انعقدت مساء أمس الأحد بالدوحة الجلسة الأولى من ندوة "فرنسا والعالم العربي" حول عملية التأثر والتأثير بين الفنون العربية والفرنسية. وشارك في الندوة كل من الباحث الأديب الناقد الدكتور شربل داغر، والفنان يوسف أحمد، ورئيس تحرير "TV5 Monde" سليمان زيغيدور، وأدار الجلسة الخبير في وزارة الثقافة موسى زينل. استهل زينل الجلسة قائلا أن العلاقات العربية-الفرنسية تضرب بجذورها في عمق التاريخ، قبل هارون الرشيد وإهدائه الساعة الشهيرة لشارلوماني، والكثير من الأحداث الثقافية يؤرخ لها بالحملة الفرنسية على مصر، وهي علاقة تشوبها في الكثير من حقب التاريخ الحدة من خلال الحروب، سواء الصليبية أو الحملات على مصر، واحتلال فرنسا لأجزاء من الوطن العربي، ولكن أيضا هي علاقة ثقافية جدلية متجددة، فباريس من مدن العالم الأكثر حضورا في وجدان المثقف العربي، رحل إليها للتزود بالعلم أو هروبا من الطغيان، أو بحثا عن فضاءات أرحب للإبداع. وفي إطار حديثه عن الفنون، حصر د. شربل داغر كلامه باللوحة وثقافة الصورة، وباشر الكلام بقراءة نص قديم للجبرتي يصف فيه صلته الأولى الثقافية والكتبية والفنية بالفرنسيين بعد حلول جيش بونابرت وغزوه لمصر، وهذا النص من أبهر النصوص في وصف الدهشة على قدر من التحفظ أمام عالم الصورة الذي يكتشفه. فعالم اللوحة كان يشمل الكون، وهذه اللحظة -كما يشرح د.داغر- انبهر فيها الجبرتي أمام عالم اللوحة، وكان يتعرف عليها للمرة الأولى، فيما كانت بلغت اللوحة في فرنسا على الأقل منذ القرن السادس عشر مكانة رمزية فضلا عن القيمة التوثيقية والتاريخية الكبيرة، لحظة افتراق في علاقتنا بالفن، كما كانت قد عززتها العلاقات السابقة على هذه اللحظة التاريخية. وأشار إلى أنه قبل هذه اللحظة ما كان معروفا من علاقات كانت علاقات سيئة يحكمها أولا تصوران فنيان مختلفان بين أمة المسلمين ومملكة فرنسا، إلا أنه كانت تتحكم فيها طلب فرنسا على المصنوعات النفيسة في الشرق، وهذا ما يظهر في المجوهرات وكل المواد النادرة، وصولا إلى دخول ثقافة جديدة في فرنسا. أما اللحظة المذكورة أعلاه، فيمكن اعتبارها اللحظة التي انبنت فيها علاقة حول الفن ما انفكت عراها حتى هذه الأيام. وتابع د.داغر: "ما يمكنه قوله حول هذا التاريخ هو أن العلاقة التي أنشأتها فرنسا مع البيئات العربية في نطاق الفن أتت مختلفة ولصالحها، من دون أن تحظى في ذلك الوقت وحتى أواسط القرن العشرين بوضعية التساوي العادل بين الطرفين، فكم من المواد الفنية الشرقية العربية الإسلامية جرى فصلها أو سرقتها، أو تم استدراج جلبها في هيئة هدايا أو شراؤها في النادر من قبل مبعوثين أو دبلوماسيين أو رحالة أو تجار.. جعلوا من مواد هذه البيئات محلا لرغبة في التملك والحفظ، هذا ما تحفل به متاحف فرنسا على أنه من فنون الإنسانية، ولكن في عهدة فرنسية، وضمن ملكيتها المادية لا الرمزية؛ لأن الملكية الرمزية تبقى عائدة إلى الشعوب التي تحدرت منها". وأضاف بحسب " العرب القطرية " : "هذا التاريخ المظلوم والظالم في بعض وجوهه انتهى إلى فرض الفنون التشكيلية وفق صيغتها الأوروبية في البلاد العربية، وإلى بخس قيمة الفنون المحلية والمتوارثة، هكذا أهلتنا فرنسا من حيث طلبت أو لم تطلب؛ لأن نكون مشاركين في فن اليوم كما هو في عالم اليوم. فما نسميه الفن بالعربية اليوم وما يحيط به يعود في جزئه الأول والأسوأ إلى ما أقامته فرنسا في هذه البلاد وما سعت إليه في سياساتها المختلفة على مر العقود والعهود. وما يمكن قوله في إجمالي هذه العلاقة هو أننا لم ندخل إلى هذا الفن، بل أدخلنا فيه، وهو دخول لم تسعفه السياسات الرشيدة، وإنما تكفلت به سياسات متذوق أو أمير أو بعض مستشاريه". بعدها انتقل الحديث إلى فن السينما مع سليمان زغيدور رئيس تحرير TV5 Monde، الذي اعتبر أن السينما من بين كل الفنون التي تطورت بالعهد الحديث في أوروبا، هي أكثر ما استوعبه الفن العربي، موضحا أن الجزائر كانت أول بلد عربي تدخل إليه كاميرا لالتقاط صور سينمائية، فالفن السينمائي -برأي زيغيدور- استوعبه العرب بشكل سريع، وتطور سريعاً جداً خلافاً لغيره، فالطباعة مثلاً واجهت -بعكس السينما- عواقب وحواجز كثيرة عند نشأتها، وأول كتاب عربي طبع في إيطاليا، وبقيت الطباعة ممنوعة في العالم العربي لأكثر من 300 سنة طبعت خلالها أوروبا أكثر من 50 مليون مطبوعة، أما السينما، فلم تواجهها الحواجز نفسها، بل دخلت إلى العالم العربي من الباب الكبير، وفي سنة 1906 افتتحت أول قاعة سينمائية مصرية، وعام 1917 أنشئ أول فيلم مصري، وعام 1932 تم إنشاء استوديو مصر، وفي فترة الأربعينيات لم يكن هناك سينما عربية إلا في مصر، ولعبت السينما المصرية دوراً كبيراً في توطيد الوحدة العربية في الأفكار والأحاسيس. وشرح زغيدور كيف لعبت فرنسا دوراً كبيراً في تأسيس السينما الجزائرية، وقد تطورت هذه السينما بشكل سريع جداً بعد الاستقلال، وكانت الجزائر أول بلد عربي يحصل على جائزة في "كان"، ولما تطورت السينما وانعزلت مصر عن العالم العربي بعد اتفاقية كامب ديفيد ضعف إنتاجها السينمائي، في الوقت نفسه برزت سينما في سوريا وتونس والكويت. وختاماً انتقل الكلام إلى الفنان يوسف أحمد ليلقي الضوء على تأثير المدرسة الفرنسية على الفنانين التشكيليين القطريين في السبعينيات، ويعتبر أحمد من أبرز الفنانين المحليين، وقد شارك في تقريباً جميع المعارض في قطر والخليج، إضافة إلى معارضه الخاصة، وهو عضو مؤسس للعديد من التجمعات الفنية، وحصل على جوائز محلية وعالمية كثيرة.