الأسهم الأمريكية تتجه نحو تسجيل رقم قياسي جديد بفضل قفزة سهم تسلا    ارتفاع أسعار النفط مع تصاعد حدة القتال بين روسيا وأوكرانيا    بوش الألمانية تعتزم شطب المزيد من الوظائف لتخفيض التكاليف بمقدار 2.5 مليار يورو    النائب إبراهيم نظير: كلمة الرئيس في قمة الدوحة «خارطة طريق» لمواجهة التحديات الإقليمية    ترامب يحذر حماس من استخدام المحتجزين الإسرائيليين كدروع بشرية    استشهاد 62 فلسطينيًا جراء غارات الاحتلال الإسرائيلي على غزة منذ فجر الإثنين    القناة 12: المجلس الوزارى المصغر يقدر أن العملية البرية بغزة ستنتهى العام الجارى    مسئول صينيى: عزم الصين على حماية حقوقها المشروعة أمر لا يتزعزع    ترامب يعلن عن مهاجمة قارب مخدرات مزعوم من فنزويلا مجددا    ترامب: إسرائيل تعهدت بعدم مهاجمة قطر مجددًا    4 مصريين يتأهلون لربع نهائى بطولة مصر المفتوحة للاسكواش    الشيبي: نريد دخول التاريخ.. وهدفنا مواجهة باريس سان جيرمان في نهائي الإنتركونتيننتال    نبيه يعلن برنامج معسكر منتخب الشباب في تشيلي.. والشربيني متفائل.. والحقيبة المفقودة تعود    نجم بيراميدز يكشف: تعرضت لحملة ممنهجة في الزمالك    العثور على جثة ربة منزل في العبور بعد مقتلها على يد زوجها إثر خلاف مالي    «الدراسة على الأبواب».. موعد بدء العام الدراسي 2025-2026 في المدارس والجامعات    الفنان أحمد إبراهيم يلقى كلمة "اليوم المصرى للموسيقى" بقلم الموسيقار عمر خيرت.. وزير الثقافة يكرم عددا من الرموز.. عادل حسان: أتمنى أن ترافقنا الموسيقى فى كل لحظة.. وخالد جلال يؤكد ألحان سيد درويش علامة فارقة    مسيحيون فلسطينيون في مؤتمر أمريكي يطالبون بإنهاء حرب غزة ومواجهة الصهيونية المسيحية    الثقافة والوعي قبل كل شيء.. «البوابة» تكشف المسكوت عنه في ملف الريادة الثقافية    اكتشاف أول حالة إصابة ب إنفلونزا الطيور في الولايات المتحدة    أهمها قلة تناول الخضروات.. عادات يومية تؤدي إلى سرطان القولون (احذر منها)    الاحتلال يكثف غاراته على مدينة غزة    حريق ب مطعم شهير بالدقي والدفع ب 5 سيارات إطفاء للسيطرة عليه (صور)    «مشاكله كلها بعد اتنين بالليل».. مجدي عبدالغني ينتقد إمام عاشور: «بتنام إمتى؟»    تحذير شديد بشأن حالة الطقس اليوم.. والأرصاد تُناشد: «حافظوا على سلامتكم»    سعر طن الحديد والأسمنت بسوق مواد البناء اليوم الثلاثاء 16 سبتمبر 2025    تقرير: حفل موسيقي يمنع برشلونة من مواجهة سوسييداد في مونتجويك    4 أهداف مرشحة للأفضل في الجولة السادسة للدوري    مهرجان الجونة السينمائي يكشف اليوم تفاصيل دورته الثامنة في مؤتمر صحفي    لا تتردد في اتخاذ خطوة جديدة.. حظ برج الجدي اليوم 16 سبتمبر    القليل من التردد ومغامرات محتملة.. حظ برج القوس اليوم 16 سبتمبر    4 أبراج «معاهم ملاك حارس».. صادقون يحظون بالعناية ويخرجون من المآزق بمهارة    الأهلي يفوز بسباعية في افتتاح دوري الناشئين    الدكتور محمد على إبراهيم أستاذ الاقتصاد بالأكاديمية العربية للنقل البحري ل«المصري اليوم»: سياسات الصندوق جوهرها الخفض الخبيث للعملة وبيع الأصول العامة بأسعار رخيصة (الحلقة الخامسة)    تحذير من تناول «عقار شائع» يعطل العملية.. علماء يكشفون آلية المخ لتنقية نفسه    محافظ الغربية: الثقة في مؤسسات الدولة تبدأ من نزاهة وشفافية أداء العاملين بها    عيار 21 الآن يواصل الارتفاع.. سعر الذهب اليوم الثلاثاء 16-9-2025 في الصاغة    أخبار 24 ساعة.. البيان الختامي لقمة الدوحة: تضامن وإشادة بقطر ورفض التهجير    محافظ كفرالشيخ: تمويل ميسر لنشر ثقافة العمل الحر    إخماد حريق نشب داخل مطعم شهير بالدقي    شيخ الأزهر: مستعدون للتعاون في إعداد برامج إعلامية لربط النشء والشباب بكتاب الله تعالى    حبس شاب 4 أيام على ذمة التحقيقات لإطلاقه أعيرة ناريحبس شاب 4 أيام على ذمة التحقيقات لإطلاقه أعيرة نارية على بائع متجول في خصومة ثأرية بسوهاجة على بائع متجول في خصومة ثأرية بسوهاج    مدرب بيراميدز: لا نهتم بأنباء مفاوضات الأهلي مع ماييلي    إسقاط الجنسية المصرية عن 3 متورطين في الاعتداء على البعثة الدبلوماسية بنيويورك    كلمة الموسيقار الكبير عمر خيرت بمناسبة الاحتفال الأول باليوم المصري للموسيقى    ما حكم أخذ قرض لتجهيز ابنتي للزواج؟.. أمين الفتوى يوضح رأي الشرع    كيفية قضاء الصلوات الفائتة وهل تجزئ عنها النوافل.. 6 أحكام مهمة يكشف عنها الأزهر للفتوى    أستاذ بالأزهر يحذر من ارتكاب الحرام بحجة توفير المال للأهل والأولاد    محافظ القليوبية يشدد على صيانة المدارس قبل الدراسة (صور)    موفد مشيخة الأزهر ورئيس منطقة الإسماعيلية يتابعان برامج التدريب وتنمية مهارات شيوخ المعاهد    المجلس الأعلى للنيابة الإدارية يعقد اجتماعه بتشكيله الجديد برئاسة المستشار محمد الشناوي    "مدبولي" يعلن بدء تطبيق منظومة التأمين الصحي الشامل بالمنيا    القليوبية تدعم التأمين الصحي بعيادات ووحدات جديدة (صور)    «باطلة من أساسها».. خالد الجندي يرد على شبهة «فترة ال 183 سنة المفقودة» في نقل الحديث (فيديو)    وزير الري يفتتح فعاليات اليوم الثانى من "معرض صحارى"    تأجيل محاكمة 25 متهمًا بخلية القطامية لجلسة 12 نوفمبر    قرار وزاري بإصدار ضوابط وآليات إعتماد «الإستقالات» طبقًا لقانون العمل الجديد    قيمة المصروفات الدراسية لجميع المراحل التعليمية بالمدارس الحكومية والتجريبية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



القرآن الگريم بين الحفظ والتدبّر والعمل
نشر في المصريون يوم 21 - 11 - 2009


فى البداية‮...‬
لقد كان الحفظ‮ (‬أو الاستظهار‮) المرتبط بالتدبر والعمل هو المنهج الذى سار عليه الصحابة رضى الله عنهم بعد أن تلقوا كتاب الله عن رسول الله‮ [.‬
وفى هذا السياق مدحهم الله ضمناً‮ عند مدح عباد الرحمن فقال فيهم سبحانه‮: {‬وَالَّذِينَ‮ إِذَا ذُكِّرُوا بِآيَاتِ‮ رَبِّهِمْ‮ لَمْ‮ يَخِرُّوا عَلَيْهَا صُمّاً‮ وَعُمْيَاناً‮} (‬الفرقان‮: 73‮).‬
لكن الأكثرية العظمى من المسلمين منذ قرون‮- للأسف الشديد‮- تقرأ القرآن أو تسمعه دون أن تتجاوب مع معانيه‮.‬
وبالتالى لا تكون من الذين إذا ذكروا بآيات ربهم لم‮ يخروا عليها صماً‮ وعمياناً‮.‬
لقد حفظ صحابة رسول الله رضى الله عنهم القرآن الكريم فى صدورهم وذاكرتهم‮.‬
بينما حفظ أكثرهم‮- على تفاوت‮- بعض آيات وسور كتاب الله حسب طاقتهم‮.‬
وكانوا جميعاً‮ يؤمنون بأهمية‮ (‬الاستظهار والحفظ‮).. لكنهم‮ يربطون به‮- بدرجة الأهمية نفسها‮- التدبّر والعمل‮..‬
وذلك بيقين مطلوب لتحقيق وعد الله الذى لا‮ يتخلف بأن‮ يحفظ‮- وحده سبحانه وتعالى‮- القرآن الكريم،‮ ولا‮ يكله إلى البشر كما ترك الكتب السابقة‮.. قال تعالى‮: ‮{‬إِنَّا نَحْنُ‮ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ‮ وَإِنَّا لَهُ‮ لَحَافِظُونَ‮}‬‮ (‬الحجر‮: 9‮). وقال سبحانه‮: ‮{‬إِنَّا أَنزَلْنَا التَّوْرَاةَ‮ فِيهَا هُدًى وَنُورٌ‮ يَحْكُمُ‮ بِهَا النَّبِيُّونَ‮ الَّذِينَ‮ أَسْلَمُوا لِلَّذِينَ‮ هَادُوا وَالرَّبَّانِيُّونَ‮ وَالأَحْبَارُ‮ بِمَا اسْتُحْفِظُوا مِنْ‮ كِتَابِ‮ اللَّهِ‮ وَكَانُوا عَلَيْهِ‮ شُهَدَاءَ‮}‬‮ (‬المائدة‮: 44‮).‬
ولهذا وجدنا إذاعات معادية تحدد فترات لإذاعة القرآن،‮ فإذاعة لندن تقدم تلاوة صباحية‮ يومية للقرآن وتذيع إسرائيل أيضاً‮ القرآن فى فترات متعددة‮. ليقينها أن المسلم‮ يسمع ولا‮ يعى‮!‬
كان الصحابة‮- ومن سار على دربهم‮- يقرأون القرآن فيرتفعون إلى مستواه‮.. أما نحن فنقرأ القرآن فنشده إلى مستوانا‮.. وهذا ظلم للكتاب‮..‬
إن المجمع عليه أنّ‮ أثر القرآن فى المسلم‮ يجب أن‮ يُشاهد فى سلوكه؛ فالنبى عليه الصلاة والسلام‮ "‬كان خلقه القرآن‮" كما وصفته السيدة عائشة رضى الله عنها‮ (‬رواه مسلم‮).‬
ومعروف أن ذلك‮ يوجب أن‮ يعيش المسلم فى مناخ قرآنى،‮ وأن‮ ينبع سلوكه من قيم القرآن‮.. وذلك عندما‮ يعتبر بالماضى فى التفاته إليه،‮ ويعيش الحاضر،‮ ويستشرف آفاق المستقبل الدنيوى القريب،‮ والأخروى الذى‮ يبدو له بعيداً‮..‬
إننا نرى العرب عندما قرأوا القرآن،‮ تحولوا إلى أمة تعرف الشورى وتكره الاستبداد،‮ ويسودها العدل والمساواة الإنسانية،‮ تكره التفرقة العنصرية،‮ وتكره الكبرياء،‮ لأن الفكر المأخوذ من القرآن الكريم فكر علمى وعملى‮.‬
إن إخواننا المسيحيين‮ يسمون أنفسهم أقباطاً‮ (‬مع أن المصريين جميعاً‮ أقباط‮) وهم مواطنون تماما لهم عهد الله وذمة رسوله‮ ‮[‬‮.‬
إن كل المصريين مواطنون متساوون فى كل أمور حياتهم،‮ واجبات وحقوقاً‮. إن هؤلاء هم كما تحدث عنهم الوطنى الغيور والمثقف المصرى الكبير‮ "‬مكرم عبيد‮" وذلك عندما قال‮: "‬ضارباً‮ المثل بنفسه‮":‬
‮"‬إننى مسلم وطناً‮ وحضارة مسيحى ديناً‮".‬
‮{{{‬
والقرآن إلى جانب كل ذلك‮ يأمر بالتزام العدل فى التعامل مع الإنسانية،‮ بل‮ يأمر ببرهم والإحسان إليهم؛ والرحمة بهم‮.‬
قال تعالى‮: ‮{‬لا‮ يَنْهَاكُمْ‮ اللَّهُ‮ عَنْ‮ الَّذِينَ‮ لَمْ‮ يُقَاتِلُوكُمْ‮ فِى الدِّينِ‮ وَلَمْ‮ يُخْرِجُوكُمْ‮ مِنْ‮ دِيَارِكُمْ‮ أَنْ‮ تَبَرُّوهُمْ‮ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ‮ إِنَّ‮ اللَّهَ‮ يُحِبُّ‮ الْمُقْسِطِينَ‮}‬‮ (‬الممتحنة‮: 8‮).‬
ونهى القرآن عن إجبار‮ غير المسلمين على قبول دعوة الإسلام والإيمان به؛ قال تعالى‮: ‮{‬لا إِكْرَاهَ‮ فِى الدِّينِ‮ قَدْ‮ تَبَيَّنَ‮ الرُّشْدُ‮ مِنْ‮ الغَيِّ‮ فَمَنْ‮ يَكْفُرْ‮ بِالطَّاغُوتِ‮ وَيُؤْمِنْ‮ بِاللَّهِ‮ فَقَدْ‮ اسْتَمْسَكَ‮ بِالْعُرْوَةِ‮ الْوُثْقَى لا انفِصَامَ‮ لَهَا وَاللَّهُ‮ سَمِيعٌ‮ عَلِيمٌ‮}‬‮ (‬البقرة‮: 256‮).‬
وكذلك أقر القرآن قاعدة منهجية إسلامية حضارية رائعة للحوار والجدال مع أهل الكتاب تتمثل فى قوله تعالى‮: ‮{‬وَلا تُجَادِلُوا أَهْلَ‮ الْكِتَابِ‮ إِلاَّ‮ بِالَّتِى هِيَ‮ أَحْسَنُ‮ إِلاَّ‮ الَّذِينَ‮ ظَلَمُوا مِنْهُمْ‮ وَقُولُوا آمَنَّا بِالَّذِى أُنْزِلَ‮ إِلَيْنَا وَأُنْزِلَ‮ إِلَيْكُمْ‮ وَإِلَهُنَا وَإِلَهُكُمْ‮ وَاحِدٌ‮ وَنَحْنُ‮ لَهُ‮ مُسْلِمُونَ‮}‬‮ (‬العنكبوت‮: 46‮).‬
ولم‮ يغفل القرآن تقنين ما‮ يقتضيه الحوار من التعايش والاختلاط،‮ فأباح طعام أهل الكتاب وأجاز الزواج من نسائهم؛ قال تعالى‮: ‮{‬الْيَوْمَ‮ أُحِلَّ‮ لَكُمْ‮ الطَّيِّبَاتُ‮ وَطَعَامُ‮ الَّذِينَ‮ أُوتُوا الْكِتَابَ‮ حِلٌّ‮ لَكُمْ‮ وَطَعَامُكُمْ‮ حِلٌّ‮ لَهُمْ‮ وَالْمُحْصَنَاتُ‮ مِنْ‮ الْمُؤْمِنَاتِ‮ وَالْمُحْصَنَاتُ‮ مِنْ‮ الَّذِينَ‮ أُوتُوا الْكِتَابَ‮ مِنْ‮ قَبْلِكُمْ‮ إِذَا آتَيْتُمُوهُنَّ‮ أُجُورَهُنَّ‮ مُحْصِنِينَ‮ غَيْرَ‮ مُسَافِحِينَ‮ وَلا مُتَّخِذِى أَخْدَانٍ‮ وَمَنْ‮ يَكْفُرْ‮ بِالإِيمَانِ‮ فَقَدْ‮ حَبِطَ‮ عَمَلُهُ‮ وَهُوَ‮ فِى الآخِرَةِ‮ مِنْ‮ الْخَاسِرِينَ‮}‬‮ (‬المائدة‮: 5).‬
ولا طريق لعودة المسلمين إلى قيادة الإنسانية إلا إذا جرَّدوا أنفسهم،‮ وأخلصوا لله،‮ وتدبروا القرآن وفقهوه وعملوا به‮.‬
كيف نتعامل مع القرآن؟
وحول محاور التطبيق المباشر لتعاليم القرآن فى المستوى المصرى والعربى والإسلامى والأوروبى وكل عالمنا الحديث حيث‮ يعيش المسلمون فى بلاد العالم كلها لابد أن‮ يتذكر الجميع أن القرآن هو الأساس الأصيل للإسلام،‮ وإذا كان للرسول‮ ‮[‬‮ من دور كبير ومهم؛ فهو أنه حمله وبلغه للناس،‮ وإذا كان له حق على الناس فذلك لأن القرآن قد نص على ذلك وحدده‮. فالأمر كله إلى القرآن والسنة مكملة له‮.‬
ومن‮ يلتمس الهداية فى‮ غيره أضله الله،‮ "‬وأول من‮ يقرر ذلك هو الرسول‮ ‮[‬‮ نفسه،‮ فقد رُوى عنه‮: "‬الحلال ما أحل الله فى كتابه،‮ والحرام ما حرم الله فى كتابه‮". (‬أخرجه الدارقطنى والحاكم‮).‬
وقال‮: "‬لا‮ يأخذن على أحد بشىء فإنى لا أحلل إلا ما أحله القرآن ولا أحرم إلا ماحرم القرآن‮"‬،‮ واعتبر أن الخوض فى الأحاديث فتنة،‮ وأن المخرج منها هو‮ "‬كتاب الله،‮ فيه نبأ ما قبلكم،‮ وخبر ما بعدكم،‮ وحكم ما بينكم،‮ هو الفصل ليس بالهزل من تركه من جبار قصمه الله،‮ ومن ابتغى الهدى فى‮ غيره أضله الله‮.‬
وقد رأينا أناساً‮ يتهمون بأنهم‮ "‬قرآنيون‮".. فهل‮ يعقل هذا؟ هل‮ يُتهم أحد بأنه‮ "‬قرآنى"؟‮!
إن التعبير الذى اصطنعوه لا‮ يصلح اتهاما،‮ بل‮ يقلدهم فخاراً،‮ وكان‮ يجب أن‮ يكون الوصف الصحيح لهؤلاء هو أنهم منكرو السنّة الشريفة‮.‬
فإذا أردت القرآن هدايةً‮ ونوراً‮ وشفاء لقلبك،‮ وسكينة لنفسك،‮ فسيعطيك القرآن كل هذا،‮ أما إذا أردت‮ "‬المعلومة‮" فستأتيك التفاسير بألوف منها،‮ وهى تمثل اجتهادات وفهم المفسرين،‮ ولكنها ليست بالضرورة هى القرآن‮.‬
ويؤكد الشيخ محمد الغزالى بأنه لا معنى لأن‮ يحفظ الصغار القرآن الكريم لمجرد الحفظ‮.
لكنى‮ (‬أى الشيخ الغزالى‮)- من باب طرح الموضوع وتقليب النظر فيه،‮ وهذا شىء لا أحب أن أنفرد فيه بحكم،‮ بل أحب أن‮ يشترك الآخرون معى فيه بالرأى‮- عندما أنظر إلى التلفاز وهو‮ يقدم برامج الأطفال التى من المفروض أن تكون مدروسة فى جميع النواحى،‮ أجد أن العقل‮ يُبعد عن البرامج،‮ وأجد مسرح العرائس،‮ وأجد المستحيلات تعرض على الأطفال،‮ كأنما المهم هو إشباع الخيال‮! فقلت فى نفسى‮: إذا كانت التربية الحديثة تبعد العقل وتتجه إلى إشباع الخيال،‮ وتستهوى الأطفال بمثل هذه المناظر،‮ ومادام هناك قدر من ترك العقل فى تربية الطفل،‮ فهل نكتفى بحفظ القرآن؟‮!‬
لكن جاءنى مرة أخرى تساؤل‮: ما قيمة حفظ الألفاظ إذا كنا سنقتصر على مجرد الحفظ؟ ونقدم للمجتمع ببغاوات تجيد الأمر؟‮!‬
ويؤكد الغزالى فى كتابه‮ (‬كيف نتعامل مع القرآن‮) هذا المعنى،‮ فيقول‮: إن مما‮ يؤسف له أن الحافظة فى هذه السن دون العاشرة فقط هى المهيأة لاستظهار القرآن‮.. وكلما تقدمت السن بالإنسان،‮ قلت ملكة الحفظ عنده،‮ وتقدمت ملكة الفهم،‮ أى القدرة على التركيب والتحليل والتدبر والغوص وراء المعانى البعيدة،‮ وما إلى ذلك‮. فاستثمار هذه السن لاستظهار القرآن وحفظه،‮ مع شىء من تقريب المعانى وعدم الاقتصار على الاشتغال بالحفظ فقط،‮ قد‮ يكون من بعض الوجوه جماع الحلول المطلوبة لمعالجة ما‮ يمكن أن‮ يترتب مستقبلاً‮ من الانصراف إلى اللفظ والاهتمام به دون التدبر فى المعنى‮.‬
وقد سألت نفسى أيضاً‮ والأمر‮ يحتاج إلى دراسة‮:‬
إن الصحابة الذين استمعوا للقرآن الكريم كانوا شباباً،‮ ويوجد بعض الأطفال الحفظة،‮ لكن لا ننسى أن لدى العربى وعى بلغة التخاطب وكانت قريبة من أسلوب القرآن،‮ فالفهم واضح‮..‬
والقرآن فى‮ غاياته الإنسانية والتربوية كتاب‮ يصنع النفوس،‮ ويصنع الأمم،‮ ويبنى الحضارة‮.. فهذه هى مجالاته،‮ وآفاق تأثيره،‮ كما أن هذه هى معجزته‮.
أما أن‮ يُفتح المصباح،‮ فلا‮ يرى أحد النور القرآنى وإشعاعاته،‮ لأن البصائر مغلقة،‮ فالعيب عيب الأبصار التى أبت أن تنتفع بالنور،‮ والله تعالى‮ يقول‮: ‮{‬يَا أَهْلَ‮ الْكِتَابِ‮ قَدْ‮ جَاءَكُمْ‮ رَسُولُنَا‮ يُبَيِّنُ‮ لَكُمْ‮ كَثِيراً‮ مِمَّا كُنْتُمْ‮ تُخْفُونَ‮ مِنْ‮ الْكِتَابِ‮ وَيَعْفُو عَنْ‮ كَثِيرٍ‮ قَدْ‮ جَاءَكُمْ‮ مِنْ‮ اللَّهِ‮ نُورٌ‮ وَكِتَابٌ‮ مُبِينٌ‮ يَهْدِى بِهِ‮ اللَّهُ‮ مَنْ‮ اتَّبَعَ‮ رِضْوَانَهُ‮ سُبُلَ‮ السَّلامِ‮ وَيُخْرِجُهُمْ‮ مِنْ‮ الظُّلُمَاتِ‮ إِلَى النُّورِ‮ بِإِذْنِهِ‮ وَيَهْدِيهِمْ‮ إِلَى صِرَاطٍ‮ مُسْتَقِيمٍ‮}‬‮ (‬المائدة‮: 15‮-‬16‮).‬
وهذا لا‮ يتوافر لكتاب سماوى فى الأرض‮ غير القرآن الكريم‮.‬
ومعروف أن الله وَكَل حفظ الكتب السماوية السابقة إلى أصحابها،‮ أما القرآن فهو الكتاب الذى تعهد الله بحفظه ولم‮ يكله إلى حفظ البشر كما ذكرنا سابقا‮.‬
كما أنه الكتاب السماوى الوحيد الذى‮ يعيش كل العصور‮ غضّا طريّاً‮ كأن عهده بالوجود أمس،‮ (‬كما وصفه أحد المستشرقين المنصفين‮).‬
إنه القرآن الذى‮ يكون‮ غضاً‮ طرياً‮ كأن عهده بالوجود أمس عندما‮ يتعامل الناس معه على أساس الفقه والتدبر والعمل‮... وليس القرآن الذى‮ يُحفظ وكأن حافظه شريط من أشرطة‮ (‬الكاسيت‮) دون تدبر أو عمل‮!!‬
أستاذ التاريخ والحضارة الإسلامية
رئيس تحرير مجلة التبيان


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.