القاعدة العسكرية الأمريكية في لبنان جورج علم عندما احتدمت المعارك في مخيم نهر البارد بين الجيش اللبناني وتنظيم فتح الإسلام، تغير نسبيا الاعتقاد الذي كان سائدا في بعض الأوساط من أن سوريا هي الدولة الوحيدة التي سهلت وصول عناصره إلي لبنان ومكنته من أن يكون فاعلا وقويا، وعندما أصيب الجيش ببعض الوهن نتيجة افتقاره إلي الذخيرة والسلاح الميداني شعرت سوريا بتعاظم الخطر خصوصا إذا ما تمكن هذا التنظيم من أن يعلن امارته من شمال لبنان، لذلك سارعت دمشق إلي اقامة جسر جوي وبري مع مطار القليعات شمال مدينة طرابلس حيث راحت تمد الجيش اللبناني بالذخيرة والسلاح وقطع الغيار والوقود. وجاءت هذه المعونة العسكرية بعد اتصال أجراه الرئيس السوري الدكتور بشار الأسد بقائد الجيش العماد ميشال سليمان حيث أثني علي قيادته الحكيمة، وبقي هذا الاتصال يومها بعيدا عن التداول الاعلامي الي أن جاء اليوم الذي باح به قائد الجيش، فاصفرت وجوه واحمرت أخري، وأبدي عدد من المسؤولين في حكومة الرئيس فؤاد السنيورة الدهشة والاستغراب وشاركهم في ذلك أيضا فريق من نواب الموالاة انطلاقا من تساؤلات عدة، وعلي خلفية كيف أن مثل هذا الاتصال يتم بصورة مفاجئة ومن دون الحاجة إلي وسيط، ومع قائد الجيش مباشرة، وأن يبقي سريا، ومن دون اطلاع أحد علي حقيقة ما دار خلاله؟! في هذا الوقت كانت سفارة الولاياتالمتحدة في عوكر تراقب الوضع عن كثب، ولم تكن مرتاحة لسير الأمور لا لجهة الاتصال الهاتفي، ولا لجهة المساعدات العسكرية السورية للجيش، ومع ذلك لاذت بالصمت إلي حين، لأن المعارك كانت لاتزال طاحنة والتحدي كبيراً، والمساعدات الموعودة للجيش لم تصل من واشنطن ولا من أي عاصمة أخري وعدت بتقديمها، وإن الجسر الجوي المؤقت والذي اقامته القوات الأمريكية المنتشرة في عدد من دول المنطقة مع مطار بيروت لشحن كميات من الذخائر وقطع الغيار وبعض الأسلحة الخفيفة للجيش لم تكن بكافية، لذلك تأجلت المساءلة إلي ظروف مؤاتية. وعندما حطت المعارك أوزارها، وحسم الجيش المعركة، وفر آخر عنصر من تنظيم فتح الإسلام خارج المخيم، بدأ الكلام السياسي، وراحت الادارة الأمريكية من خلال سفارتها الناشطة في بيروت تتحري عن حقيقة الاتصال الذي تم ما بين الرئيس السوري وقائد الجيش، وما هي المواضيع التي تم التطرق إليها؟ وهل هي سياسية أم بقيت في الاطار البروتوكولي العام؟! كما شملت هذه الاستفهامات أيضا نوعية المساعدات العسكرية السورية للجيش؟ ومن أي نوع؟ وبأي فاعلية؟ وهل تحول مطار القليعات العسكري في الشمال إلي قاعد عسكرية سورية مؤقتة؟! لم تكن الأجوبة سهلة، ذلك أن الجيش لم يكن مخولا بأي رد علي هذه الاستفسارات وغيرها، كما أن العماد سليمان كان يتصرف بقدر كبير من السرية والانضباط، والشيء الوحيد الذي باح به في احدي المناسبات اقتصر علي تأكيده بأن التحقيقات التي أجريت مع عناصر فتح الإسلام لم تؤكد بأن هذا التنظيم علي علاقة بالمخابرات السورية؟!. وأدي هذا الاعتراف الي ردود فعل، فانتقدته حكومة الرئيس السنيورة، فيما تولت بعض الأجهزة دحضه من خلال تسريب معلومات ووقائع للتأكيد علي علاقة سوريا المباشرة بهذا التنظيم ووقوفها وراء ما جري في مخيم نهر البارد، في حين تولت قوي 14 مارس آذار القيام بحملات اعلامية مضادة للتأكيد بأن التحقيقات القضائية التي أجريت مع العناصر التي أعتقلت قد أكدت علي ضلوع سوريا وأجهزة مخابراتها، وأن العماد سليمان لم يطلع علي هذه التفاصيل؟!. ولم تكن السفارة الأمريكية مرتاحة بدورها من مواقف قائد الجيش من سوريا، وأبدت الخشية من أن يكون وراء مثل هذا التصرف خلفيات سياسية كأن تدخل دمشق علي خط الاستحقاق الرئاسي من خلال الجيش وعلي خلفية ما جري في مخيم نهر البارد، وأن يكون فارس الشوط العماد سليمان كونه الوسطي بين المرشحين المتنافسين لمنصب الرئاسة، والوطني الذي تمكن من أن يصون المؤسسة العسكرية ويحمي وحدتها في الكثير من المحطات الصعبة والساخنة التي شهدتها العاصمة اللبنانية سواء عند اغتيال الرئيس رفيق الحريري، أو عند انطلاق التظاهرات المليونية من طرفي الموالاة والمعارضة، إلي العديد من المحطات الأخري. إلا أن السبب الرئيسي والمباشر لهذا الحنق الأمريكي علي العماد سليمان، يعود إلي مسألتين جوهريتين، منع هبوط الطائرات العسكرية الأمريكية الضخمة التي كانت تقل الذخائر وبعض الأسلحة للجيش في مطار القليعات العسكري، في حين أن المساعدات العسكرية السورية كان مسموحا لها بالوصول إلي هذا المطار، والثاني ان قيادة الأركان الأمريكية في المنطقة كانت تفكر جديا باستحداث قاعدة عسكرية أمريكية جوية وبحرية في شمال لبنان مستخدمة بذلك مطار القليعات وميناء العبدة بعد تطويرهما وذلك ردا علي محاولات روسية - سورية تقضي بقيام قاعدة عسكرية روسية في الساحل السوري ما بين منطقتي طرطوس - اللاذقية؟! وكانت بعض وسائل الاعلام اللبنانية قد تحدثت باسهاب عن القاعدة العسكرية الأمريكية التي تزعم ادارة الرئيس جورج بوش قيامها في شمال لبنان بالتنسيق والتعاون مع رئيس الحكومة فؤاد السنيورة، إلا أن السفير الأمريكي في بيروت جيفري فيلتمان قد هاله نشر مثل هذه المعلومات، وشن حملة اعلامية عنيفة تدحض ما جري نشره علي هذا الصعيد، وتنفي وجود أي أثر لها، وتهاجم وسائل الاعلام التي تولت نشرها. ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد، بل راح السفير فيلتمان يجوب علي حلفاء أمريكا الجدد من بعض قيادات قوي 14 مارس آذار ، محرضا إياهم علي الادلاء بمواقف وتصريحات تعترض علي المحاولات الرامية الي تعديل الدستور، للحؤول دون تمكين العماد سليمان من ترشيح نفسه للرئاسة الأولي كونه موظف فئة أولي ولا يحق له الترشح إلي هذا المنصب الرفيع إلا إذا استقال من منصبه الحالي قبل ستة أشهر، أو تم تعديل الدستور من قبل مجلس النواب اللبناني وبأكثرية ثلثي الأعضاء. وشاءت الصدف أن يلبي قائد الجيش دعوة رسمية تلقاها من رئاسة هيئة الأركان المصرية للبحث في كيفية مد يد العون للجيش، اللبناني وشاءت الصدف أيضا أن يستقبل الرئيس حسني مبارك العماد سليمان، وأن توزع صورة كبيرة لهذا اللقاء في صدر الصفحات الأولي للصحف اللبنانية، وسرت إثر ذلك تعليقات وتحليلات مفادها أن كلمة السر الأمريكية - الدولية - العربية بشأن الاستحقاق الرئاسي قد سربت إلي الرئيس حسني مبارك، رئيس أكبر دولة عربية، وان العماد سليمان هو الشخصية اللبنانية التي وقع عليها الاختيار لرئاسة الجمهورية، وان الرئيس مبارك من خلال دعوته العماد سليمان لزيارة مصر في هذا الوقت بالذات، واستقباله له بحفاوة لافتة، إنما أراد أن يسوق كلمة السر هذه لبنانيا وعربيا ودوليا. أمام هذا التطور ثارت ثائرة الأمريكيين الجدد في قوي 14 مارس آذار في بيروت، وراحت تنهال منهم التصريحات المناوئة المعارضة ضد هذا الخيار والتوجه، واضطرت الادارة الأمريكية إلي القول بأنها لم ترفض تعديل الدستور في العام 2004 للحؤول دون تمديد الولاية للرئيس اميل لحود وقتذاك، لتعود فتقبل بالتعديل في العام 2007 لانتخاب قائد الجيش، وإذا كانت واشنطن قد وقفت وراء صدور القرار 1559 في الأول من سبتمر ايلول 2004 عن مجلس الأمن الدولي للتأكيد علي انتخاب رئيس للجمهورية وتعطيل عملية تعديل الدستور والتمديد للرئيس لحود، فإنها لن تقبل في ال2007، من تجاوز هذا القرار أيضا بالتعديل لانتخاب قائد الجيش؟! ويتضح من خلال هذه المعركة الشرسة التي تخوضها الادارة الأمريكية ضد وصول العماد سليمان إلي رئاسة الجمهورية ثلاثة أسباب وطنية، الأول: رفض قيادة الجيش اللبناني تغيير عقيدة الجيش بحيث تصبح اسرائيل جارا مسالما للبنان، وسوريا هي العدو، أو التعامل مع اسرائيل علي قدم المساواة مع سوريا. أما السبب الثاني فهو رفض الجيش اللبناني أي توجه رسمي يرمي إلي قيام قواعد عسكرية في لبنان لغير الجيش اللبناني سواء أكانت هذه القواعد لجيوش دول شقيقة أم صديقة، فكيف الحال إذا كانت أمريكية وغالبية الشعب اللبناني تكن مشاعر العداء للولايات المتحدة حليفة اسرائيل في اعتداءاتها علي لبنان؟! أما ثالث هذه الأسباب فإن الجيش اللبناني يرفض التوجهات الأمريكية الرامية إلي احداث فراغ في لبنان علي مستوي رئاسة الجمهورية، أو انتخاب رئيس عن طريق تحدي المعارضة يكون من قبل فريق الموالاة، وينتخب بالنصف زائد واحد، علي أن يدعم الجيش هذا الرئيس ويقف إلي جانبه ويوجه فوهات بنادقه ضد المعارضة ليقمعها بالقوة، وتكون النتيجة في هذه الحال اندلاع حرب أهلية، وتعريض صفوف الجيش إلي التقسيم والانهيار بحيث يلتحق كل جندي بعشيرته وطائفته ومذهبه، عندها ينهار لبنان الوطن والدولة والمؤسسات وبصورة نهائية ومفعجة؟!.. وهذا ما تريده إسرائيل في أي حال؟!. عن صحيفة الراية القطرية 7/11/2007