ما لرئيس الدولة والقمامة؟ كيف تكون نظافة الشوارع في برنامج مرشح لرئاسة الجمهورية؟ وهل يترك رئيس الدولة الشئون السياسية للبلاد ليفرغ لعمل المحليات؟ هذه الأسئلة وغيرها ثارت على ألسنة كثير من المعلقين والكتاب حين ضمن المرشح الرئاسي والرئيس الحالي الدكتور محمد مرسي ملف النظافة في أولويات برنامجه الرئاسي الذي فاز به كأول رئيس مدني منتخب في مصر.
وفي الحقيقة فإنه بدون شوارع نظيفة يسير فيها المصريون لا يمكن الحديث عن كرامتهم في الداخل وفي الخارج، أو عن استعادة مصر لدورها المحوري في المنطقة وريادتها التاريخية وما إلى ذلك !
وهذه السطور محاولة للتفكير في طرق التخلص من القمامة بطريقة مختلفة عما يحدث...
حيث يعود نظام التخلص من القمامة المتبع في مصر إلى القرن الحادي والعشرين، فكان متعهدون يقومون بجمع القمامة من الشقق والمساكن لقاء أجر شهري يدفعه الساكن، ثم يتم فرزها فالتخلص منها في مقالب كبيرة على أطراف المدينة.
تحول هذا النظام التقليدي مع غياب الرقاة الحكومية من السيء إلى الأسوأ منذ أن قررت حكومة النظام المخلوع في الدخول على الخط، وقررت التدخل هي بأخذ الأجرة من السكان على فاتورة الكهرباء بحيث تكون متضاعفة مع الفاتورة وبدون حد أقصى مما جعل المواطنين يدفعون قيمة مضاعفة مقابل خدمة أقل.
أما عن الشوارع فقد تعاقدت الحكومة مع شركات نظافة أجنبية على تنظيف شوارع القاهرة، بعقد مجحف يمتد حتى عام 2017 وذلك أملاً في حصول مصر على استضافة كأس العالم الذي أخذنا فيه الصفر الشهير. ينص العقد المبرم على أن تتولى الشركة الأجنبية رفع القمامة من داخل الصناديق، ولا شأن لها بما حولها، ومرة واحدة فقط يومياً مهما كانت الظروف.
وتقوم مافيا نبش القمامة في الشوارع بتحويل هذه الأزمة إلى كارثة قومية بجميع المقاييس، الصحية والبيئية والمرورية والاقتصادية والاجتماعية؛ حيث تقوم هذه المافيا بنش القمامة بالشوارع مما يحول طرق المصريين إلى مقالب قمامة يسير فيها الناس.
وفي الحقيقة فإن مشكلة القمامة هي مشكلة أسلوب تفكير في الأساس، وهي مثال قوي على طبيعة تفكيرنا في حل الأزمات، ننظر إلى ما خلفته هذه الأزمة، و لا نرى القيم المادية الموجودة فيها.
يمكننا بشكل ما التحول من حالة البحث عن التخلص من هذه النفايات إلى حالة البحث عن الطرق المثلى للاستفادة من مقدراتها.
فيتم في أوروبا والدول المتقدمة كما في التعبير الدارج إعادة تدوير القمامة بنسب كبيرة تصل إلى 75% منها، حفاظاً على البيئة من التخلص غير الصحي. على الرغم من أن هذه الدولة ليست في أزمة مع القمامة .
أما في الحالة المصرية فتعتبر القمامة في مصر هي الأغلى من نوعها، حيث يصل سعر الطن منها إلى أكثر من 50 آلاف جنيه مصر، وهي سعر كبير عالمياً.
وتتكون هذه قمامة المصريين عادة من مواد صلبة بلاستيك وزجاج وورق تصلح جميعاً لإعادة تدويرها بما نسبته 45%، ومواد عضوية بما نسبته 50% يمكن استخدامها سماداًً أو لاستخراج الوقود.
أي أن نسبة ما يمكن الاستفادة منه في القمامة المصرية تبلغ 95% من حجمها، ومازلنا نعتبرها أزمة نبحث عن التخلص منها !
فإذا حاولت أية جهة مجتمعية أو بيئية أو شركة تستهدف الربح من تجارة إعادة التدوير فيمكنها ذلك بسهولة.
الورق المستعمل في البيوت يباع في سوق إعادة التدوير بنصف جنيه مصري من المستهلك لكل كيلو، في حين تشتريه مصانع الورق ب 0.75 جنيهاً
كذلك تشتري مصانع البلاستيك القطع البلاستيكية المستعملة بمبلغ 1.75 جنيهاً مصرياً للكيلو، ويمكن الحصول عليه من المستهلك بمبلغ أقل من ذلك بكثير.
بعض شركات مستحضرات التجميل تشتري عبواتها الفارغة بأسعار عالية تصل لنحو 0.75 للعلبة الواحدة وليس للكيلو، حرصاً منها على عدم وصول هذه العبوات لورش غير مرخصة تعيد استعمالها بما يؤثر على سمعة المنتج الأصلي.
هذا عن المخلفات الصلبة ، أم عن العضوية مثل بقايا الطعام فلدى الخبراء المصريين في العلوم البيئة والزراعية والطاقة العديد من أفكار المشروعات القائمة على الاستفادة من هذه المخلفات العضوية في التسميد والزراعة وتوليد الطاقة مثل غاز الميثان!
أي أنه بدلاً من رمي هذه المخلفات في القمامة وتلويثها في الشوارع والبحث عن شركات أجنبية ترفعها، يمكننا الاستفادة منها في زيادة دخل المواطن المصري وتوفير فرص عمل للشباب ومواد خام للمصانع، مع الحفاظ البيئة دون تلويثها!
هي مشاريع بسيطة ومربحة يمكن أن تقوم به جمعية أهلية، أو مكتب في المحليات، ومن من شأنه أن القضاء على مشكلة القمامة تماماً ، وتوفير فرص عمل للشباب.
وهكذا يمكننا النظر للمشاكل والأزمات من زوايا أخرى غير التي اعتدنا النظر بها فستجد الأزمات مكاسب، وتبدو عناصر الضعف مواطن قوة وفرص. بدلا من عد الأيام والأسابيع على الرئيس مرسي وانتظاره أن يحل لنا مشاكلنا.
نقطة أخيرة ؛ حيث يشترط لحل مشكلة القمامة والنجاح في تحويلها من أزمة إلى قيمة صناعية، أن يتم تطهير المحليات من فلول النظام القديم الذي يتسببون في الأزمة عمداً لإحراج أول رئيس مدني منتخب ولإفشال الحياة السياسية في مصر بعد ثورة يناير !