المؤلف : النهر والاستعمار والظلم وراء ثورات الجياع عمار : 40٪ من المصريين تحت خط الفقر! واللاوندي يدعو لإعادةالنظر باتفاقيات الإنجليز ناقش عدد من المفكرين والكتّاب، الأوضاع الاجتماعية السيئة التي مرت بها مصر عبر تاريخها وحتى الآن، بما ينذر بقيام ثورة جياع، وذلك خلال ندوة نظمها "بيت حُسن"، بمنطقة الحسين، حول "تاريخ ثورات الجياع في مصر والعصور القديمة". حضر الندوة التي عقدت مساء أمس الأحد، الدكتور صلاح هاشم الخبير التنموي، والدكتور عمار على حسن الكاتب والمؤلف، والدكتور سعيد اللاوندي الخبير الدولي، والدكتور رشاد بيومي نائب رئيس جامعة حلوان، وعدد من الإعلاميين والمفكرين، وتم خلال الندوة عرض كتاب "ثورات الجياع" لمؤلفه الدكتور صلاح هاشم. وعن كتابه، أوضح الدكتور صلاح هاشم أستاذ التنمية والتخطيط بجامعة الفيوم والكاتب السياسي، أن الكتاب يناقش قضيتي الفقر والعدل، ويوضح أن مصر خلال تاريخها عانت من فترات فوضى تحولت إلى الاستقرار النسبي مع الوقت بسبب الثورات. وأفاد أن الكتاب يجيب على "هل قامت الثورة أم لا، وكيف صارت ثورة وكيف تم الحشد لها، وكيف تعامل النظام الحاكم معها بالقمع أم بدبلوماسية السياسة، وكيف تحولت مصر من مراحل الفوضى للاستقرار، وما نتائج تلك الثورات؟". ولفت هاشم إلى أن مصر تسير إلى الأسوأ منذ عهد مبارك، لذلك جاءت ثورة يناير ورفعت شعار "عيش، حرية، عدالة اجتماعية"، مشيراً إلى أن الجوع أي "العيش"، احتل ركناً مهماً من الثورة". وأكد هاشم أن المصريين يقدسون منذ القدم ثلاثة، الشمس والنهر والحاكم، ويضعون الحاكم في مصاف الآلهة لأنه مصدرالعدل، ومن يحققه يستحق الالوهية، لذلك حين يفشل الحاكم في تحقيقه يسقطه المصريون. ولفت إلى أن البطالمة كانوا يرون أن المصريين لا يستحقون الحرية، فهم يتعاملون مع الشعب المصري على أنهم يقدسون حاكمهم، ويطيعون أوامره، لذلك منحوهم قليل من موارد الدولة، وكانت النتيجة هي ثورة المصريين في عهد بطليموس الثاني، واستمرت الثورة 180 سنة لأنها قوبلت بالحلول الأمنية، قائلاً: القمع لا ينهي الثورات بل الحلول الاقتصادية وحدها تفعل. يواصل: المجتمع المصري مر بأزمات عديدة، وكان الجيش دائما هو حامي مصر من السقوط، قائلاً: العسكر يملكون القدرة على حماية مصر، والتدخل في الوقت المناسب لإنقاذها من السقوط، لكنهم لا يملكون خطة تنموية أو نهضوية، لذلك عليهم أن يحكموا لفترة ثم يتركوا الأمر للمدنيين من بعدهم من أجل إحداث نهضة واستقرار. أما عن العصر الفاطمي فوصفه الباحث بأنه كان "نحس" على المصريين، لأن أوضاع النيل لم تستقر ابداً في هذا العصر، فإما أن يزيد فيتسبب الفيضان في غرق الأراضي والزرع، أو يقل فيحدث الجفاف والجوع، معتبراً أن مشكلة "سد النهضة" في إثيوبيا، إذا لم تُحل ستعرض مصر لمجاعة شديدة، خاصة أن مصر تفقد 3.5 فدان من الدلتا بشكل دوري وحصتها من المياه ستقل، ونستورد 60% من غذائنا إلى جانب انتشار الأمراض ومشروع التأمين الصحي "فاشل"، كل ذلك إن لم يحل سيؤدي لثورة جياع حقيقية قريبا. وتوصل الباحث في نهاية كتابه إلى الربط بين إطالة فترة الحكم والفساد والجوع، قائلاً: حين تطول مدة الحاكم تتكون حوله حاشية فاسدة لا تسعى سوى لتحقيق مصالحها، ومن ثم ترتفع معدلات الفساد وتنتفي العدالة ويتعرض المواطنون لمجاعة وتسقط الدولة بشكل سريع. وأكد أن الأمل بلا شك يظل قائماً، لكنه لا يساهم وحده في نهضة الأمم، فنحن بحاجة إلى سياسات جديدة تتجاوز مشكلات الواقع، معتبراً أن أزمتنا في طبيعة البشر، والأساليب التي يتبعونها لتنمية ذواتهم ومجتمعهم، المشكلة أيضاً تكمن في الزمن الذي يسوقنا أمامه، إما أن ننتصر عليه أو ينتصر هو علينا. من جانبه، اعتبر الدكتور عمار علي حسن، المحلل السياسي والكاتب والروائي، أن الكتاب غير مسبوق في موضوعه، لأنه تناول أهم مسبب للثورات وهو "الجوع" متحدثاً عن المهمشين والضعفاء، على العكس من الكتب الأخرى التي تتحدث عن الحكام وتتناول الثورات بشكل عام. ولفت عمار إلى أن الجياع لا يفرقون بين النظام الظالم، أو من يعارض هذا النظام، فالجوعى إذا خرجوا من بيوتهم سيذهبون إلى بيوت الجميع، وسيستولون على كل ما يجدونه. وتحدث عمار علي حسن عن الشدة المستنصرية، وروى حكاية السيدة التي باعت عقدها الثمين لتبتاع بثمنه جوالاً من الدقيق، لكن الجوعى خرجوا عليها واستولوا على الدقيق كله، ولم يتركوا لها إلا ما يكفي لعمل رغيف واحد، وبعد أن صنعت رغيفها، رفعته إلى السماء وقالت: اشهد يا الله انني اشتريت في عهد المستنصر رغيف بمائة ألف دينار!، تقصد ثمن العقد، ولفت الباحث إلى أنه في هذا العهد أكل الناس الكلاب والحمير، وحين كان يعلق السلطان اللصوص على المشانق، كان الحراس في الصباح لا يجدون الجثث فقد ألتهمها الجوعى من الناس!. أثنى "حسن" على الكتاب، لأنه تتبع مسار الغضب المصري عبر التاريخ، لم يتناول الثورات التي تنادي بالتغيير السياسي، والعدل أو مقاومة الاحتلال، بل أخذ رافداً واحداً يتعلق بالثورة ضد الجوع، يرصد تاريخ الفقراء والمهمشين، وأسباب الاحتقان الاجتماعي، ونبه لما سيأتي في المستقبل. ولفت إلى أن الكاتب يتناول أهم ثلاثة أسباب لثورات الجياع، أولها "نهر النيل" الذي إن زاد منسوبه وأغرق البلاد سيقضي على الغذاء وسيؤدي إلى ثورة، كذلك العكس إن انحسر وجفت الأرض، والسبب الثاني هو النهب الاستعماري المنظم والتي تعتبر مصر من أكثر الدول العربية التي تعرضت له، وآخر الأسباب "الظلم الاجتماعي" الذي وضع الثروة في يد طائفة من الشعب وتسبب في فجوة بين الشعب والسلطة بالإضافة للكوارث الطبيعية. وأضاف "حسن" أن التقارير المحلية تتحدث عن أن من يعيش تحت خط الفقر، حوالي 40% من سكان مصر، وكتب كثير من الاقتصاديين عن انهيار الطبقة الوسطى وزيادة الفجوة الاقتصادية، بما يشعل الضوء الأحمر للمسئولين لتجنب الغضب الشعبي، وتفادي حدوث ثورة جياع إذا استشرى الفساد أكثر، او إذا أصبح الشعب المصري أكثر فقراً. من جهته، أكد الدكتور سعيد اللاوندي، خبير العلاقات السياسية والدولية، أن كتاب "ثورات الجياع" قراءة سوسيولوجية لأول مرة تعرض تعامل أنظمة الحكم في مصر منذ التاريخ مع الجوعى، واصفًا أسلوب العرض الذي اتبعه الكاتب بالشيق والممتاز، واستخدم ألفاظ سلسة من اللغة العربية، وكان واضحًا فيما استدل به من تقارير وإحصائيات معترف بها من قبل الأممالمتحدة تتحدث عن الجوع والفقر. أثنى اللاوندي على اسم الكتاب، معتبرًا أن الكاتب استقاه من أفواه الناس الذين حذروا آلاف المرات من قيام ثورات جياع نتيجة ما يتعرضون له من ظلم وفقر، متوقعًا أن الكتاب سيكون مرجعًا ومن أمهات الكتب التي يعود إليها الباحثين عن تاريخ الثورات في مصر. واتفق مع ما قاله عمار علي حسن من أن النهب الممنهج من الاستعمار سبب أساسي في الجوع،وتذكر حينما كان في فرنسا، ذلك الطالب السنغالي الذي ما إن دخل إلى أحد مدرجات جامعة "السوروبون"، وكان مصنوعاً من الخشب فقال في حسرة، هذا المدرج مصنوعاً من خشب بلادي، فالفرنسيون كانوا يقتطعون أشجاراً كثيرة ليحصلوا على خشبها. مؤكداً أن الاستعمار كان يحاول مسخ الشعوب الذي يحتلها، داعياً إلى إعادة النظر في الاتقاقيات التي وقعها الإنجليز حينما حكموا مصر والسودان في عهد الاحتلال، فجميعها كانت تهدف إلى خدمتهم، وإعادة النظر في كثير منها سيكون في صالحنا. وقال رشاد عبد اللطيف نائب رئيس جامعة حلوان في مداخلته، أن ثورات الجياع خرجت من داخل الحارة المصرية، مشيدًا بشخصية الكاتب الذي جمع بين الشعر والسياسة والفلسفة وعلم الاجتماع في كتاباته، مؤكدًا أن الجوع يعطل التنمية لكنه لا يمنع الفكر بل يخلق علماء يفكرون من أجل غيرهم.