«إنني أتمنى التواصل والاستمرار لمثل هذه التبادلات الثقافية، وأتمنى أن أرى الكثير من أعمال الأدب الصيني الحديث على أرفف المكتبات المصرية، مما سيعمق بدوره من أواصر التبادل الثقافي فيما بيننا». هذه هى أمنية أديبنا العالمى نجيب محفوظ، التى ألقاها ضمن كلمة له بعنوان «إلى القراء الصينيين» بمناسبة صدور بعض الترجمات العربية لعدد من الأعمال الأدبية الصينية. أطلق وزير الثقافة حلمي النمنم، ونائب السفير الصيني تشيتشيان جين، لوجو العام الثقافي المصري الصيني 2016، وقال النمنم: إن اختيار عام 2016 جاء للاحتفال بمرور 60 عامًا على اعتراف مصر بوجود دولة الصين. وفى ذات السياق التقت الدكتورة كاميليا صبحي رئيس قطاع العلاقات الثقافية الخارجية مع «هوجسنج» مدير عام الهيئة العامة للصحافة بجمهورية الصين الشعبية، وصرحت الدكتورة كاميليا صبحي بأنه تم خلال اللقاء الاتفاق على أن تكون الصين ضيف شرف لمهرجان القاهرة السينمائي الدولي 2016 ومصر ضيف شرف لمهرجان بكين وشنغهاي السينمائي الدولي 2016 وإقامة أسبوع أفلام مصرية في أكثر من مدينة في الصين، وتفعيل العروض السينمائية التجارية بين البلدين وعرض أهم الأفلام الصينية والمصرية في تليفزيون البلدين، وتوقيع اتفاقية إنتاج مشترك بهدف الاتفاق على أول إنتاج سينمائي مشترك بين البلدين، وتصوير أفلام سينمائية في مصر والصين مع تقديم تسهيلات بهذا الشأن بين البلدين، كما تم الاتفاق على وجود تعاون بين أكاديمية الأفلام ببكين والمعهد العالي للسينما بأكاديمية الفنون بالقاهرة، وتوفير منح دراسية ودورات تدريبية في الصين للمختصين المصريين في السينما في إطار شروط التبادل الثقافي. وبنظرة محايدة للصين، نجدها صاحبة حضارة من أقدم حضارات العالم، مما وهبها ثقافة عميقة الجذور، هذه الثقافة أصبحت تغطى الآن منطقة جغرافية كبيرة في شرق آسيا بعادات وتقاليد متفاوتة بين المحافظات والمدن وحتى القرى. ومن أهم مكونات هذه الحضارة الأدب و الموسيقى والفنون البصرية و فنون الدفاع عن النفس والمأكولات والدين وغيرها. لقد حظى الأدب الصيني خلال رحلته في العالم العربي منذ مطلع القرن العشرين بترحيب كبير من قبل جمهور القراء المصريين، وأهل الفكر والأدب وأساتذة اللغة تمثل هذا الاهتمام فى عدة كتاب صينيين استطاعوا أن يثروا المكتبة الصينية وبالتالى المكتبة العالمية. يعتبر الكاتب الصينى الأشهر «مو يان» درة العقد الصينى، حيث استطاع أن يضع الأدب الصينى على خريطة العالم بفوزه بجائزة نوبل للآداب لعام 2012، وجدير بالذكر أن مصر كانت قد أولت مو يان اهتماما قبل فوزه بالجائزة فأصدر له المركز القومي للترجمة رواية «الذرة الرفيعة الحمراء» بعد أن ترجمها الدكتور حسانين فهمي حسين عن الصينية مباشرة. وهى الرواية التى تمت ترجمتها إلى أكثر من عشرين لغة أجنبية ونشرت في أنحاء العالم. وقال «مو يان» وقتها إن ترجمة روايته «الذرة الرفيعة الحمراء» إلى العربية تعد بادرة طيبة للتعريف به لدى جمهور القراء العرب. وأكد الأديب الصيني أنه قرأ بعض أعمال نجيب محفوظ، خاصة رواية «أولاد حارتنا» وبعض أعمال جمال الغيطاني التي صدرت لها ترجمات بالصينية. كما قال «يان»: إن أعمال نجيب محفوظ تتميز بالأسلوب الواقعي الذي يصور المجتمع المصري والمواطن المصري بدقة، حيث يقدم محفوظ في أعماله صورة واضحة عن المنطقة التي تربى وعاش فيها وارتبط بأهلها ويكتب عن أصدقائه الشباب وعن اهتماماتهم آنذاك، ويمكن القول إن أعماله تتميز بملامح مصرية خالصة. ويعد مو يان كاتبا صينيا معاصرا ذا خصائص مميزة واضحة. وابتداء من عام 1981، بدأ إصدار أعماله الأدبية مثل (النهر الجاف) و(الموسيقي الشعبية). في عام 1986، نشر أول عمل ناضج هو رواية بعنوان «الفجل الشفاف»، تُرجمت إلى الفرنسية عام 1993. وفي عام 1987، ظهرت روايته «السرغوم الأحمر» الذرة الحمراء الحلوة، التي أكسبته شهرة أكبر بين القراء الصينيين والأجانب. وله العديد من الروايات والقصص القصيرة والمسرحيات، والكثير من المقالات المختلفة الأنواع والأهداف. وأصبح بذلك أحد أبرز كتاب الصين، ومن بين أعماله الأدبية المشهورة رواية «الضفدع» التى حصلت على جائزة «ماو دون» الأدبية وهى أعلى جائزة في الأوساط الأدبية الصينية، ومن أعماله أيضا رواية «الموت في غابة» و«الصندل» ورواية «الحياة والموت» وغيرها. ومن بين هؤلاء الكتاب أيضاً الكاتب الصينى الكبير «لو شيون» وهنا يؤكد الدكتور حسانين فهمى حسانين المدرس بقسم اللغة الصينية بكلية الألسن ان «لو شيون» تمتع بمكانة كبيرة لدى أهل الفكر والأدب في مصر، فهو في نظر الكثير منهم من أهم رواد الفكر والثقافة والأدب الصيني الحديث، حيث ذكر الكاتب والمترجم الكبير الدكتور شوقي جلال في إحدى مقالاته حول الثقافة الصينية: «لقد ظهر بالصين منذ مطلع القرن العشرين العديد من الرواد والتيارات العلمية، وكانت هناك آراء ووجهات نظر جديدة في مجال الإصلاح الاجتماعي، مما عجل بدوره بقيام حركة نهضة سياسية وفكرية، كان من روادها لو شيون (1880 – 1936) وتشن دو شيو (1879 – 1942) ولي دا تشاو (1889 – 1927). ويتابع حسانين أن أعمال لو شيون تتربع على عرش الأعمال الأدبية الصينية التي ترجمت إلى اللغة العربية، حيث كانت أعماله من أوائل الأعمال التي ترجمت إلى اللغة العربية وصدرت طبعاتها العربية في خمسينيات القرن العشرين في مصر، وتركت انطباعات كبيرة لدى القراء المصريين. ومن أهم الأعمال التي ترجمت في تلك الفترة «قصص آه كيو الحقيقة»، «مذكرات مجنون»، «الدواء»، «ضحية العام الجديد»، «البيت القديم» و«الأسرة السعيدة» وغيرها من الأعمال. ومنذ ثمانينيات القرن العشرين، ومع تطور الدراسة بقسم اللغة الصينية بكلية الألسن جامعة عين شمس، وما زال الحديث للدكتور حسانين نالت أعمال الكاتب الكبير لو شيون تقديرا كبيرا من المختصين بدراسة اللغة الصينية والأدب الصيني والثقافة الصينية. وبدأت دراسة لو شيون وأعماله الأدبية في أبحاث الماجستير والدكتوراه بالقسم، حيث كانت «الواقعية في قصص لو شيون القصيرة» موضوع رسالة الدكتوراه التي تقدمت بها الدكتورة جان إبراهيم بدوي عام 1987. ثم بدأ المتخصصون في الأدب الصيني بالألسن يتناولون أعمال «لو شيون» بالدراسة والمقارنة مع كتاب مصريين أمثال طه حسين ونجيب محفوظ. وهنا علينا أن نؤكد ان الأديب المصري العالمي الراحل نجيب محفوظ قد أثني مرارا على الثقافة الصينية والأدب الصيني، وأبدى إعجابه الكبير بكتاب «محاورات» لكونفوشي وبرواية «الجمل شيانغ تسه» للكاتب الصيني الشهير لاو شه، وذلك عندما قرأ محفوظ الترجمة العربية لهذين العملين. وذكر محفوظ فى حديث له أن رواية «الجمل شيانغ تسه» أعجبته كثيرا وأن بها الكثير مما يتفق مع المجتمع المصري. كذلك نال كاتبنا الكبير قدره لدى الأدباء الصينيين حيث ترجمت الكثير من أعمال محفوظ إلى اللغة الصينية ونالت إعجاب وتقدير القراء الصينيين، ودرست أعماله بالمقارنة مع أدباء صينيين مثل لو شيون وبا جين وغيرهما. وإذا ما عدنا إلى الكاتب الصينى «لو شيون» (1946-1881) لعلمنا أنه كان قائداً رئيساً للثورة الثقافية الصينية الحديثة ومفكراً كبيراً ومعلقاً سياسياُ أيضاً، وهو مؤسس الأدب الصيني الحديث. فأقصوصته الأشهر «يوميات مجنون» التي نشرها في مجلة «الشباب الجديد» 1918، كانت بمثابة بيان لنضاله ضد النظام الاقطاعي، كما اعتبرت أول قصص في تاريخ الأدب الصيني الحديث. وبعد ذلك نشر على التوالي «قصة آه كيو الحقيقية» و«ضحية العام الجديد» وغيرهما من القصص القصيرة التي حلل فيها الحياة الواقعية تحليلا عميقا وأدان المجتمع الظالم إدانة قوية. وفيما بعد جمعت هذه القصص في مجموعات ثلاث «دعوة للسلاح» و«تائه» و«رواية جديدة للقصص القديمة» وأصبحت إرثا أدبيا ثمينا للشعب الصيني حسبما يذكر الباحث. كذلك كان لو شيون ديمقراطيا ثوريا في فترة مبكرة من حياته، ثم أصبح شيوعيا بالتدريج. وكانت أعماله الأدبية في المرحلة الأولى من نشاطاته ترتكز على القصة والأقصوصة. وقد جمع هذا الكتاب 18 قصة منها، ومقدمة كتبها بقلمه لمجموعة قصصه «دعوة للسلاح». أما أعمال الكاتب الروائي والمسرحي الصيني الشهير «لاو شه» (1899- 1966) لم تكن أقل حظاً من « لو شيون» في مصر، حيث ترجمت بعض أعماله إلى العربية (ومن أهم الكتاب الصينيين ايضاً الأديب «لاو شه» الذى اشتهر بروايته «الجمل شيانغ تسه»، وقد ترجم له الدكتور عبد العزيز حمدي، أستاذ اللغة الصينية بجامعة الأزهر، رائعته المسرحية «المقهى» التي صدرت طبعتها الأولى عام 2002 ضمن المشروع القومي للترجمة بوزارة الثقافة. وفيما يتعلق بمكانة الأديب «لاو شه»، يؤكد الدكتور حسانين فهمى حسانين المدرس بقسم اللغة الصينية ان الدكتور عبد العزيز حمدي ذكر في مقدمة «المقهى» أن لاو شه يعتبر من أشهر أدباء الصين المعاصرين، ومن أعظم الأدباء الواقعيين في الأدب الصيني الحديث، ومن أعلام المسرح الصيني المعاصر، كما أنه يتمتع بمكانة مرموقة في عالم الأدب والفن وأكثر الكتاب الصينيين شهرة في العالم. وفيما يتعلق بإبداعات لاو شه المسرحية، ذكر الدكتور عبد العزيز أن لاو شه تربع على عرش المسرح التاريخي في الصين، ولا يطاوله في ذلك سوى الكاتب الصيني كو مو جو، وقدم لنا عشرات المسرحيات التاريخية الرائعة التي جسدت الكثير من الوقائع والأحداث التاريخية قبل وبعد تحرير الصين عام 1949. وكانت أعمال لاو شه موضوعا رئيسيا لأبحاث الأساتذة بقسم اللغة الصينية، فكان «الأديب لاو شه وقصة الجمل شيانغ تسه» موضوع رسالة الماجستير للدكتور مجدي مصطفي أمين عام 1988، وكان «مسرح لاو شه» موضوع رسالة الدكتوراه للدكتور حسن رجب عام 1995. هناك أيضا الأديب « با جين « و من أعماله التي تمت ترجمتها إلى اللغة العربية ثلاثيته الشهيرة الوابل التي تضم روايات الأسرة و الربيع و الخريف و قد تناولها المتخصصون في الأدب الصيني وأبدوا إعجابهم بها كما ترجمت لباجين رواية حلم البحر من الصينية إلى العربية. وعن المكانة الأدبية الكبيرة للأديب الصيني الراحل باجين يقول الناقد الصيني الكبير ليو تساي فو في مقال له: أن هناك تقاربا كبيراً بين واقع أعمال الأديب المصري نجيب محفوظ وواقع الأعمال لباجين وأيد هذا الكلام البروفسور بالأكاديمية الأدبية السويدية ما يوا ران مؤكدا أن أعمال نجيب محفوظ وباجين متقاربة ومتشابهة فإذا كان نجيب محفوظ هو عميد الرواية العربية فان باجين هو أحد رموز الرواية الصينية. وقد تأثرت مختلف الأشكال الصينية من الفن بالفلاسفة العظماء والمدرسين والشخصيات الدينية وحتى الشخصيات السياسية. ويشمل الفن الصيني جميع جوانب الفنون الجميلة والفنون التطبيقية وفنون الأداء. كما كانت صناعة الفخار أحد أشكال الفن الأولى في العصر الحجري، كذلك يحظى فن الرسم الصيني بتقدير كبير فى ولاية شان شوي مثل لوحة «أسرة مينغ»، أما الموسيقى الصينية المعاصرة فقد استندت على القرع على الآلات الموسيقية التي وهبتها مؤخرًا للآلات الوترية وآلات القصب و المزمار. كذلك أصبح فن قص الورق في عهد سلالة «هان» شكلا من أشكال الفن المهم بعد اختراع الورق، كما قًدمت الأوبرا الصينية أشكالاً كثيرة وتشعبت إقليمياً. أما عن الأزياء فى الصين فتتباهى مختلف الطبقات الاجتماعية في عصور مختلفة باتجاهات متابينة من الأزياء، فاللون الأصفر أو الأحمر محجوز عادة للإمبراطور، ويغطي تاريخ الأزياء في الصين منذ مئات السنين الملابس الملونة والمتنوعة، وفي «عهد أسرة تشينغ» أحدثت آخر سلالة إمبراطورية تحولا جذريا في الملابس، فالملابس التي قبل عصر «أسرة تشينغ» يشار إليها باسم «هانفو» أو ملابس «هان» الصينية التقليدية . أما الموسيقى والشعر الصيني فأهم ما يميزهما هو تأثرهما ب «كتاب الأغاني» والشاعر الصيني تشو يوان. كما يعتبر فن العمارة الصيني من السمات المميزة للحضارة منذ زمن طويل ويمكن الاطلاع على أمثلة عمرها أكثر من 2000 سنة، وهناك بعض السمات المشتركة للهندسة المعمارية الصينية، بغض النظر عن المنطقة المحددة أو الاستخدام. حيث ترتكز أهميته على العرض وتعتبر القاعات الواسعة للمدينة مثالا على ذلك. وفي المقابل تركز العمارة الغربية على الارتفاع على الرغم من وجود استثناءات مثل المعابد، كما تعتبر التماثيل ميزة مهمة فى العمارة الصينية التي تتضمن معنى الإحساس بالعظمة، وهو ما يُطبق على كل شيء من القصور حتى بيوت المزارعين، إلا أن الاستثناء الوحيد فى هذا هو تصميم الحدائق الذي يميل إلى أن يكون غير متماثل قدر الإمكان. والمبدأ الذي تقوم عليه بنية الحديقة هو إنشاء متسعات كبيرة للسماح للناس بالاستمتاع بالحديقة كما هو الحال في الطبيعة. نهلة النمر