قدمت الباحثة الصينية د. شيو وان "ريما" بالعربية ، بحثا عن "صورة الصين بأقلام الكتاب و المثقفين العرب" – وحصلت "محيط" على نسخة منه – أشارت فيه إلى أن العلاقة بين الصين و العرب تعود إلى ما قبل ألفى سنة ، لتستمد الصين صورتها عن العالم في القرون الوسطى من الرحالة العرب ، كما رسموا صورة إيجابية عن الصين كأعجب وأكبر و أغنى البلاد في الشرق. جاء ذلك خلال "الملتقى الدولى للعلاقات المصرية الصينية عبر العصور" والذي أقيم برعاية كلا من المجلس الأعلى للثقافة و المركز الثقافي الصيني . و تابعت ريما قائلة : أن صورة الصين في كتابات العرب القديمة اقتصرت على وصف العادات و الطقوس و الثروة و النظم و العلم ، و لم تكن تتناول نفوس و عقول الصينيين كثيرا ،و قد ذكرها النبي محمد صلى الله عليه و سلم حينما قال " اطلبوا العلم ولو في الصين " . أما في العصر الحديث فقد أصبح الغرب مصدرا لصورة الصين في العالم العربي والعكس ، مشيرة أنهم يسعوا لنقل صورة الصين الحقيقية بأنفسهم ، مقتبسة مقولة الكاتب الكبير عباس العقاد في مقال بمجلة الرسالة عام 1943 ، أن الغرب لا يذكر من الصين غير الأفيون و الخطر الصفر و الحائط الأعظم الذي يحيط بها منذ قرون ، و قد يذكرون الرسوم و النقوش و الآنية ، وطرفا من الحكمة التى تنسب إلى كنفشيوس ، فإذا بهم ذكروا عنها كل ما يعرفون ، أو كل ما أرادوا أن يعرفون ! و قالت ريما ان الغموض و الالتباس لدى العرب عن الثقافة الصينية امتد من القدم للعصر الحديث ، ومن ناحية أخرى تشاركت كلا من الأمتان العربية و الصينية ظروف تاريخية و محن متشابهة ، وكان بالنسبة لهم الغرب هو العدو و المستعمر و في ذات الوقت القدوة و المرشد ، بل انه مثل أيضا مرآة للأمتين الصينية و العربية ترى منها كلتاهما نفسها و الآخر فيها . الصين في عيون المثقفين العرب و تناولت ريما في بحثها صورة الصين في عيون المثقفين العرب ، من خلال أعداد "الهلال" من الأربعينات و حتى الثمانينات و التى توافرت لديها في مكتبة الكلية ببكين . و قد ظهرت الصين والكوخ الصينى وطريقة العلاج الصينية في قصة السندباد العربي ، في قصة "ايام و ليالى السندباد " 1958 لألفريد فرج . و في مقال " معالجة متناقضات صفوف الشعب" كتب لطف الله سليمان ، عن الحريات المعنوية كمشكلة من المشاكل التي يواجهها المجتمع الصينى الحديث ، و وصايا الزعيم الصينى "ماو" منها : "دع مائة زهرة تتفتح " ،"دع مائة مدرسة فكرية تتصارع" ،" التعايش الطويل الأمد" ، "الإشراف المتبادل" ، ورأى سليمان أن هذه الأركان الأربعة للتفكير و التعبير في ديمقراطية الصين الشعبية كما أرساها ماو تعد إضافة و تحول جديد في التفكير الاشتراكي . وعرض احمد بهاء الدين دراسته في العقيدة و الإيدلوجيا عام 1962 ، أن الصين لا تحسب من أمم الرسالات الدينية كمصر و بابل و الهند و فارس ، لأنها لم تخرج للعالم قيما دينية تلقاها منها ، بل هى تحسب من الأمم المستنفدة في مسائل الديانات ، لأنها أخذت قديما وحديثا عقائد البوذية و الإسلام و المسيحية و غيرها ، و لم تعط أمة اخرى عقيدتها ، سوى نقلها للكونفوشيوسية لليابان . و أشار أن أشيع العبادات بينهم الأسلاف و الأبطال ، و ليس لأهل الصين رسل و لا أنبياء ، بل هم معلمون و مربون ، فكنفوشيوس أشهر هؤلاء المعلمين ، و المعلم "لاو" الذى لم يشتهر خارج الصين كنظيره بقدر شهرته في الصين ، وكليهما يبشر بالحلم و الصبر و البر بالوالدين و العطف على الأقربين و الغرباء . و فرق بين فكر كونفشيوس و لاو ، مقتبسا عن لاو قوله " من كان طيبا معى فأنا طيب معه ، و من أساء فأنا طيب معه كذلك " ، بينما يرى كونفشيوس بأن نقابل السيئة بالعدل و أن نقابل الإحسان بالإحسان . و خلص أن شعائر الدين بالصين هى شعائر للسلوك و التهذيب ، و ليس في تدين الصين مغالاة ، و الدعة سمة عامة لروح الأمة ، و هم متفائلون ، و غالب الرأى بين حكمائهم أن الإنسان طيب بالفطرة و ان الحياة ترضى من لا يلح في الطلب عليها . و صورة بهاء الدين عن المزاج القومى للصينيين يتوافق مع ما كتبه عنهم المفكر اللبنانى شكيب أرسلان . كما تحدث بهاء الدين عن عقيدة الصين السياسية ، وكان يرى الشيوعية فيها ما في بعض الحركات الدينية من عنصر الإيمان الصارم العنيف . العقاد عن حكمة الصين بخلاف الهلال ، تحدثت الكاتبة عن مقالات العقاد عن الصين و منها مقالته بعنوان "حكمة الصين " في مجلة الرسالة عام 1943 ، و الذى رأى فيها أن فلسفة الصين تنحصر في آداب السلوك ، و رياضة النفس على علاج الأهواء و مسايرة الحياة ، ولكن بينما برعت الصين في حكمة السلوك لم تبرع في الحكمة الكونية ، و السلوك يستخدم لتيسير المعيشة ، بينما تفسير نظام الكون و أسرار الطبيعة فيتجاوز تيسير المعيشة لتحقيق معنى الوجود . و رأى هذا نقص و ليس ميزة فالعالم الجديد ينبغى أن يكون معيشة و حياة ، يسمو فيه الإنسان عن طلب الراحة لطلب الكمال . رحلات الكتاب العرب للصين قالت ريما أن في السنوات الأخيرة زار الصين بعض الكتاب العرب منهم الشاعر المصرى أحمد عبد المعطى حجازى ، و جمال الغيطانى و الشاعر العراقى سعدى يوسف و الشاعر السورى أدونيس و غيرهم ، وقد كتبوا عن تجربتهم هناك . حجازى اهتم بالصين الشاعرة في مقاله "الصين من ستالين إلى هوميروس" في الأهرام ، ففى تراث كونفشيوس يجعل معرفة الشعر شرطا لأى حوار ، بل أن الشعر كان شرطا لاختيار الموظفين في بعض العصور في الصين ،و الآن الصين فيها حوالى 10 ملايين مؤسسة تهتم بالشعر ومئات المجلات وملايين المواقع الإلكترونية . كما اشار إلى أن الصين نجحت في تحديث الصين ووضعوها على طريق التقدم الإنسانى ، فالتقدم ليس مصانع و قنابل و صواريخ فحسب ، ولكنه قبل كل شئ ثقافة و ديمقراطية و حقوق إنسان . في حين وصف أدونيس ملامح و مشاهد الصين بشكل شعرى في مقاله بجريدة الحياة بعنوان " زيارة إلى بيجنغ و شنغهاى : غيوم تمطر حبرا صينيا" . بينما كتب جمال الغيطانى في عدة مقالات عن أفكار "لاو تسو" وكتاب "التاو " الذي شبهه بالمؤلفات الصوفية .