منذ وضع اليهود أقدامهم في أرض فلسطين، وقبل قيام دولتهم الآثمة وهم يسيرون طبقاً لمخطط موضوع بدقة وإحكام، يستهدف الاستيلاء علي الأرض والمقدسات تدريجياً وعلي مراحل زمنية متتابعة، وهذا المخطط استهدف القدس كما استهدف كامل فلسطين وما حولها من مناطق عربية.
ففي عام 1948م، وبعد أن استولت إسرائيل علي القدسالغربية، بدأت أعمالها المنظمة في تهويد المدينة المقدسة، حيث عملت علي طمس كل معالمها العربية والإسلامية وحولته في سنوات قليلة إلي مدينة لا صلة لها بعمقها العربي والإسلامي.
وفي عام 1967م، احتلت إسرائيل الجزء الشرقي من القدس، وعندها اكتملت خطتها بتهويد المدينة المقدسة وطمس هويتها وتشويه حضارتها، وهدم كل ما يمت للعرب والمسلمين بصلة من مبان ومؤسسات وآثار، حتي أصبح الخطر الآن يحيط بالمسجد الأقصي المبارك الذي يزعم اليهود أنه أقيم مكان هيكل سليمان القديم، ويتخذون هذه الفرية ذريعة لهدمه واقامة هيكلهم علي أنقاضه.
ومنذ بداية احتلال المدينة وإلي اليوم استطاعت إسرائيل بالحقائق والأرقام أن تعمل علي تهويد القدس وتحويلها إلي مدينة شبه يهودية، ولا تزال تضيق علي من بقي من سكانها العرب ليتركوها، نتيجة إجراءات مضايقة شديدة من السلطات الإسرائيلية لإيذاء السكان العرب وإرغامهم علي الهجرة خارج القدس.
ولم يعبأ الصهاينة بالحقوق العربية والإسلامية في القدس ولا بالقرارات الدولية التي أصدرها مجلس الأمن لإدانة ما يفعلونه في القدس من هدم وتشويه، وإنما سعوا في مخطط التهويد علي قدم وساق فدنسوا المقدسات واستولوا علي العقارات الإسلامية وهدموا معظمها، وبدأوا حفرياتهم في القدس وغيروا طابعها الديموغرافي والسكاني.
وجاء بعد ذلك المخطط الاستيطاني الكبير، والذي استهدف تطويق المدينة بما يزيد علي 25 مستوطنة صهيونية يقطنها 160 ألف يهودي، وتفتيت الوجود العربي في المدينة المقدسة بشتي الوسائل، وقد وصلت إسرائيل إلي الانتهاء من مرحلة التطويق خصوصاً للقدس العربية وقطعت مراحل متقدمة في مجال إنهاء الوجود العربي فيها، ونسيت أن القدس كانت قبل التاريخ عربية وستبقي إلي نهاية التاريخ عربية إسلامية.
فماذا ننتظر نحن المسلمون؟
هل ننتظر أن تتحول القدس بكاملها الي مدينة يهودية، ثم نبكي علي أطلالها، كما حدث في الأندلس الذبيحة؟ إننا نؤكد أن قضية القدس ومستقبلها تمر بمنعطف خطير، ليس اليوم فقط ولكن منذ سنوات طويلة، فاليهود الخبثاء منذ بدأوا مفاوضاتهم مع العرب، وهم يصرون علي استبعاد المدينة المقدسة من علي طاولة المفاوضات، وكأنهم يقولون للعرب والمسلمين: لا تفاوض حول القدس التي يعتبرونها زورا وبهتانا عاصمة أبدية موحدة لدولتهم الآثمة.
وإذا كان اليهود يبحثون اليوم، ومنذ سنوات طويلة مضت عن مجموعة أحجار في مدينة القدس لبقايا هيكل سليمان الذي اندثر واختفي من الوجود قبل مجيء الإسلام بأكثر من خمسمائة سنة، ليثبتوا ارتباطهم بالمدينة المقدسة.. إذا كانوا يبحثون عن هذه الأحجار وينقبون عليها ويحفرون الأنفاق في أحياء القدس المختلفة وحول أسوار المسجد الأقصي وتحت أساساته و لم يعثروا علي اي اثر يؤيد اوهامهم باعتراف علماء آثار يهود منصفون .
فإن العرب والمسلمين يملكون من الآثار الإسلامية القائمة حتي اليوم في مدينة القدس ما لا يحصي عدده، وكلها شواهد تاريخية علي أصالة الوجود العربي والإسلامي في المدينة المقدسة.
فالقدس من الحواضر الإسلامية التي تكثر فيها الآثار ذات القداسة المميزة بما تحمله من دلالات عميقة تجعلها شاهداً علي ذلك التاريخ العظيم..
وعلي طبيعة العقيدة الحقة التي حملها الشعب الذي سكنها، فتصبح بذلك جزءاً من الفكر وجزءاً من التاريخ الماضي والحاضر للأمة الإسلامية صاحبة السيادة الشرعية علي مدينة القدس.