بكين: رغم مظاهر الكساد التي بدأت تواجه العديد من الاقتصاديات الصناعية كنتيجة للأزمة العالمية الراهنة إلا أن هناك تقديرات تشير إلى أن الصين صاحبة رابع أكبر اقتصاد في العالم ما زالت مهيأة على التعامل مع تلك الأزمة والخروج منها بأقل حد من الخسائر وذلك من خلال المحافظة على معدلات نمو قوية نسبيا خلال المرحلة المقبلة. فقد توقعت مؤسسة أكاديمية أن يسجل الاقتصاد الصيني معدل نمو خلال العام المقبل في حدود ال9.3% متراجعا بذلك عن المستويات المتوقعة للعام الحالي والبالغة 9.8%. وأشارت الأكاديمية الصينية للعلوم الاجتماعية خلال مؤتمر صحفي أعلنت فيه توقعاتها السنوية للاقتصاد الصيني إلى أن تمكن الصين من تحقيق ذلك النمو يأتي في ظل خطة الإنعاش الاقتصادية الأخيرة لتنشيط حركة الاستثمارات وتحفيز الطلب المحلي على السلع والخدمات في إطار الإجراءات الرامية للتخفيف من تداعيات الأزمة العالمية خاصة وأن هناك العديد من الصناعات الاقتصادية الكبرى قد بدأت تواجه مخاطر الكساد. وصرح خبراء صينيون في كلمتهم التي اوردتها وكالة الأنباء القطرية "قنا" بأن المسئولين عن السياسات الاقتصادية في الصين سوف يجتمعون الأسبوع القادم لتقرير سبل المحافظة على نمو تزيد نسبته عن 8% على الأقل. وذكروا أن "مؤتمر العمل الاقتصادي المركزي" سوف ينعقد ابتداء من يوم الاثنين القادم لبحث وسائل تنفيذ السياسة المالية "التوسعية" التي تقررت مؤخرا وتخفيف قيود السياسة النقدية بقدر معقول. ويأتي توقع الاكاديمية الصينية خلافا لما توقعه البنك الدولي هذا الأسبوع من انخفاض معدل نمو الاقتصاد الصيني إلى 7.5% في العام القادم، حيث كشف في تقريره الربع السنوي الخاص باقتصاد الصين عن إمكانية تراجع النمو على مستوى رابع أكبر اقتصاد في العالم إلى حوالي 7.5% العام المقبل وهو ما سيعد أدنى معدل يسجل منذ نحو 18 عاما. وعزا البنك الدولي في تقريره ذلك التراجع الملحوظ الذي قد يشهده الاقتصاد الصيني بعد أن أحرز نموا بلغ 12% العام الماضي وذلك إلى مظاهر الكساد التي بدأت تصيب أغلب الاقتصادات الصناعية والتي ستؤدي إلى خفض معدلات الاستهلاك بشكل واضح وهو الأمر الذي قد يؤدي إلى حدوث أول تراجع في حركة الواردات عالميا وللمرة الأولى منذ العام 1982. ويشير لويس كويجس كبير المحللين لدى البنك الدولي أن تراجع حركة الواردات عالميا سينعكس بصورة سلبية على الاقتصاد الصيني خاصة وأن الصادرات تمثل دعامة أساسية لمعدلات النمو السريعة التي حظي بها الصين على مدى السنوات الأخيرة. وقال في تصريحات أوردتها صحيفة "شينا ديلي" عبر موقعها الالكتروني إن النصف الأول من العام المقبل سيكون الأكثر صعوبة للاقتصاد الصيني غير أنه أكد أن الصين ما زالت تمتلك الأدوات الكفيلة بضمان استمرارية النمو بمعدلات جيدة. وأشار لويس كويجس إلى أن أكثر من نصف النمو المتوقع تحقيقه العام المقبل سيتأتى من خلال خطة الإنعاش الاقتصادي التي أعلنتها مؤخرا الحكومة الصينية بتكلفة تصل لنحو 4 تريليونات يوان (586 مليار دولار) التي ستهدف تنشيط الاستثمارات ودعم مشاريع البنية التحتية لتحفيز الطلب المحلي. وأكد التقرير أن تلك الخطة تمثل عامل أساسي لاستمرارية النمو الاقتصادي مشيرا إلى إمكانية إقدام الحكومة على زيادة حجم ميزانيتها للعام المقبل. وتتضح أول مؤشرات انعكاس الأزمة على الاقتصاد الصيني من خلال البيانات المتعلقة بتدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر لأسواق الصين والتي بدأت تشهد تراجعا في معدلات النمو فعلى الرغم من وصول النمو السنوي لحركة الاستثمار الأجنبية على مدى التسعة الشهور الأولى من العام الحالي إلى حوالي 39.9% وارتفاع استثمارات الشركات الأجنبية لتبلغ 74.4 مليار دولار إلا أن حجم الاستثمارات المباشرة المتدفقة للصين قد بلغت خلال الشهر الماضي 6.64 مليار دولار فقط مقارنة بالمستوى الشهري المسجل على مدى العام الحالي في حدود 8.3 مليار دولار. وأشار تقرير لصحيفة "شينا ديلي" إلى أن تلك البيانات الخاصة بوزارة التجارة الصينية تعكس أيضا وجود تباطؤ في معدل نمو الاستثمارات الأجنبية المباشرة والذي بلغ خلال النصف الأول من العام حوالي 45.6%. ويري أحد المحللين لدى مؤسسة "شينا ايكونوميك بيزنيس مونيتو" إلى أنه مع تضرر الاقتصاديات الأوروبية والاقتصاد الأمريكي نتيجة الأزمة الراهنة، ستبدأ رؤوس الأموال الأجنبية النزوح عن الأسواق الناشئة والعودة من جديد لأوطانها. وأضاف أن تدفقات رؤوس الأموال للأسواق الناشئة مثل الصين ستظل تواجه مرحلة صعبة وذلك في ضوء الاضطرابات الحادة التي تشهدها حاليا أسواق المال بمختلف أنحاء العالم.