يعيش على الجانب البعيد الذي لا يعرف من الحياة إلا الهدوء والصراع على العمل والتقدم والفوز بمسرات الحياة دون تعصب ودون قتل.. هناك على الجانب الاخر مجموعة من الانسانية تعيش في سلام وأمن كما ورد في القرآن وكما أوصى به الرسول الكريم، لكنهم لا يعرفون من هو رسولنا ولا كتابنا لكنهم يطبقون ما جاء به الرسول من سيرة عطرة وتسامح وتعايش مع الطبيعة والإنسان.. أليس الرسول الكريم كان يسكن بجوار يهودي وحين توفاه الله كان درعه مرهونا عند اليهود؟ أية تسامح وتعايش هذا في الإنسانية؟ وحين يحدث اللقاء الحضاري وقتما يعرف هؤلاء البشر بأن ما يفعلونه هو جوهر وروح الإسلام وسنة رسوله الكريم، يتعجبون ويقولون: أحقا؟!
فهل حقا نحن الجماعة البشرية المنتمية للإسلام وصحبة رسوله الكريم نجسد جوهر وروح الإسلام وسنة رسوله؟
كيف ونحن نهدم كل تواصل انساني بيننا وبين من يسكنون على الجانب الاخر.. كيف ونحن نصرخ أكثر ما نفكر ونتعقل في تصرفاتنا.. في صراخنا وضجيجنا ننفر العالم منا ومن اسلامنا (معذرة) لكن هذا هو واقع الحال.
وسوف تعرفونه عندما تتحدثون لغة أخرى عندما تخرجون من عتمة يومكم إلى نهار الشمس عندما تحاولون رسم زهرة وكتاب وشمس ساطعة على عقول أطفالكم. ستعرفون كم نحن نهين أنفسنا وإنسانيتنا وحضارتنا بما تفعلونه من اتباع القطيع والحماسة التي في غير محلها.
هل الجانب البعيد عنا كله هكذا أشرار يتآمرون علينا حتى نطمس عقولنا في الطين ونهدم القنطرة التي تصل بنا إلى الشاطئ الاخر الذى يربطنا بأسباب التحضر والعلم والتعليم.. فماذا لو قام الطرف الاخر في رده بالمثل علينا وسرق وقتل ممثلينا في انحاء العالم بحجة اننا نقتل ممثليهم في بلادنا.. هل نحن اعتدنا لهم ما استطعنا من قوة أم هي قوة الشعارات والتسخين والشهادة والجهاد بالذقن وبالجلباب؟
هل الجانب الأخر اتفقوا جميعا على التشكيك في قرآننا وأعلنوها صراحة كموقف دولي وانساني عام؟
لم يحدث ولن يحدث لأنهم أذكياء بما فيه الكفاية يسخرون طاقتهم الأكبر في قبول الاخر والتعايش معه اعمالا بالمبدأ القرآني وسنة الرسول الكريم (من شاء فليكفر ومن شاء فليؤمن..) انهم يعملون على اعمار الدنيا وتجديدهم انهم يعملون بأعمال العقل كما وصانا كتابنا ورسولنا.
لكن عندهم مثل ما عندنا مجموعة من الحمقى الاغبياء التافهين الباحثين عن الشهرة فوق أكتاف الانبياء والثوابت العقائدية عن كل مجموعة بشرية.. وكانت الطامة الكبرى التي اظهرت الاغبياء عندنا بعد عرض غبي لفيلم أقل ما يوصف به تافه ولا يجب الوقوف عنده .. لكن كالعادة نصنع من تفاهة الاغبياء نجوما مشهورة ولنا في شهرة سليمان رشدي عبرة.!
وها هو الحال يتكرر في ردات الفعل الساخطة في مختلف العواصم العربية لتقديم الشهرة والنجومية لحثالة ما انتجه الحقد والغباء حيث ذهب المتظاهرون في ليبيا حد قتل السفير الامريكي وثلاثة من معاونيه، لم تخلو الاحتجاجات في مصر من حدة العنف وتحول الامر الى حرب شوارع في محيط السفارة الأمريكية بين المتظاهرين وقوات الأمن. وفي اليمن اقتحم المتظاهرون السفارة الاميركية واحرقوا عددا من السيارات في فناء المبنى. وكذلك الحال في تونس ولبنان والعراق.. حالة عامة من الهيجان والفوضى والانفلات الامني والاخلاقي.
وهذا ما جعلني اتساءل: لو كان الرسول عليه الصلاة والسلام بيننا في وقتنا هذا، هل كان تصرف بمثل هذه الغوغاء والهمجية؟ أليس في ردات فعلنا الغاضبة والدموية اساءة ايضا للإسلام ولصورة المسلمين في كل مكان؟
يقول المولى عز وجل في كتابه الكريم {وَلاَ تَسُبُّواْ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِ اللّهِ فَيَسُبُّواْ اللّهَ عَدْواً بِغَيْرِ عِلْمٍ كَذَلِكَ زَيَّنَّا لِكُلِّ أُمَّةٍ عَمَلَهُمْ ثُمَّ إِلَى رَبِّهِم مَّرْجِعُهُمْ فَيُنَبِّئُهُم بِمَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ }، ولعل في هذه الآية الكريمة دستورا لما يجب أن تكون عليه علاقاتنا وتعاملنا مع من يخالفنا الرأي والعقيدة والملة.
فالعبرة في مثل هذه الحالات ليست بالسب والسخط وحرق الاعلام او حرق الإنجيل.. بل العبرة في المجادلة بالتي هي احسن كما امرنا الله. والاهم من التظاهر وخلق فرص لاندلاع الفوضى وإيقاد الفتنة هو السعي الجاد لتحسين صورة الاسلام امام العالم.
فنحن اليوم متهمون بسبب انفعالاتنا وعواطفنا المتسرعة بالإرهاب، ودائما ما يستغل الغرب مثل هذه الاحداث ليذكرنا بفو ضاويتنا ودمويتنا، وبدل ان نطالب بحقوقنا، نكتفي فقط بالدفاع عن انفسنا ضد الاتهامات التي وضعنا انفسنا تحت رحمتها.
نحن لسنا مطالبون بأخذ حقوقنا بالقوة، بل هناك انظمة وحكومات، اتخذت الاسلام شعار لها، هي من يجب ان تأخذ موقفا رسميا وصارما اتجاه اي اعمال تسيء لنا ولديننا ورموزه.
وهناك في المقابل مؤسسات دينية دورها بالأساس الدفاع عن نصرة الله ودين نبيه، ليس عن طريق الخطابات الدينية المتطرفة، انما عن طريق نشر تعاليم الدين السمحة، وتعريف العالم اصول الاسلام الحقيقية كما انزلها الله واخذ بها رسوله دون غلو او تحريف. وفتح دعوات للحوار بين الحضارات ودراسة سبل التعايش فيما بينها بسلام.
قضيتنا للأسف ليست ضد أشخاص، ولكنها ضد فكر سائد ومتغلغل.. ولو قتلنا اليوم السفير او مخرج الفيلم او او، فسوف يخرج غذا ألف عمل وألف مخرج.. لأننا ببساطة مستهدفون وديننا مستهدف. وبدل ان ندخل في حروب وصراعات وقتل وفتن.. علينا ان نسعى جاهدين لتصحيح ذلك الفكر المغلوط، وان نقدم صورة حضارية تليق بنا كمسلمين فضلنا الله بالإسلام.
ولن نحقق ذلك إلا اذا تغيرنا فعليا وغيرنا من طريقة تفكيرنا وأسلوب حياتنا وسلوكنا اليومي، وأثبتنا اننا اقوياء بالعقل في تعاطينا مع قضايانا. عندما نتسلح بالعلم، ونتبنى مشروعا نهضويا وحضاريا نمتاز به ويميزنا امام العالم.. عندما نوحد قوانا ونبني اوطاننا على اساس العدل والحرية والعدالة الاجتماعية.. وعندما نأكل مما نزرع، ونلبس مما نصنع.. وقتها لن نتعرض لأي اساءة ولن نتهم بالإرهاب، ولن يعرض ديننا للمهانة، لأننا سوف نكون في مصاف الاقوياء.
وبين الاقوياء ليس هناك مكان للإذلال أو فرصة للإساءة.