إعلان موعد تلقي أوراق الترشح للانتخابات مجلس النواب اليوم    سعر الذهب في السوق المصري اليوم السبت 4 أكتوبر 2025    مسؤول أمريكي يكشف موعد بحث نزع سلاح حماس بعد الرد على خطة ترامب    نشرة أخبار الطقس| الأرصاد تحذر من أمطار والعظمى 33 في القاهرة و38 بالصعيد    جهود أمنية لكشف لغز وفاة طالبة بشكل غامض أثناء تواجدها في حفل زفاف بالفيوم    اليوم.. محاكمة متهم بالانضمام لجماعة إرهابية في بولاق الدكرور    شهادات البنك الأهلي ذات العائد الشهري.. كم فوائد 100 ألف جنيه شهريًا 2025؟    المتخصصين يجيبون.. هل نحتاج إلى مظلة تشريعية جديدة تحمي قيم المجتمع من جنون الترند؟    سيناريوهات تأهل منتخب مصر ل ثمن نهائي كأس العالم للشباب 2025    يتطلع لاستعادة الانتصارات أمام المحلة| الزمالك ينفي رحيل عواد.. وينهي أزمة المستحقات    الأهلي يسعى لصعق «الكهرباء» في الدوري    هل إجازة 6 أكتوبر 2025 الإثنين أم الخميس؟ قرار الحكومة يحسم الجدل    أسعار الفراخ اليوم السبت 4-10-2025 في بورصة الدواجن.. سعر كيلو الدجاج والكتكوت الأبيض    أسعار الحديد والأسمنت اليوم السبت 4 أكتوبر 2025 في الأسواق المصرية    رغم تحذيراتنا المتكررة.. عودة «الحوت الأزرق» ليبتلع ضحية جديدة    الخبراء يحذرون| الذكاء الاصطناعي يهدد سمعة الرموز ويفتح الباب لجرائم الابتزاز والتشهير    في ذكرى حرب أكتوبر 1973.. نجوم ملحمة العبور والنصر    في الدورة ال 33.. أم كلثوم نجمة مهرجان الموسيقى العربية والافتتاح بصوت آمال ماهر    مسلسل ما تراه ليس كما يبدو.. بين البدايات المشوقة والنهايات المرتبكة    رئيس الطائفة الإنجيلية يشهد إطلاق المركز الثقافي بالقاهرة الجديدة    وسائل إعلام فلسطينية: إصابة شابين برصاص الاحتلال خلال اقتحام قلقيلية واعتقال أحدهما    عبد الرحيم علي ينعى خالة الدكتور محمد سامي رئيس جامعة القاهرة    البابا تواضروس: الكنيسة القبطية تستضيف لأول مرة مؤتمر مجلس الكنائس العالمي.. وشبابنا في قلب التنظيم    حرب أكتوبر 1973| اللواء سمير فرج: تلقينا أجمل بلاغات سقوط نقاط خط بارليف    إصابة 7 أشخاص في حادث تصادم بالطريق الدائري بالفيوم    "بالرقم الوطني" خطوات فتح حساب بنك الخرطوم 2025 أونلاين عبر الموقع الرسمي    كأس العالم للشباب.. أسامة نبيه يعلن تشكيل منتخب مصر لمواجهة تشيلي    ثبتها حالا.. تردد قناة وناسة بيبي 2025 علي النايل سات وعرب سات لمتابعة برامج الأطفال    «نور عيون أمه».. كيف احتفلت أنغام بعيد ميلاد نجلها عمر؟ (صور)    "أحداث شيقة ومثيرة في انتظارك" موعد عرض مسلسل المؤسس عثمان الموسم السابع على قناة الفجر الجزائرية    مستشفى الهرم ينجح في إنقاذ مريض ستيني من جلطة خطيرة بجذع المخ    اسعار الذهب فى أسيوط اليوم السبت 4102025    بيطري بني سويف تنفذ ندوات بالمدارس للتوعية بمخاطر التعامل مع الكلاب الضالة    تتقاطع مع مشهد دولي يجمع حماس وترامب لأول مرة.. ماذا تعني تصريحات قائد فيلق القدس الإيراني الأخيرة؟    نسرح في زمان".. أغنية حميد الشاعري تزيّن أحداث فيلم "فيها إيه يعني"    الخولي ل "الفجر": معادلة النجاح تبدأ بالموهبة والثقافة    مواقيت الصلاة فى أسيوط اليوم السبت 4102025    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم السبت 4-10-2025 في محافظة الأقصر    بعد أشمون، تحذير عاجل ل 3 قرى بمركز تلا في المنوفية بسبب ارتفاع منسوب النيل    هدافو دوري المحترفين بعد انتهاء مباريات الجولة السابعة.. حازم أبوسنة يتصدر    تامر مصطفى يكشف مفاتيح فوز الاتحاد أمام المقاولون العرب في الدوري    حمادة طلبة: التراجع سبب خسارة الزمالك للقمة.. ومباراة غزل المحلة اليوم صعبة    النص الكامل ل بيان حماس حول ردها على خطة ترامب بشأن غزة    احتفاء واسع وخطوة غير مسبوقة.. ماذا فعل ترامب تجاه بيان حماس بشأن خطته لإنهاء حرب غزة؟    تفاعل مع فيديوهات توثق شوارع مصر أثناء فيضان النيل قبل بناء السد العالي: «ذكريات.. كنا بنلعب في الماية»    لبحث الجزر النيلية المعرضة للفيضانات.. تشكيل لجنة طوارئ لقياس منسوب النيل في سوهاج    «عايزين تطلعوه عميل لإسرائيل!».. عمرو أديب يهدد هؤلاء: محدش يقرب من محمد صلاح    "مستقبل وطن" يتكفل بتسكين متضرري غرق أراضي طرح النهر بالمنوفية: من بكرة الصبح هنكون عندهم    تفاصيل موافقة حماس على خطة ترامب لإنهاء الحرب    الرد على ترامب .. أسامة حمدان وموسى ابومرزوق يوضحان بيان "حماس" ومواقع التحفظ فيه    محيط الرقبة «جرس إنذار» لأخطر الأمراض: يتضمن دهونا قد تؤثرا سلبا على «أعضاء حيوية»    عدم وجود مصل عقر الحيوان بوحدة صحية بقنا.. وحالة المسؤولين للتحقيق    ضبط 108 قطع خلال حملات مكثفة لرفع الإشغالات بشوارع الدقهلية    لزيادة الطاقة وبناء العضلات، 9 خيارات صحية لوجبات ما قبل التمرين    الشطة الزيت.. سر الطعم الأصلي للكشري المصري    هل يجب الترتيب بين الصلوات الفائتة؟.. أمين الفتوى يجيب    مواقيت الصلاه في المنيا اليوم الجمعه 3 أكتوبر 2025 اعرفها بدقه    تكريم 700 حافظ لكتاب الله من بينهم 24 خاتم قاموا بتسميعه فى 12 ساعة بقرية شطورة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



نساء الفراعنة... من العرش للقتال والحرث
نشر في محيط يوم 23 - 06 - 2014

على مدار تاريخها الطويل الذى يبدأ به التاريخ المكتوب للعالم، صاغت مصر أسس المكانة الحضارية للمرأة متجاوزة دولا وحضارات أتت بعدها بآلاف السنين. وقدم المصريون القدماء لأحفادهم وللدنيا بأسرها ميراثا ضميريا وأخلاقيا هائلا فى تطوره بشأن المساواة بين المرأة والرجل فى الكثير من المسائل التى سبقت بها العالم بعدة قرون من الزمن.
وكانت حقوق المرأة المصرية فى مصر القديمة (الفرعونية) فى الملكية وإدارة ممتلكاتها دون وصاية من أحد، وحقوقها ومشاركتها فى العمل وفى التعليم لدى الفئات المتاح لها التعلم، عنوانا للإنجاز الحضارى المصرى العظيم. وانعكست مكانة المرأة فى حالة التبجيل والتقدير الاجتماعى لها، بشكل يتجاوز الصور النمطية عن وضع المرأة فى المجتمعات القديمة. وكانت المرأة شريكة للرجل فى كل الأعمال الزراعية وخاصة فى مواسم الحرث والزراعة والحصاد وتخزين المحاصيل التى كانت تستدعى كل القوى القادرة على العمل فى المجتمع. ومع مثل تلك المشاركة فى توليد الدخل، تطورت النظرة للمرأة باحترام كشريك وإنسان. ونظرا لوجود الدولة وغياب «الثقافة» المنحطة للغزو القبلى وسبى النساء واستعبادهن، فإن المرأة فى مصر لم تتعرض لمثل تلك الممارسات. ووصلت المرأة المصرية لأعلى المراتب الاجتماعية والسياسية فى مصر القديمة. فقد تربعت ملكات على رأس الحكم فى مصر فى عهود مختلفة من الدولة المصرية القديمة، أو ما اصطلح على تسميته العهد الفرعوني.وفى عهد الدولة الفرعونية القديمة وكان مركزها «منف» بالقرب من قرية ميت رهينة الحالية، تولت «مريت نيبت»، و«خنتكاوس»، و«حتب هور» التى تكتب عادة «حتب حرس»، الملك فى سابقة هى الأولى فى التاريخ.
وصحيح أن المرأة فى عهد المشاعية البدائية ما قبل ظهور الدول، كانت تتولى القيادة وكان الأبناء ينسبون إليها، إلا أنه مع تجاوز المجتمعات لتلك المرحلة فقدت المراة مكانتها وصارت إنسانا من الدرجة الثانية فى مكانة تلى العبيد فى المجتمعات العبودية القديمة. واستمر الأمر على نفس المنوال فى المجتمعات الإقطاعية والرأسمالية مما استلزم نضالا هائلا من المرأة فى طول العالم وعرضه لاستعادة الحقوق فى التعليم والعمل والمساواة مع الرجل كإنسان فى كل الحقوق السياسية والاجتماعية.
وعودة إلى مكانة المرأة المصرية فى التاريخ المصرى القديم سنجد أنه فى عهد الدولة الوسطى وكان مركزها فى اهناسيا بمحافظة بنى سويف حاليا، تولت الملكة «سوبك نفر» الحكم. وللعلم فإن ملوك مصر فى تلك الحقبة (حقبة الدولة الفرعونية الوسطي) يعرفون بأنهم الملوك الفلاحون نظرا لإنجازهم أعظم مشروعات الزراعة والرى وشق الترع والقنوات وأهمها قناة سيزوستريس، وبخاصة فى عهود أمنمحات الثالث وسنوسرت الثالث.
أما فى عهد الدولة «الفرعونية» الحديثة فإن الأدوار الرئيسية فى تحرير مصر من الغزاة وتأسيس تلك الدولة قامت بها نساء ربما يكن الأكثر عظمة على مدار تاريخ مصر القديم. فقبل ستة وثلاثين قرنا من الزمان قادت الأسرة السابعة عشرة مصر لإزاحة احتلال ال «حقخاسوت» التى تعنى بالهيروغليفية «حكام البلاد الأجنبية» والمعروفين شعبيا بالهكسوس والذى جثموا على صدر مصر قرنين من الزمان قبل أن يتم طردهم ومحو ذكرهم من الوجود كليا فى عام 1550 قبل الميلاد.
وكان لثلاث نساء من تلك الأسرة فضل عظيم فى حرب التحرير تلك. وعلى رأسهن الملكة الأم تيتى شيرى التى دفعت بابنها »سقنن رع« لبدء المعركة الأخيرة والكبرى لتحرير مصر من «الهكسوس». وساندتها فى ذلك ملكة عظيمة أخرى هى »إعج حوتب« زوجة سقنن رع الذى سقط شهيدا فى معركة التحرير وما زالت مومياؤه المصابة بكسر فى الجمجمة نتيجة ضربة سيف على الرأس شاهدا على استشهاده. واستمرت «إعج حوتب» فى حشد المصريين لمواصلة الحرب ودفعت بابنها الأكبر »كاموس« لأتون المعركة ليلقى مصير والده ويستشهد هو الآخر فى معركة استرداد حرية مصر واستقلالها وكرامتها. ودفعت تلك الأم التى تملك مخزونا هائلا من الاحتمال والجلد والإيمان بالوطن بابنها الثانى «أحمس الأول» لأتون الحرب وهى من ورائه تبث روح الثورة والوطنية فى المصريين وتجمع الأنصار والأموال لتمويل الحرب الوطنية العظمى عند المصريين القدماء. واخيرا تتمكن مصر بقيادة أحمس الأول من تحقيق انتصارها التاريخى الهائل على «الهكسوس» وتحطيم عاصمتهم «أواريس» وتحرير مصر منهم كليا وتأسيس الدولة الحديثة.
ولم تكن «إعج حوتب» وحدها فى دعم ابنها، إذ كانت هناك زوجته «أحمس نفرتاري» تدعمه بكل قوتها وتسهم فى حشد الأنصار وتعبئتهم، والمشاركة معه فى المعارك لدرجة أنها رفعت لمرتبة القداسة وعُبِدت بعد ذلك. أما أمه «أعج حوتب»، فقد لُقبت ب»سيدة الجزر» تكريما لها، والمقصود بذلك هو جزر البحر الأبيض المتوسط وضمنها بعض الجزر اليونانية التى كانت تابعة لمصر وكانت تسكنها شعوب بدائية أسماها المصريون «شعوب البحر»، وهى الشعوب التى نقلت إنجازات الحضارة المصرية القديمة إلى اليونان وأوروبا، قبل أن يُكمل الاحتلال الإغريقى ومن بعده الرومانى نقل تلك الإنجازات بل ونسب جزء مهم منها إلى أنفسهم فى الطب والهندسة والأدب والفلسفة، فى سرقة حضارية هى الأكبر تاريخيا. وكانت تلك السرقة قد تغطت لزمن طويل بفقدان اللغة الهيروغليفية إلى أن فك شامبليون رموزها وظهرت الأصول المصرية القديمة التى تمت سرقتها.
وضمن أهم ملكات الدولة الحديثة وأهم ملكات مصر على مر العصور، تأتى حتشبسوت، وهى ملكة بناءة عظيمة، ملأت مصر بناء وتنمية ورخاء ومدت علاقات مصر إلى قلب وشرق إفريقيا، ويعتبر معبد الدير البحرى الخاص بها والذى بناه مهندسها العظيم »سنموت« تحفة معمارية، فضلا عما يحتويه من جداريات سردية تحكى قصة ولادتها من الإله آمون والتى وضعتها لتعزيز مكانتها على العرش، وقصة الرحلة التجارية لبلاد «بونت»، وهى شرق إفريقيا الحالى والصومال تحديدا.
وكانت هناك ملكات لهن أدوار مؤثرة فى إدارة البلاد مثل الملكة «تي» زوجة «أمونحتب الثالث» وهى ملكة ميتانية الأصل (مملكة ميتانى كانت تقع فى شمال العراق فى منطقة كردستان العراق الحالية، وشعبها على الأرجح هم الأكراد القدماء). وكانت تلك الملكة قد تم إهداؤها من بلدها الذى كان يدين بالولاء لمصر، إلى «أمونحتب الثالث» لتصبح زوجته المفضلة والمسيطرة خاصة فى أواخر عهده عندما كبر فى العمر. وتلك الملكة هى أم الملك «إخناتون» صاحب دعوة التوحيد الذى كان زوجا لملكة مهمة أخرى ساندته فى دعوة التوحيد هى الملكة نفرتيتى (اسمها يعني: الجميلة تخطر). ويعد تمثال رأسها المسلوب والمحفوظ فى برلين رمزا لجمال المرأة المصرية.
وكانت وراثة العرش أنثوية فى غالبية عصور الحضارة المصرية القديمة، وهو السبب الرئيسى لوجود زواج الأشقاء فى العائلات المالكة فى مصر القديمة رغم أنه كان محرما ويعد خطيئة كبرى تستحق الموت لدى الشعب المصرى الذى يتصدر الشعوب التى وضعت المحارم فى وقت مبكر عن كل ما عداه.
كما أن نظريات وأساطير الخلق عند المصريين القدماء ومجمعات الآلهة كانت تضم أكثر من إلهة رئيسية. ففى تاسوع هليوبوليس الذى يضم الإله الخالق رع، والآلهة التى أوجدها »شو« إله الهواء، و»تفنوت» إلهة الماء، و»جب» إله الأرض، و»نوت» إلهة السماء وأم النور، و»عوزير« الذى يكتب عادة «أوزوريس» إله الزرع والنماء وخصوبة الأرض وإله عالم الموتي، وزوجته الإلهية »عيزي« أو »إيست« أو »الست« التى تكتب عادة »إيزيس«. وكانت إلهة السحر والأمومة، ويعزى إليها قدرات خارقة تمثلت فى قيامها ببعث زوجها عوزير أو أوزوريس من الموت بعد أن قتله شقيقه إله الشر »ست« أو »سيتان«. وكان المصريون القدماء ينسبون فيضان نهر النيل بكل ما ينطوى عليه من خير وعطاء إلى دموع تلك الإلهة. وكان لديهم عيد يسمى عيد »النقطة« فى شهر بؤونة، حيث تنهمر دموع تلك الالهة حزنا على زوجها القتيل وهى تبحث عن جثمانه بعد أن أخفاه شقيقه القاتل، فتتحول تلك الدموع لفيضان هائل يحمل الخير لمصر كلها وفقا للأساطير المصرية القديمة.
وكانت عيزى أى إيزيس أو «الست» هى آخر إلهة مصرية ظلت معبودة حتى القرن الخامس بعد الميلاد فى بعض مناطق مصر وبلدان أخرى من بينها إيطاليا، ومنها أُخذت الإلهة العربية «العزي» على الأرجح. كما أن أى سيدة عظيمة فى مصر كان يطلق عليها لقب «الست» نسبة إلى تلك الإلهة. وتعد سيدة الغناء العربى أم كلثوم من أشهر من حصلن على ذلك اللقب العزيز الساكن فى ضمائر المصريين حتى لمن لا يدركون أصل التسمية.
وضمن هذا التاسوع هناك «هور» الذى يكتب عادة «حورس»، وهو إبن عوزير (أوزوريس) وعيزى (الست) وهو رب الانتقام والثأر ورمز الوراثة الشرعية للعرش. وضمن التاسوع أيضا، هناك إله الشر والظلام »ست« أو »سيتان« ويُرمز له عادة بلون الدم المكروه لدى المصريين القدماء وبحيوان يشبه الحمار. وكانت زوجته هى الإلهة «نفتيس» وهم أشقاء عوزير (أوزوريس) وعيزي. (إيزيس أو الست).
وهناك إلهة أخرى لا تقل أهمية عن آلهة هذا التاسوع هى «هاتور» التى تكتب عادة «حاتحور». وهى إلهة الجمال والموسيقى والحب والطرب وربة الجميزة إلهة الأشجار والزوجة الإلهية ل «هور». وهناك الإلهة «سخمت» زوجة الإله بتاح التى كانت تُصور على هيئة لبؤة ضارية، وهى إلهة الحرب.
وهناك أيضا «سيشات» إلهة الكتابة. وهناك الإلهة «ماعت» إلهة الحق والعدل، والإلهة «تاورت» التى اعتبرها المصريون القدماء «أم الكون الإلهية» وراعية النساء الحوامل، والإلهة «إبت» راعية المواليد (ماريو توسي،، كارلو ريو ردا، معجم آلهة مصر القديمة، الهيئة المصرية العامة للكتاب، سلسلة مصريات.. تاريخ-فن-حضارة، 3، القاهرة، 2008.)
وهناك عدد كبير من الإلهات فى مصر القديمة. وتقريبا كانت هناك إلهة مؤنثة كمقابل لكل إله مذكر. وهناك الإلهة «بعلات» الكنعانية التى تحمل نفس سمات الإلهة «هاتور» المصرية، وهى صورة منها فى بعض الأحيان. وقد عبدها بعض المصريين فى الدلتا. وهناك الإلهة «عشتار» فى بلاد الرافدين وسورية وهى ربة الحب والحرب والدمار وأم البشر، والتى عُبدت أيضا فى مناطق إقليمية محدودة فى شرق الدلتا، من خلال تبادل التأثير بين مصر وشعوب المنطقة.
باختصار كانت الأنثى لها مكانة عظمى بين البشر والآلهة فى مصر القديمة التى فاقت كل الحضارات القديمة فى موقفها الأكثر إنسانية من المساواة بين الرجل والمرأة، بالذات إذا قارناها بالحضارة الإغريقية التى كانت متخلفة للغاية بالمقارنة مع الحضارة المصرية القديمة فى هذا المجال. وكل هذا يجعل التردى الراهن فى النظر للمرأة والانحطاط الأخلاقى باستسهال إهانتها أو التحرش بها، غريبا على الميراث الحضارى المصري. وهو نموذج لتأثير الظروف الاقتصادية غير المواتية، والتأثير السلبى للمجتمعات المجاورة الأقل تحضرا على مجتمع أكثر تحضرا فى أوقات أزمته.
وبعيدا عن التاريخ القديم، حقق الرواد العظام فى أواخر القرن التاسع عشر والنصف الأول من القرن العشرين انتصارات كبرى لحقوق المرأة فى التعليم والعمل. وتعززت تلك الانتصارات بقوة بعد الانقلاب الثورى فى يوليو 1952 والذى تحول لثورة اجتماعية. فأصبحت هناك مساواة قانونية بين المرأة والرجل فى فرص ومجانية التعليم الذى صار مدخلا رئيسيا للحراك الاجتماعى فى دولة كانت تبنى القواعد الاقتصادية الصناعية والزراعية والخدمية لاستقلالها الوطنى خلال الخمسينيات والستينيات وحتى منتصف السبعينيات من القرن العشرين. وظلت الفوارق فى التعليم بين الجنسين مرتبطة بالتغيرات الثقافية والاجتماعية الأبطأ فى العادة من التغيرات السياسية التى حققت المساواة بين الجنسين قانونيا فى مجال التعليم.
وكانت قدرة سوق العمل على استيعاب خريجى النظام التعليمى من رجال ونساء فى تلك الفترة، تشكل حافزا هائلا لتعليم الفتيات باعتبار أن التعليم والوظائف المميزة المرتبطة به، بمنزلة سلاح لتحسين فرصهن فى الحياة سواء بالنسبة لمستوى المعيشة أو فرص الزواج والاستقلالية والتكافؤ مع الرجل فى الحياة الزوجية القائمة على دخل الزوجين.
ومع تباطؤ النمو الاقتصادى وتراجع فورة بناء المشروعات العامة الجديدة منذ منتصف سبعينيات القرن العشرين، بدأ تكديس خريجى النظام التعليمى فى الجهاز الحكومى والجهاز الإنتاجى القائم كبطالة مقنعة. وبدأ تعيين الخريجيين يتأخر عدة أعوام. وبدأ التزاحم يتزايد على فرص العمل القائمة. وعادت دعاوى عودة المرأة للمنزل. وتبنتها بصفة خاصة المجموعات السياسية ذات المرجعية الدينية المتطرفة. وكان الرئيس الأسبق أنور السادات قد فُتح مجال النشاط لتلك القوى على أوسع نطاق لمواجهة قوى اليسار من ماركسيين وناصريين. وبدأت أيضا أفكار من قبيل عدم أهمية تعليم المرأة تنتشر بالذات لدى الفقراء ومحدودى الدخل خاصة. وفاقم من ذلك أن مجانية التعليم تراجعت. كما أن التعليم لم يعد مرتبطا بالتوظف الفوري، بعد تأخر التعيين الحكومى ثم توقفه. كما أن أجور غير المتعلمين والمتعلمات ممن يعملون فى الزراعة أو الخدمات المنزلية، أصبحت تفوق كثيرا، أجور العاملين فى الجهاز الحكومى من خريجى النظام التعليمي. ثم أوقفت الدولة التزامها بتعيين الخريجيين عام 1984.
ومنذ منتصف السبعينيات من القرن العشرين، تم فتح باب السفر الفردى للعاملين المصريين للعمل فى بلدان الخليج فى ظل نظام الكفيل الأقرب للعبودية المؤقتة. وسهل نظام الكفيل، فرض المنظومة القيمية لتلك البلدان على العاملين لديهم. وتم تفضيل التعاقد مع من يتبنون تلك المنظومة، وبالذات من أنصار المجموعات الدينية المحافظة أو المتشددة. وأدى ذلك إلى قيام أعداد من العاملين المصريين من مختلف المستويات التعليمية والمهارية ممن عملوا وأقاموا فى منطقة الخليج المحافظة ظاهريا بنقل النموذج الاجتماعى الموجود فيها إلى مصر. وهو نموذج مرتبط بالثقافة القبلية المغلقة فى النظر إلى المرأة، وهو ما يختلف عن الميراث الحضارى التاريخى الهائل لمصر فى هذا الصدد على مر العصور منذ الدولة المصرية القديمة. وقد شكل ذلك مؤثرا شديد السلبية على منظومة القيم الاجتماعية والثقافية المصرية التنويرية العظيمة، وأسهم مع عوامل داخلية فى وأد حركة التنوير فى مصر وإعادتها للوراء قرنا من الزمان على الأقل.
وقد فاقم من هذا التأثير أن خروج الرجل للعمل فى الخارج واستغناءه عن الدخل المتحقق من عمل النساء فى أسرته داخل مصر، قد أدى إلى تهميش الدور الاقتصادى للمرأة وضاعف من عوامل تهميشها اجتماعياً أيضاً.
وبالتزامن مع ذلك شهدت مصر تحولات سياسية وأيديولوجية أثرت سلبيا على وضع المرأة. فقد تحولت مصر من النظام الناصرى الذى حقق درجة عالية من المساواة بين المرأة والرجل فى التعليم والعمل والرعاية الصحية والأجر، إلى نظام الاقتصاد الحر دونما ليبرالية سياسية حقيقية، بل تم استنهاض قيم ظلامية ومتخلفة ثقافياً واجتماعياً يسهل معها حكم الشعب وتقييد حرياته فى الفعل، وقمع وجهات النظر التنويرية والتحررية الحقيقية والتقدمية، وتسهيل مواجهة بقايا النظام الناصري، فكانت النتيجة نظاماً يفتقد الاتساق من جهة، وأكثر تخلفاً من جهة أخري.
ومع ثورة الشعب العظيمة فى 25 يناير 2011، وموجتها الثاتية الهائلة فى 30 يونيو 2013، والدور الهائل للمرأة فى الثورتين، وفى إقرار الدستور المنصف لها إلى حد كبير، أصبحت استعادة عصر التنوير والمساواة الحقيقية بين المرأة والرجل فى كل مناحى الحياة واجبا حقيقيا على كل المؤمنين بمستقبل مصرنا العظيمة كوطن لكل أبنائها دون أى تمييز نوعى او عرقى او دينى او طائفي، لتتجلى على وجه الدنيا شمسا للحق والعدالة والتنوير والمساواة.
نقلا عن " الاهرام" المصرية


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.