أو يصلحونها ويعمرونها ولا يستفيدون من خيراتها؛ كان احتفال الفلاحين بهذه المناسبة يروى ظمأهم لامتلاك الأرض الزراعية – التى ظلت ملك الحاكم حتى قرب نهاية القرن ال 19- لأنه احتفال باستعادة الكرامة التى أهدرتها سنوات السخرة؛ واسترداد لسيادتهم على الأرض التى كانوا عبيدا لها والتى لم تكن لتزرع لولا عرقهم؛ وامتلاك لحقهم فى التعليم والعلاج؛ ومكتسبات أخرى لم يكن ليحصلوا عليها لولا صدور قانون الإصلاح الزراعى.
وظلت هذه المناسبة عيدا يتم الاحتفال به وتُذكرُ أحداثه بتفاصيلها وحلاوتها كلما مر عام، وذلك طيلة الثمانية عشر عاما الأولى منذ 1952.. إلى أن تولى السادات وبدأ مسيرة الردة الكبرى ودشنها بإصدار أول قانون لرفع الحراسة ( 69لسنة 1974) عن الأراضى التى تم التحفظ عليها، وهى أراض تختلف من الناحية القانونية عن الأراضى التى صودرت بقانون الإصلاح الزراعى؛ فأراضى الحراسة ظلت ملكيتها للإقطاعيين واقتصر دور الدولة بشأنها على إدارتها أى تأجيرها للفلاحين وتحصيل إيجارها منهم وإعادته للإقطاعيين.
كان رفع الحراسة عن هذه الأراضى ( بالقانونين 69/ 1974، 141/1981) هو المقدمة العملية لانقلابة كبرى فى مجال الزراعة أطلق عليها اسم هيكلة الزراعة لم تقتصر على المجال الزراعى بل شملت جوانب الحياة الاقتصادية والسياسية والاجتماعية فى مصر. خطط لها وبدأها السادات وسار شوطا فى إرساء دعائمها وتنفيذها ودعمته فيها جماعة الإخوان المسلمين التى رأت فى مبدأ الإصلاح الزراعى مخالفة للدين الإسلامى منذ لحظة صدوره؛ واستأنف خليفته مبارك السير على دربه وتعهدها بالرعاية حتى أينعت ونضجت وشرع فى قطف ثمارها.. وكان أبرز تلك السياسات صدور قانون الإيجارات الزراعية الجديد ( 96/ 1992) الذى ألقى بمئات الألوف من المستأجرين خارج الأرض الزراعية وأيده بشدة جماعة الإخوان المسلمين، كما أسهمت تلك السياسات فى سيطرة كبار الزراع ورجال الأعمال فى الاستيلاء على مئات ألوف الأفدنة من الأراضى المستصلحة والقابلة للزراعة عن طريق هيئة التنمية والمشروعات الزراعية؛ فضلا عن إطلاق يد ورثة الإقطاعيين السابقين فى استرداد كثير من الأراضى التى صادرها قانون الإصلاح الزراعى باستخدام شتى الحيل والألاعيب لطرد الفلاحين منها حتى لو كانوا قد دفعوا كامل ثمنها ؛ وسواء تم ذلك بأساليب عنيفة أو غير عنيفة ( برفع تكلفة الزراعة وخفض أو تثبيت أسعار المحاصيل التى ينتجها الفلاحون) وتحويل الزراعة إلى حرفة تنخفض جدواها الاقتصادية بمرور الوقت.. وقد دفع هذا عديدا من الملاك الصغار لبيع أراضيهم؛ فهاجرت ملايين الفلاحين من الريف إلى المدن الكبرى وبلاد الخليج وعشوائيات المدن الأوروبية ومياه البحر المتوسط.
وهكذا انتهى عمليا قانون الإصلاح الزراعى.. وتبددت نتائجه وتدهورت الزراعة والتعليم والصحة
وجملة الأوضاع الاجتماعية فى الريف؛ وأصبح يوم 9سبتمبر يوما عاديا من أيام السنة لا عيد فيه ولا فرح ولا ذكريات بل ولا طعم له ولا لون ولا رائحة، ورغم كل ذلك ظلت النخب السياسية تحتفل به كعيد للفلاح رغم تطاير كل معانيه أدراج الرياح.
ولأن الأنظمة الحاكمة فى البلاد النامية عادة ما تخلق – أو تسمح بتأسيس – مؤسسات نقابية أوأحزابا كرتونية مستأنسة وديكورية توحى للشعب وللعالم الخارجى بأنها نقابات حقيقية وأحزاب معارضة؛ فقد طبع النظام المصرى هذه النخب السياسية «المعارضة» بطابعه لتقوم بتحويل كفاح الشعب المصرى إلى احتفالات تسبح بحمد النظام أحيانا وتنتقده فى الأمور الهامشية أحيانا أخرى وتبعد أنظاره عن القضايا الرئيسية الحيوية التى تمس أهم جوانب حياته.
حتى بعد ثورة يناير 2011ظلت الاحتفالات هى الشكل الوحيد للنضال النخبوى الفلاحى بديلا عن الصلات المباشرة والحية مع الفلاحين؛ واندرج مؤخرا المجلس الأعلى للقوات المسلحة والحكومة فى نفس الزفة ليشاركا النخب المذكورة فى الاحتفال بعيد الفلاح.
إن الاحتفال بعيد الفلاح يعنى الاحتفاء بالإصلاح الزراعى الذى تبخر ويعنى العمل على أن تصير الزراعة حرفة مجدية إقتصاديا لمن يشتغلون بها؛ ولا يتحقق ذلك بحشد الفلاحين - كما حدث من نظام مبارك وجماعة الإخوان المسلمين- فى الاستادات الرياضية قبيل العدوان الهمجى على شعب العراق فى عام 2003بل يكون:
- بوقف عمليات السطو على أراضى الفلاحين (كأراضى الإصلاح الزراعى والأوقاف والأراضى المستصلحة وأراضى البدو فى سينا وجنوب الإسكندرية وحواف الوادى فى الصعيد).
- وخفض تكلفة الزراعة عن طريق خفض أسعار مستلزمات الإنتاج الزراعى ( كالتقاوى والأسمدة والمبيدات والأعلاف والآلات والأمصال واللقاحات) .
وخفض ضريبة الأطيان. -
- ووضع حد أقصى لإيجارات الأراضى الزراعية؛ وحد أدنى مناسب لا يقل عن 5سنوات لمدة عقدالإيجار.
- وخفض فوائد القروض الزراعية ؛ وإعفاء الفقراء منهم من ديونهم لبنوك التنمية والتسليف الزراعية.
- ويعنى إطلاق حق الفلاحين فى وضع قوانين جديدة للدورة الزراعية والإرشاد والتعاون والتسويق الزراعى، والنقابات الفلاحية.
- وإلغاء محاكم القيم والقوانين المنشئة لها لكونها محاكم استثنائية مخالفة للمواثيق والعهود الدولية لحقوق الإنسان.
- وقبل هذا كله الإفراج الفورى عمن تم سجنهم من الفلاحين لتعثرهم فى تسديد القروض.. لأنه لا يمكن سجن فلاحين تعثروا فى سداد سلف زراعية اقترضوها من أموالهم المسلوبة والمودعة فى بنوك القرى، والإفراج عن كل الفلاحين الذين تمت محاكمتهم أو سجنهم أو القبض عليهم مؤخرا من جانب قوات الشرطة العسكرية فى الأمور المتصلة بأراضيهم الزراعية أو إعادة محاكمتهم أمام قاضيهم الطبيعى.
هكذا يمكن الاحتفال بالفلاحين فى يوم كان يوما عيدهم.
لقد امتلأت الساحة الفلاحية بالعشرات من الوجوه الغريبة تتجاور مع الوجوه النخبوية ممن عينوا أنفسهم – أو دفعتهم فلول النظام وحكامنا الجدد لتعيين أنفسهم – مناضلين ونقباء لمجموعات من الفلاحين سموها نقابات واتحادات فلاحية مستقلة.. دون فعل كفاحى واحد اللهم إلا إقامة الاحتفالات وعقد المؤتمرات.
ولأن دور الفلاحين فى الثورة الأخيرة اقتصر على مشاهدتها عبر شاشات الفضائيات ، فقد بات من الضرورى أن يبذل المناضلون الحقيقيون جهودهم فى تبنى قضايا الفلاحين الحيوية المتنوعة وفى خلق الصلات الكفاحية بين القرى وبث الوعى بها وبأهمية دورهم الاقتصادى والسياسى لبناء ريف جديد ودولة ديمقراطية مدنية حديثة؛ وتنظيمهم فى نقابات محلية حقيقية ذات مهمات حية واضحة ومحددة فى العزب والكفور والنجوع والقرى لتصير- بالتدريج - نقابة عامة تضم معظم فلاحى مصر الفقراء والصغار؛ وتتبوأ دورها فى تحويلهم لقوة فاعلة ذات وزن وتأثير بدلا من موقف المتفرج والمفعول به الذى لازمهم طيلة القرون الماضية.
باختصار.. لابد من التخلص من العقدة النفسية المتوطنة التى تحكم العلاقة بين هذه النخب الهشة والفلاحين من جانب وبين النظام الحاكم من جانب آخر، وهى نفس العقدة التى تربط بين السفاح والضحية أو على حد المثل الشعبى بين القط وخناقه.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.