* المخطط الإسرائيلى والغربى لتفجير النوبة قبَّلياً وعرقياً ، قديم ، واليوم مع بدء استقلال القرار الوطنى المصرى .. يتم إشعاله ! . * مراكز الأبحاث وبعض منظمات حقوق الإنسان الأجنبية والمصرية الممولة عربياً لعبت دوراً فى زرع الفتن ، وأغلبها واجهة لأجهزة مخابرات غربية !! * بعض المرتزقة من المصريين فى الخارج دفعوا الإدارة الأمريكية لعقد جلسات الكونجرس الأمريكى لاستغلال مطالب أهل النوبة . كانت تحفر فى النوبة السمحة وتبذر (الخلاف) لحين استعماله وقت الحاجة .. وها هم قد بدأوا !! * لقد فرض بعض المرتزقة من المصريين فى الخارج شعار (حق العودة) لأهل النوبة فى تشبيه للدولة المصرية بالإسرائيلين الذين اغتصبوا ارض فلسطين فطالبهم الفلسطينيون بحق العودةرغم أن للنوبيين حقوقاً فعلية لكن يسئ إليها جداً استخدام هذا الشعار * بداية مواجهة الأزمة هى بالمعرفة الصحيحة باهل النوبة وبمطالب شعبها العادلة وبإقامة دولة القانون وفرضها على الجميع . * هذه هى قصة (النوبة) الإنسان والوطن من المبتدأ إلى المنتهى !! دراسة بقلم د. رفعت سيد أحمد * فجأة تحولت أرض (العطر والذهب) ، الاسم المختصر لكلمة (النوبة) إلى أرض الدم والحرائق ، والكراهية المتبادلة . * فجأة يتقاتل الأخوة من أبناء (بنى هلال) ضد أبناء (الدابودية) أبناء قبائل (الكنوز) ضد أبناء (فادتجا) ولأسباب تافهة ، سرعان ما تتحول إلى فتن عميقة لا يصلح لإطفائها زيارة رئيس وزراء أو إقالة محافظ أو وزير داخلية ، لقد نجح المخطط الغربى / الإسرائيلى فى زرع الفتنة وإشعالها مع بيئة فقيرة غابت عنها الدولة وأضحت مهيئة للاشتعال ، لقد عملوا لسنوات طوال عبر مراكز حقوق الإنسان الممولة من هولندا ، وبلجيكا والكونجرس الأمريكى ، الذى عقد من قبل جلسات خاصة تحت الشعار الإسرائيلى (حق العودة) لأهل النوبة ، وتم ذلك عبر مرتزقة (مصريين ونوبيين للأسف يعيشون خارج مصر) لقد رفعوا راية (حق العودة) تماماً مثل تلك الراية التى رفعهاالفلسطينيون ضد الصهاينة منذ عام (1948)، فى قياس وتشبيه غير حقيقى وغير منصف شبهوا للدولة وللنظام الناصرى بالإسرائيليين وما أشده من (عار) حين يرفع نفس الشعار دون حتى تغيير فى الكلمات والمحتوى رغم أن أهل النوبة أبرياء مما جرى ومن التجارة بأحلامهم !!. إن أهل النوبة منذ التهجير الاضطرارى (عام 1963) حقوقاً لاشك فيها ولكنها حتماً ليست حقوقاً شبيهة أبداً بادعاءات (الصهاينة) فى أرض فلسطين ، فلماذا استعمال الشعار والاستمرار فيه دون تغيير ، شعار (حق العودة لبلاد الأجداد) . لماذا ؟ وهل من صلة بين ما جرى من تفجير للأوضاع والصراعات القبلية المكبوتة وبين هذا الشعار الذى وجه بالاساس ضدالإسرائيلى فقط ؟! شعار (حق العودة) ، رغم أن للنوبيين حقوقاً كان من الممكن التعبير عنها بلغة الوطن الواحد ولغة المحبة المشهور بها أهل النوبة ؟ . * إن تفجير الأوضاع القبلية فى النوبة ، له أسبابه الداخلية حتماً ، ولكنه بالتأكيد له أسبابه التآمرية الخارجية وبخاصة الإسرائيلية (عبر شبكة مراكز الأبحاث والحقوق المصرية والدولية) التى تعمل منذ الثمانينات بتنسيق كامل مع إدارات أجهزة مخابرات غربية وإسرائيلية والتى أرادت تعطيل خارطة المستقبل لمصر – ما بعد 30/6/2013 - بتفجير الأوضاع الطائفية والعرقية ولكنها حتماً لن تنجح ، أما كيف نبطلها فذلك يكون بالمعرفة ، وبتطبيق دولة القانون ، والمعرفة تكون بالسؤال : ماذا تعرف نخبة (القاهرة) ونخبة مرتزقة أمريكا أوروبا من دعاة حقوق النوبيين عن قصة (النوبة) وأهلها الطيبين الذين هم أكثر أصالة ومصرية منهم جميعاً ؟ ماذا تعرفون عن أرض العطر والذهب ؟ . فى دراستنا هذه نحاول أن نبحث فى التاريخ والواقع فى العادات والتقاليد ، فى الطقوس والأمانى ، نحاول أن نقترب أكثر من أهل النوبة ، لنعرفهم وإذا ما عرفناهم أمكننا أن نستوعب آلامهم وأحلاهم بدلاً من تجارة بعض (المرتزقة) بها !! سأحاول فى هذه الدراسة ومن خلال كتابات صديقى الراحل الجميل / إبراهيم فهمى ، الكاتب النوبى الأصيل وعبر كتابه الأهم (النوبة أرض العطر والذهب) الصادر عن مركز يافا للدراسات والأبحاث بالقاهرة فى التسعينات من القرن الماضى، أن أغوص معه فى المعرفة ، المعرفة القائمة على المحبة ، لا الكراهية ، القائمة على الحق لا التجارة به كما يفعل بعض المرتزقة من المصريين فى الكونجرس الأمريكى أو مع منظمات حقوق الإنسان الغربية . تعالوا نعرف قليلاً ، حتى نتعامل بوعى مع الأزمة الراهنة . *** النوبة قبل الإسلام وبعده تحدثنا الحقائق والتاريخ أن النوبة جزء خصب وعريق من تاريخ مصر بل وأفريقيا كلها ، وكما يقول المؤرخ الإغريقى تيودور الصقلى : " إن النوبيين هم أول السلالات البشرية على الأرض وأن غالبية العادات والتقاليد المصرية القديمة تعتبر من مخلفات هؤلاء النوبيين " ، وكما يقول آركل : " إن الإغريق كانوا يسمون النوبيين بالأثيوبيين وتقاليد المصريين وعاداتهم تدل على أن أجدادهم قدموا من بلاد النوبة من " بونت " أو بلاد الآلهة وقد استطاع النوبيون التحكم فى مصر فترة من فترات ضعفها وأن أول من سيطر على مصر العليا هو " حر " الذى قدم من النوبة بحجة قمع اضطرابات داخلية فى طيبة " ومن أهم ملوك " كوش " النوبيين الذين حكموا مصر (طهراقة) الذى توج فى طيبة ملكاً على مصر وكوش عام 689ق.م ، وأن الفراعنة ليسوا إلا سلالة تلك الجماعات الكوشية المهاجرة إلى الشمال (انظر كتاب لسلى جرينر : السد العالى فوق النوبة – ترجمة حسين الحوت – الدار القومية بالقاهرة – وأقدم ذكر لبلاد النوبة فى الآثار المصرية يرجع تاريخه إلى أيام الأسرة الرابعة) فقد جاء فيها : "آن سنفرو أحد ملوك الأسرة غزا النوبة وعاد منها بسبعة آلاف أسير ومئتى ألف رأس من الماشية وأنه استخدم الأسرى فى تعدين النحاس فى سيناء وقد اتخذ النوبيون اللغة الهيروغليفية لغة رسمية يكتبون بها ويسجلون الأحداث وبجانب هذه اللغة كانت لهم لغتهم الخاصة التى يستعملونها فى أحاديثهم العادية . وفى أيام الأسرة السادسة امتدت حدود مصر إلى " الجندل الثانى " وفى عهد الأسرة الثانية عشرة عادت العلاقات بين مصر والنوبة إلى كامل إزدهارها ومن ذلك الحين اهتم ملوك الدولة الوسطى بإقامة القلاع والحصون على الطريق بين أسوان وكرمة لتأمين الطريق وحماية سبل الاتصال بين البلدين وكانت كرمة مقر الحاكم العام للنوبة فى عهد هذه الدولة.حوالى عام 1730ق.م أغار الهكسوس على مصر واستولوا عليها وانتزعوا السلطة من أبنائها،فهاجر كثير من المصريين إلى بلاد النوبة فراراً من الظلم وأنشأوا عدة مهاجر . *** الإسلام فى النوبة وبقفز على التاريخ الممتد فى فترة الفراعنة وما قبل الميلاد وبعد حكم الإغريق خضع النوبيون لنفوذ الرومان منذ عام29 ق.م وأرسل الإمبراطور الرومانى "أوغسطس" جنوده وقائده بتروبنوس الذى سار حتى "نباتا " وترك حامية عند "إبريم" وظلت "المحرقة" آخر حدود مصر الجنوبية فى عهد الرومان ثم أعاد الإمبراطور "ديوفليد تسيان" حدود مصر حتى أسوان وقوى حامية الفنتين وظلت مملكة "مروى" تحكم أثيوبيا إلى أن سقطت سنة 350م فى يد الملك " أكسوم " الذى جاء من الحبشة . لاقى المسيحيون فى أول عهدهم اضطهاداً من الرومان ففروا إلى النوبة واستخدمت الحروف القبطية من العصر المسيحى فى كتابة اللغة النوبية ، وفى القرن السادس أرسلت الإمبراطورة "ثيودا" أحد القساوسة ، المسمى " جوليان " إلى بلاد النوبة فنجح هو وخليفته لونجنيوس فى مهمة نشر المسيحية وصارت منذ ذلك الحين الدين الرسمى للنوبة . وبدخول الإسلام ، خضعت البلاد لنفوذ المسلمين ، فبطلت كتابة اللغة القبطية والنوبية نهائياً، وزالت المسيحية بعد أن ظلت مسيطرة أكثر من سبعة قرون عندما تغلب الفونج على مملكة الحبشة بعد صراعهم مع العباسيين ثم نزحوا إلى السودان الشمالى ، وتمتد صلات العروبة بالنوبة إلى عصور سحيقة فى القدم ، ففى عصر الرومان عبر تجار العرب بوغاز المندب فى سعيهم للحصول على الذهب والعاج ثم جاء الإسلام ليمد راياته المؤمنة شرقاً وغرباً وخفقت الأعلام المسلمة فى سماء مصر عام 640م ، وأرسل عمرو بن العاص الحملات والكتائب إلى بلاد النوبة ولكنها ظلت منيعة على فرسانه ، لذلك عقد القائد العربى " عبدالله بن أبى سرج" والى مصر فى عهد عمرو بن العاص معاهدة يقدم العرب بمقتضاها القمح والخيل والثياب ويقدم النوبيون القوة العاملة فى الفتيان الأقوياء والنساء . وفى عهد السلطان " قلاوون " سقطت " دنقلة " وزالت المسيحية تدريجياً من النوبة وقد تمت هجرات عربية متتالية على مدى التاريخ إلى النوبة حتى صار هو الدم الغالب على المنطقة ولاسيما بعد دخول الإسلام . *** معنى كلمة النوبة والبعد القبلى لها !! يقول إبراهيم فهمى فى كتابه القيم (النوبة أرض العطر والذهب) أن كلمة النوبة لازالت موضع اختلاف العلماء ومازال تاريخها ونشأة لغتها موضع اختلاف أيضاً، وكان أول من أطلق اسم النوبة على هذه البلاد هم المصريون القدماء ، فالأصل المصرى القديم للكلمة مشتق من لفظة (نوب أو نوبو) بمعنى (الذهب) ، والمقصود بها (بلاد الذهب) ، إذ إن النوبة كانت منجماً قديماً لهذا المعدن الثمين . كما أكدت الدراسات الأنثروبولوجية انتماء الإنسان النوبى بفصائله (الكنوز – الفاتدجا) إلى سلالة واحدة هى السلالة القوقازية وأن الهجرات المتتالية التى تعرض لها سكان بلاد النوبة على مر العصور لم تقض نهائياً على الخصائص الفيزيقية لسكان النوبة الأصليين والتأثير فيها تأثير كبير وقد حدثت حالات من التزاوج بين نساء النوبة والمهاجرين إليها وأسهمت عزلة البيئة النوبية ورسوخ عاداتها وتقاليدها فى احتواء هذه العناصر الواردة دونما هدم ثقافته ولغته وخصوصيته فالمجتمع أمومى بطبيعته – للأم دورها الرائد فى قيادة الأسرة وتنشئة الصغار على عادات الأجداد وتقاليدهم المتوارثة وليس تعدد القبائل واختلاف أصولها وكثرتها إلا نتيجة لهذه الهجرات وتداخلها مع البيئة الأصل وهذه ميزة رئيسية من مميزات المجتمع النوبى ، وهناك ميزة أخرى ألا وهى كثرة القبائل التى تكونت فى الأصل من أصول عربية، مثل " الأنصار - الكنوز " فى الشمال ، قبائل الكشاف (من أصل تركى) . فى الفادتجا ، كما نستطيع ذكر أسماء أخرى لبعض هذه القبائل (القائمقاب) وهو نسبة إلى رتبة عسكرية عند الترك – (المجراب) من أصل مجرى وهى الحاميات التى فرَّت إلى النوبة فى عهد محمد على ، (المرداب) فى الأصل مماليك لجئوا إلى النوبة فى عصر محمد على وهم ينتمون إلى مراد بك ، وتتركز هذه القبائل فى منطقة الفادتجا وهى التى كانت تقع جنوب منطقة الكنوز فى النوبة الأصلية (قبل مرحلة التهجير 1963) وهناك أيضاً القبائل التى تعود بأصولها إلى سكان النوبة الأصليين – قبل القبائل الوافدة إلى هذه المنطقة ويطلق عليهم (النوب) وعددهم صغير ويتخذون عدة أسماء مثل (سلوُ) و(جريشاب) و(أبو سكونى) وقد لوحظ انتشار هذه القبائل فى منطقتين هما (الكنوز – الفادتجا). هناك قبائل أخرى تتواجد فى كلتا المنطقتين (الكنوز – الفادتجا) تعرف باسم الفقيراب ومفردها " فقير " ويقال إنها تحريف لكلمة (فقيه) ولعل الفقيراب لا يجتمعون إلى السلف الواحد كالقبائل الأخرى ، لكنهم ينتمون إلى الأسلاف الذين كانوا من رجال الدين المنتشرين فى القرى وكانت مهمتهم تعليم الأهالى القراءة والكتابة وتعاليم الإسلام والقيام بالشعائر الدينية واختلطوا بالسكان وصاهروهم معتمدين فى مصادر معيشتهم على نصيب معين من نتاج الأرض الزراعية وما يقدمه لهم الأهالى من هدايا .ويتحد الفريقان (الكنوز – الفادتجا) فى عوامل الانتماء للمكان الواحد والشعور الواحد والتاريخ الواحد ، لكن من الصعوبة بمكان قيام روابط المصاهرة بين الفريقين لاعتزاز كل فريق بمكانته وعلو منزلته عن الآخر ، فيؤكد الكنوز أنهم ينحدرون من أصل " الأنصار " الذين ينتمون إلى الأسلاف العرب وهم الذين ناصروا الرسول عليه الصلاة والسلام فى دعوته ونشروا الإسلام فى الوجه القبلى وبلاد النوبة وقد اتضح أن غالبية القبائل الكنزية تنتمى إلى بطون قبائل ربيعة وجهينة فى حين يستند " الفادتجا " إلى السلطة السياسية التى يدعمها العامل الاقتصادى وقد كانت السلطة والحكم فى بعض قبائلهم ، وكان الكنوز العرب خاضعين لتلك السلطة ، فأسلاف القبائل (الكشاف) هم حكام البلاد والآخرون أتباع لهم ، فقد كانت الظروف الاقتصادية فى قرى النوبيين الأصلية أفضل بكثير عن ظروف الكنوز لاتساع الرقعة الزراعية فى تلك القرى التى أسهمت فى ارتفاع مستوى المعيشة . *** أسرار القبيلتين ويعكس استخدام تسميات الجماعتين فى اللغة النوبية عند إشارة أفراد إحدى الجماعتين إلى الأخرى اعتقاداً بأن كل جماعة فى علو وسمو مكانة عن الأخرى،فيعرف الكنوز "بالماتوكيين" ومعناها الوافدون من الشرق وهذا فى حد ذاته إشارة لاختلاطهم بالعنصر العربى. * وفى النوبة الجديدة بعد 1963 لم يؤد التقارب المكانى بين قرى كل جماعة إلى كسر حلقة التباعد بين الفريقين ، فمازالت المسافات قائمة وهى تتمثل بوضوح فى رفض مصاهرة كل فريق للآخر ، ومازال التساؤل مطروحاً .. هل بعد انتقال المجتمع النوبى إلى منطقة النوبة الجديدة وتمركزه وسط صعيد مصر ، تنكسر بين حلقاته هذه التجاويف القبلية من خلال حركة التطور التاريخى تحت أثر الظروف الثقافية والاقتصادية الجديدة ؟. إن الإجابة على هذا السؤال هى التى تفسر لنا ما جرى أخيراً فى أسوان بين القبلتين ، حيث ينتمى بنى هلال إلى (الكنوز) والدابودية إلى (الفادتجا) ، وفى معرفة سبل التعايش الصحيح وإبعاد المتآمرين من الخارج نستطيع أن نعيد الوحدة مجدداً بين أهل النوبة . *** اللغة الشفاهية والعادات التى سقطت كانت النوبة قبل تحويل مجرى النهر (مشروع السد العالى 1964) وهى الفترة الفاصلة بين ما يسمى النوبة الأصلية وهو الاسم المتعارف عليه عند أبناء النوبة وهو اسم عزيز بما يحمله من ذكرى وطن عزيز له تاريخه وأعرافه التى ترسخت على مر الزمن والتاريخ وموقعه الخاص المتميز (صحراء متسعة من الشرق والغرب حول شريط النهر الضيق) هذه الطبيعة الجغرافية للمكان ساعدت على ثبات هذه العادات والتقاليد وثبات اللغة التى مازال أهل النوبة يتداولونها مشافهة ، وهى تنقسم إلى فرعين ، حسب الأفرع الرئيسية لسكان النوبة (ملوك – فادتجا) والباحث الذى يستهويه البحث عن جذور هذه المجتمعات والشعوب وهويتها عليه أن يكون حذراً فى تناوله لها وهى على حالتها الأخيرة فى المنطقة الجديدة بعد التهجير كما كان يقول لنا صديقنا الراحل (إبراهيم فهمى) ، إذ إن هناك عادات كثيرة سقطت بسقوط المكان الأول ، روح هذه الحضارة وكيانها ، لأن فترة ما بعد التهجير أحدثت تغيراً نسبياً – على الأقل – بعد قرابة نصف قرن من الرحيل عن موطن الأجداد ، ويمكننا أن نطلق على المرحلة الأولى – مرحلة ما قبل التهجير – أو مرحلة الثبات ، أما المرحلة الثانية مرحلة ما بعد التهجير أو مرحلة التغير وكليهما أثر على وحدة العادات والتقاليد والأعراف لدى أهل النوبة. *** النيل : سر الأسرار لأهل النوبة اقترنت النوبة الأولى عبر مراحل تاريخها الطويل بالنيل الذى كان يتهادى فى سيره متعرجاً بين مجموعة من أوديتها وجبالها مخترقاً أرضها بطول تبلغ مسافته ثلاثمائة وعشرين كيلو متراً لكل ضفة من ضفتيه من " أدندان " فى الجنوب حتى خزان أسوان فى الشمال ، وفى هذه المنطقة عاش النوبيون حتى خزان أسوان فى الشمال ، فى هذه المنطقة المحدودة عاش النوبيون لأجيال طويلة يفصلهم عن غيرهم بُعد المسافة وحدها ، وكما يؤكد المؤرخون الثقاة فى تاريخ أسوان والنوبة فإن عامل العزلة والانعزال قد ساعد على احتفاظ النوبة والنوبيين بطابعهم وفنونهم وعاداتهم الخاصة التى بقيت تعيش على أرضها حتى مرحلة التهجير ، ومع كل تعلية من تعليات الخزان فى أعوام 1912 – 1913 كانت مساحات أكبر من أرض النوبة تنغمر بمياه التخزين وتنتهى مع كل تعلية منها مرحلة من مراحل الحضارة النوبية بتراثها الفنى الشعبى الأصيل ولقد كان للنوبة طراز فنى لكل فنونها الشعبية ، طراز واحد يجمعها ، يمثل خلاصة كل مراحل تطورها بين القديم والجديد من تاريخها الذى بقى لنا منه كثير من الآثار والمعابد التى أنقذت على شاطئيها ، وكما سبق أن ذكرنا أنه على الرغم من وجود هذا الطراز الواحد ، كانت النوبة تنقسم فيما بينها إلى منطقتين تضم عنصرين من السكان (الكنوز – الفادتجا) ، نشأت مع كل عنصر منهما مدرسة فنية متميزة ، ويرتبط كل عنصر سكانى ومدرسة فنية منها بقطعة محدودة من أرض الضفتين ، وبعدد محدود من القبائل التى تعيش فوق تلك الأرض ، تتجمع أسرها فى بيوت تكون نجوعها المتناثرة فى قراها على الصخور أو فى الوديان أو السهول ، عاش بعضهم وهم الغالبية العظمى فى مناطق مقفرة للغاية بالغة القسوة لا يعد عدد النخيل فيها على أصابع اليد ، وغابت عنها الدولة حتى يومنا هذا (2014) ، وفى السنوات البعيدة وازداد الفقر وبعد أن أغرقت مياه النهر - بعد تعلية الخزان – الكثير من أراضيها الخصبة المزروعة بالنخل ، عدا مناطق قليلة لا تكاد تذكر ، وكان يعيش البعض الآخر من سكان النوبة فى مناطق أقل قسوة ، إذ بقى لهم بها شريط ضيق من الأرض كان يحتمل الزرعة بعض الوقت من كل عام ، وكان يعيش البعض الآخر وهم قلة فى مناطق كانت وظلت حتى آخر لحظة من عمر النوبة قبل التهجير أحسن حظاً ، إذ لم تصبها بحكم موقعها أية خسائر كبيرة فى الأرض أو النخل . وكانت كلما زادت قسوة الظروف والحياة فى منطقة من مناطق النوبة القديمة ، زاد عدد المهاجرين من رجالها إلى الشمال بحثاً عن الرزق ويزداد بالتالى تواجد النساء والأطفال والشيوخ وحدهم فى كثير من القرى والنجوع ينتظرون تلك الموارد القليلة التى كان يبعث لهم بها ذووهم وتنقلها لهم بواخر " البوستة " السودانية ، أهم وسائل المواصلات فى النوبة آنذاك والتى تم استبدالها الآن بالقطار ووسائل المواصلات الحديثة . ومع كل هذه الأحداث والظروف استمرت الحياة فى النوبة الأولى وتحولت مرة أخرى فيما بين عامى 1933 وبداية التهجير فى عام 1963 إلى منطقة حضارية أخرى وهى المنطقة الواقعة حول مدينة " كوم أمبو " شمال مدينة أسوان بحوالى 45 كيلو مترا . لتدخل النوبة بعدها مرحلة جديدة من تطورها السياسى والاجتماعى !! . (وللحديث بقية) نقلا عن صحيفة " التحرير " المصرية