«مستقبل وطن».. أمانة الشباب تناقش الملفات التنظيمية والحزبية مع قيادات المحافظات    تفاصيل حفل توزيع جوائز "صور القاهرة التي التقطها المصورون الأتراك" في السفارة التركية بالقاهرة    200 يوم.. قرار عاجل من التعليم لصرف مكافأة امتحانات صفوف النقل والشهادة الإعدادية 2025 (مستند)    سعر الذهب اليوم الإثنين 28 أبريل محليا وعالميا.. عيار 21 الآن بعد الانخفاض الأخير    فيتنام: زيارة رئيس الوزراء الياباني تفتح مرحلة جديدة في الشراكة الشاملة بين البلدين    محافظ الدقهلية في جولة ليلية:يتفقد مساكن الجلاء ويؤكد على الانتهاء من تشغيل المصاعد وتوصيل الغاز ومستوى النظافة    شارك صحافة من وإلى المواطن    رسميا بعد التحرك الجديد.. سعر الدولار اليوم مقابل الجنيه المصري اليوم الإثنين 28 أبريل 2025    لن نكشف تفاصيل ما فعلناه أو ما سنفعله، الجيش الأمريكي: ضرب 800 هدف حوثي منذ بدء العملية العسكرية    الإمارت ترحب بتوقيع إعلان المبادئ بين الكونغو الديمقراطية ورواندا    استشهاد 14 فلسطينيًا جراء قصف الاحتلال مقهى ومنزلًا وسط وجنوب قطاع غزة    رئيس الشاباك: إفادة نتنياهو المليئة بالمغالطات هدفها إخراج الأمور عن سياقها وتغيير الواقع    'الفجر' تنعى والد الزميلة يارا أحمد    خدم المدينة أكثر من الحكومة، مطالب بتدشين تمثال لمحمد صلاح في ليفربول    في أقل من 15 يومًا | "المتحدة للرياضة" تنجح في تنظيم افتتاح مبهر لبطولة أمم إفريقيا    وزير الرياضة وأبو ريدة يهنئان المنتخب الوطني تحت 20 عامًا بالفوز على جنوب أفريقيا    مواعيد أهم مباريات اليوم الإثنين 28- 4- 2025 في جميع البطولات والقنوات الناقلة    جوميز يرد على أنباء مفاوضات الأهلي: تركيزي بالكامل مع الفتح السعودي    «بدون إذن كولر».. إعلامي يكشف مفاجأة بشأن مشاركة أفشة أمام صن داونز    مأساة في كفر الشيخ| مريض نفسي يطعن والدته حتى الموت    اليوم| استكمال محاكمة نقيب المعلمين بتهمة تقاضي رشوة    بالصور| السيطرة على حريق مخلفات وحشائش بمحطة السكة الحديد بطنطا    بالصور.. السفير التركي يكرم الفائز بأجمل صورة لمعالم القاهرة بحضور 100 مصور تركي    بعد بلال سرور.. تامر حسين يعلن استقالته من جمعية المؤلفين والملحنين المصرية    حالة من الحساسية الزائدة والقلق.. حظ برج القوس اليوم 28 أبريل    امنح نفسك فرصة.. نصائح وحظ برج الدلو اليوم 28 أبريل    أول ظهور لبطل فيلم «الساحر» بعد اعتزاله منذ 2003.. تغير شكله تماما    حقيقة انتشار الجدري المائي بين تلاميذ المدارس.. مستشار الرئيس للصحة يكشف (فيديو)    نيابة أمن الدولة تخلي سبيل أحمد طنطاوي في قضيتي تحريض على التظاهر والإرهاب    إحالة أوراق متهم بقتل تاجر مسن بالشرقية إلى المفتي    إنقاذ طفلة من الغرق في مجرى مائي بالفيوم    إنفوجراف| أرقام استثنائية تزين مسيرة صلاح بعد لقب البريميرليج الثاني في ليفربول    رياضة ½ الليل| فوز فرعوني.. صلاح بطل.. صفقة للأهلي.. أزمة جديدة.. مرموش بالنهائي    دمار وهلع ونزوح كثيف ..قصف صهيونى عنيف على الضاحية الجنوبية لبيروت    نتنياهو يواصل عدوانه على غزة: إقامة دولة فلسطينية هي فكرة "عبثية"    أهم أخبار العالم والعرب حتى منتصف الليل.. غارات أمريكية تستهدف مديرية بصنعاء وأخرى بعمران.. استشهاد 9 فلسطينيين في قصف للاحتلال على خان يونس ومدينة غزة.. نتنياهو: 7 أكتوبر أعظم فشل استخباراتى فى تاريخ إسرائيل    29 مايو، موعد عرض فيلم ريستارت بجميع دور العرض داخل مصر وخارجها    الملحن مدين يشارك ليلى أحمد زاهر وهشام جمال فرحتهما بحفل زفافهما    خبير لإكسترا نيوز: صندوق النقد الدولى خفّض توقعاته لنمو الاقتصاد الأمريكى    «عبث فكري يهدد العقول».. سعاد صالح ترد على سعد الدين الهلالي بسبب المواريث (فيديو)    اليوم| جنايات الزقازيق تستكمل محاكمة المتهم بقتل شقيقه ونجليه بالشرقية    نائب «القومي للمرأة» تستعرض المحاور الاستراتيجية لتمكين المرأة المصرية 2023    محافظ القليوبية يبحث مع رئيس شركة جنوب الدلتا للكهرباء دعم وتطوير البنية التحتية    خطوات استخراج رقم جلوس الثانوية العامة 2025 من مواقع الوزارة بالتفصيل    البترول: 3 فئات لتكلفة توصيل الغاز الطبيعي للمنازل.. وإحداها تُدفَع كاملة    نجاح فريق طبي في استئصال طحال متضخم يزن 2 كجم من مريضة بمستشفى أسيوط العام    حقوق عين شمس تستضيف مؤتمر "صياغة العقود وآثارها على التحكيم" مايو المقبل    "بيت الزكاة والصدقات": وصول حملة دعم حفظة القرآن الكريم للقرى الأكثر احتياجًا بأسوان    علي جمعة: تعظيم النبي صلى الله عليه وسلم أمرٌ إلهي.. وما عظّمنا محمدًا إلا بأمر من الله    تكريم وقسم وكلمة الخريجين.. «طب بنها» تحتفل بتخريج الدفعة السابعة والثلاثين (صور)    صحة الدقهلية تناقش بروتوكول التحويل للحالات الطارئة بين مستشفيات المحافظة    الإفتاء تحسم الجدل حول مسألة سفر المرأة للحج بدون محرم    ماذا يحدث للجسم عند تناول تفاحة خضراء يوميًا؟    هيئة كبار العلماء السعودية: من حج بدون تصريح «آثم»    كارثة صحية أم توفير.. معايير إعادة استخدام زيت الطهي    سعر الحديد اليوم الأحد 27 -4-2025.. الطن ب40 ألف جنيه    خلال جلسة اليوم .. المحكمة التأديبية تقرر وقف طبيبة كفر الدوار عن العمل 6 أشهر وخصم نصف المرتب    البابا تواضروس يصلي قداس «أحد توما» في كنيسة أبو سيفين ببولندا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



اتفاق بيروت.. وعودة الروح للموالاة
نشر في محيط يوم 18 - 05 - 2008


وعودة الروح للموالاة

بداية أعجب من هذا الصراخ والعويل الذي يصدر عن فرقاء الموالاة، والأخطبوط الإعلامي الضخم الذي تملكه دول عربية يصنفها الأمريكان بالمعتدلة، حول ما جرى في الأيام الأخيرة في لبنان، والذي يفسرونه على أنه هجمة شرسة لإيران على أهل السنة والجماعة في لبنان (عن طريق حزب الله)، بهدف نشر المذهب الشيعي حتى شواطئ البحر المتوسط.


تحليل- موسى راغب

غير أن المتتبع للمراحل التي مرت بها العلاقة بين حكومة السنيورة منذ لحظة تشكيلها، وبين المقاومة اللبنانية ممثلة في حزب الله، يستطيع أن يخلص لنتيجة مؤداها: إن فريق الموالاة لم يأل جهداً من أجل إضعاف حزب الله بتجريده من سلاحه، وذلك بمطالبة الولايات المتحدة الأمريكية والهيئة الأممية والقوى العالمية الأخرى بالعمل على تفعيل القرار الدولي رقم 1559، والذي يقضي بتجريد المليشيات اللبنانية من سلاحها، وإخراج القوات الأجنبية من لبنان، ويعني بذلك القوات السورية التي انسحبت من لبنان بعد اغتيال المرحوم رفيق الحريري، والمنظمات الفلسطينية الموالية لسوريا التي ما زالت ترابط في بعض مناطق لبنان، وبخاصة في منطقة البقاع.
ولعل أخطر ما واجهته هذه العلاقات وقع أثناء شن إسرائيل لحرب تموز 2006 وبعدها. فمنذ انتهاء تلك الحرب لم تكف التصريحات الصادرة عن المقاومة التي تتهم أطرافاً بعينها من فريق الموالاة بمساعدة إسرائيل في تلك الحرب.
وفي المقابل، قابلت الموالاة هذه الاتهامات بتصريحات تشير إلى أن حزب الله قد تسبب في إصابة البنية التحتية للبنان بخسائر فادحة، إضافة لاستشهاد ما يزيد عن ألف وستمائة شهيداً راحوا ضحية قيام الحزب بعملية عسكرية على موقع إسرائيلي قتل فيها ثمانية جنود إسرائيليين وأسر اثنين آخرين. ويشيرون في هذا السياق، أن قرار الحرب هو من حق الدولة وأن حيازة السلاح لا ينبغي أن تخرج على نطاق الجيش اللبناني، فله وحده حق حيازة السلاح والدخول في حرب بناء على قرار تتخذه الدولة وحدها.
ولسنا هنا بمعرض البحث عن صحة تلك الاتهامات أو بطلانها، وإنما نريد التأكيد – حسب قناعتنا – على أن ما وقع في الايام الأخيرة في لبنان، كان ترجمة عملية للصراع القائم بين المشروع الأمريكي الذي يستهدف السيطرة على لبنان، واتخاذه مرتكزاً ينطلق منه لمهاجمة سوريا وإيران مثلما صرح بذلك الرئيس الأمريكي بوش، (وفي إطار خطط هذا المشروع الذي يستهدف إقامة شرق أوسط جديد تسيطر عليه واشنطن، وتفرض على دوله القبول بالاجندة الصهيوأمريكية لحل قضايا المنطقة ... وبين مشروع المقاومة الذي يتبناه ما تصفه أمريكا بمحور الشر في المنطقة، والذي يضم كلاً من سوريا وحزب الله وحركة حماس.
وكلنا يعلم أن حكومة السنيورة التزمت منذ اعتلائها سدة الحكم في لبنان وحتى الأزمة، بتصعيدٍ عدائي مبرمجٍ في تعاملها مع المعارضة حتى طالت قراراتها الأخيرة مقومات أمنها ووجودها. فقد طالبت تلك القرارات بفك منظومة الاتصال السلكي الخاصة بحزب الله، والمساءلة القانونية لكل من تورط في إقامتها، برغم أن استخدام تلك الشبكة يقتصر فقط على وحدات المقاومة، وليس لها أية علاقة بخدمات الاتصال المدنية والتجارية التي ترعاها مؤسسات الدولة المعنية كما ادعى النائب وليد جنبلاط أحد أقطاب الموالاة.

لكن هذه الخطوة التي اتخذتها حكومة السنيورة أخذت طابعاً استفزازيا، م دفع بالمعارضة لاتخاذ إجراءات سريعة ضد الخط التصعيدي المبرمج الذي تتبعه الموالاة في التعامل معها، والذي استشفت منه أن المطالبة بإزالة منظومة الاتصالات الخاصة بأمنها، يعني البداية العملية لإضعاف المقاومة وتعريضها للخطر. ذلك أن هذه المنظومة التي يقابلها في الجيوش النظامية ما يسمى بسلاح الإشاره، تعتبر من أهم أسلحة المقاومة، لأنها تمس بصورة مباشرة مهام القيادة والتحكم بالنسبة للعمليات العسكرية التي تخوضها ضد العدو.
وكان أن فاجأت المقاومة أقطاب الموالاة، بأن استولت بسرعة قياسية على مختلف أحياء بيروت الغربية، وإخلاء مراكز تيار االمستقبل من السلاح والعناصر المتمركزة فيها، وتسليمهم وسلاحهم ومقارهم للجيش اللبناني. كما قامت بقطع الشوارع والطرقات الرئيسة في العاصمة، وتلك المؤدية لمداخل مطار بيروت الدولي، وتمت جميع تلك العمليات دون إراقة دماء.
وحين طالب الجيش اللبناني الطرفين، بسحب العناصر المسلحة من أحياء بيروت وفتح طرقاتها وإعادة الوضع إلى ما كان عليه قبل صدور تلك القرارات، استجابت المقاومة لمطالب الجيش، باستثناء الإبقاء على العصيان المدني لحين تلبية حكومة السنيورة لمطالبها.
وقد بدا للمراقبين - إثر ذلك - أن الحكومة كانت في طريقها لإلغاء تلك القرارات رسمياً استجابة لمطالب المعارضة، لدرجة أن زعماءها أخذوا يتبادلون الاتهامات حول هروب البعض من المواجهة مع قوى المعارضة. وفي هذا الإطار، قام رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط، بتوكيل الأمير الدرزي المنافس بالاتصال بالمقاومة بهدف تهدئة الموقف في منطقة الجبل، وبخاصة بعد قيام مليشياته بإعدام اثنين من حزب الله بالرصاص والتمثيل بجثثهم. كما أوكل أرسلان بتسليم المقار الأمنية التابعة للحزب الاشتراكي ومخازن أسلحته المتوسطة والثقيلة للجيش اللبناني.
ومن جانبه، أعلن سعد الحريرى أنه لا توجد مليشيات تابعة لتيار المستقبل في أحياء بيروت كما تدعي المقاومة، محاولا - في خطاب ألقاه في اليوم التالي للأزمه - تهدئة الأوضاع ، حيث عرض عدة بنود لإنهائها قوبلت جميعها بالرفض من قبل المعارضة. كذلك ألقى رئيس الحكومة فؤاد السنيورة خطابا حاول فيه التأكيد على أن القرارات التي أثارت الأزمة لم تصدر بعد، وإنها أحيلت للجيش اللبناني ليقرر بشأنها ما يراه مناسبا.
لكن برغم أن المعاون السياسي لرئيس مجلس النواب اللبناني نبيه بري، فنَّد مزاعم السنيورة التي نفى فيها صدور تلك القرارات، وبرغم طلب الجيش من حكومة السنيورة إلغاءها وإعادة الوضع إلى ما كان عليه، وبرغم الإشاعات التي سادت الشارع اللبناني حول عزم الحكومة على التراجع عن تلك القرارات في اجتماع كان مقرراً أن يعقد قبل التئام اجتماع وزراء الخارجية العرب .. غير أن السنيورة وزملاءه في فريق الموالاة قد دبت فيهم الروح ثانية !!! بعد ما قيل عن اتصال القائمة بأعمال السفارة الأمريكية في بيروت بهم، وبعد طلب السفير السعودي من السنيورة بعدم الاستقالة، وبعد عودة المدمرة الأمريكية كول للشواطئ اللبنانية وإعلان الرئيس الأمريكي بوش بأن الهدف من عودتها، هو الحفاظ على أمن أقطاب الموالاة ودعم الجيش اللبناني.
وأول مظاهر عودة الروح هذه !!!، أعلان هؤلاء دون استثناء أن استقالة الحكومة غير واردة على الإطلاق، وإن استخدام المعارضة للسلاح في تحقيق مطالبها أمر مرفوض. كما بدأت المليشيات التابعة لتيار المستقبل في شمال لبنان بالاعتداء على المؤيدين للمقاومة، حيث راح ضحية تلك الاعتداءات من عناصر الحزب القومي السوري وحده، نحو أحد عشر عنصراً في ضربة واحدة.
كذلك يبدو أن جنبلاط نقض الشروط التي قبل الأمير طلال أرسلان بموجبها توكيله بالاتصال بحزب الله، لتهدئة الموقف في الجبل وأهمها، تسليم مخازن الأسلحة الثقيلة والمتوسطة التابعة للحزب الاشتراكي للجيش، كما أوعز لعناصر حزبه بالانتشار بأسلحتهم في الأحراش وعدم تسليمها للجيش. وقد أعطي أرسلان هذا التوكيل بعد اغتيال مليشيات جنبلاط لثلاثة من المعارضة وإعدام اثنين منهم بالرصاص والتمثيل بجثتيهما)
والواقع أن عودة الروح هذه !! لأقطاب الموالاة، تعود بالدرجة الأولى إلى الدعم المعنوي والسياسي الهائل الذي حظوا به من أمريكا ودول أوروبا، والدول العربية التي تصفها واشنطن وإسرائيل بقوى الاعتدال التي تؤيد المشروع الأمريكي في المنطقة. كما لاقوا دعماً معنويا وسياسيا قد يتطور – في وهمهم - لدعم عسكري فاعل من واشنطن، بعد أن عادت المدمرة كول للتمركز قبالة الساحل اللبناني، والتي أوضح بوش أن الهدف من عودتها، هو المحافظة على أمن اقطاب الموالاة، ومساعدة الجيش اللبناني في أداء مهامة.
وبرغم ذلك، فإن معظم المراقبين يجمعون على أن الخاسر في هذا النزاع ،هو المشروع الأمريكي الذي جعلت واشنطن من الموالاة قيِّماً على تنفيذه في لبنان. وإن الرابح الأكبر، هي المقاومة وحزب الله بزعامة أمينه العام سماحة حسن نصر الله، الذي أضاع جهوداً مخابراتيةَّ دوليةَّ وعربيةّ وإسرائيليةّ استمرت لمدة ثلاثة أعوام في في ليلة واحدة، على ما يقول رئيس الاستخبارات العسكرية السابق في إسرائيل زئيفي.
وحتى يتم تأمين هذا الإنجاز الكبير والقضاء على سلاح الفتنة الطائفية الذي يشهره الرافضون لمشروع المقاومة، تحضرني عبارتان وردتا في مقال نشره الصحفي الأمريكي "فرانكلين لامب" على موقع "كاونتر بانش" الإلكتروني" قال في أحدهما: "إن الخاسرين هم من في نادي حلفاء "ديفيد وولش والإدارة الأمريكية وإسرائيل، في حين أن الرابح الأكبر هو حزب الله ..."، وقال في الثانية: إن على حزب الله وحلفائه، أن يثبتوا نجاحهم فيما فشلت فيه الحكومة، بأن يبرهنوا على أنهم مهتمون بحق بإحلال الشراكة بين جميع فئات اللبنانيين وطوائفهم في الوطن، الأمر الذي سوف يسجل لهم التاريخ، بأنهم لم يقوموا بانقلاب عسكري، وإنما قاموا بثورة حققت الشراكة لكل اللبنانيين في وطنهم ...
وهنا يتضح أنه ليس في السياسة ما يستوجب – بالضرورة - استخدام العواطف والمبادئ الطوباوية في التعامل بين الأطراف المتنازعة أيا كانت مواقفها. فتقاطع المصالح والمعطيات الموضوعية على الأرض، هي التي تحدد أطر المواقف وتفرضها. وعليه، فإن الدعم الذي يتوقعه أقطاب الموالاة من أمريكا أو السعودية أو أي جهة أخرى، إنما يقوم على مدى ما يحققه هذا الدعم لصالح تلك الدول، وغير ذلك يعني – وبكل بساطة – إلغاءه.
من هذا المنظور، وبعد الأحداث الأخيرة التي وقعت، يبدو أن الموالاة بدأت تميل للاقتناع (ولو جزئياً) بأن كل هذا الصراخ والعويل والتهديد والوعيد الذي صدر عنهم وعن مؤيديهم داخل لبنان وخارجه ، لم يعد يجدي نفعاً أمام الحقائق التي تبلورت على الأرض، وأهمها سيطرة المقاومة على الموقف في بيروت، وعلى أجزاء أخرى من لبنان. إضافة لما حظيت وتحظى به المقاومة من تأييد شعبي غير مسبوق لموقفها المناهض للمشروع الأمريكي على الصعيدين اللبناني والعربي. فقد أصبح مشروع المقاومة في المنطقة، الذي يتبناه حزب الله وأقطاب المقاومة الأخرى في لبنان والعراق وفلسطين وأفغانستان، هو الأمل الوحيد الذي تعتمد عليه الأمة في التصدي للتسلط الأمريكي والإسرائيلي والأوروبي على المنطقة ونهب ثرواتها.
لذلك أعلنت حكومة السنيورة في وقت متأخر من مساء يوم الاربعاء الموافق الرابع عشر من مايو 2008 – وبعد تجييشها لكل الحيثيات التي يستخدمها المحامون في مرافعاتهم !!! – إلغاء القرارين اللذين تسببا في اشتعال الأزمة الحالية في لبنان، والمتعلقين بمنظومة الاتصال السلكي الخاصة بالمقاومة في مطار رفيق الحريري (مطار بيروت الدولي سابقاً)، وإقالة مدير عام أمن المطار.
وفي المقابل علَّقت المعارضة العصيان المدني، حرصاً منها على إعادة الهدوء للبنان، وتجنب أخطار الوقوع في حرب أهلية لن يستفيد منها غير العدو الإسرائيلي وحلفائه الأمريكان. كما أن اتخاذها لهذه الخطوة، يعد استجابة للجهود التي تبذلها اللجنة العربية برئاسة وزير خارجية قطر، لحل المشكلات التي تسببت في اشتعال الأزمة الحالية.
وفي تقدير المراقبين أن إلغاء حكومة السنيورة لهذين القرارين، لا يعني أن الموالاة قد تراجعت نهائياً عن تأييدها للمشروع الأمريكي، وإنما كان هذا الإلغاء رضوخاً للظروف الموضوعية التي فرضت على عليها وعلى مؤيديها قبوله. فهذا القبول – في رأي المراقبين – يعد مرحلة "تكتيكية" فرضته ظروف جبرية لا طائل من تجاهلها.
ولعل هذا ما يفسر استمرار وسائل الإعلام التابعة لمؤيدي الموالاة في الخارج، في تصعيد هجومها على المقاومة، مستخدمة سلاح "الفتنة الطائفية" لعودة الروح لأقطاب الموالاة في لبنان !!!، كي يستأنفوا نشاطهم للقضاء على حزب الله (عصب المقاومة الوطنية اللبنانية) حين تحين الفرصة المواتية.

وفي تقدير معظم المراقبين، أن المشروع الأمريكي في المنطقة في طريقه للانحسار أمام مشروع المقاومة، وهذا ما يدركه الإسرائيليون والأمريكيون. ولعل قول الكاتب السياسي الأمريكي "فرانكلين لامب": إن قيام الأمريكيين بمد قنوات اتصال لجس النبض في الضاحية الجنوبية لبيروت التي تسكنها أغلبية شيعية، يشير إلى أنهم (أي الأمريكيون) يقرأون - عبر النزاعات الحالية في الشرق الأوسط - أن حزب الله سيكون له دور بارز على المستوى الإقليمي.
ومع ذلك، وحتى لو صدق هذا القول، فإن انحسار المشروع الأمريكي لن يزول عن المنطقة بسلام، وإنما ستشهد شعوبها وأنظمتها هجمات شرسة من الأمريكيين والإسرائيليين، لسببين غايةً في الوضوح، الأول: إن مشروع المقاومة يستهدف - على المدى البعيد (إن لم يكن المتوسط) - إزالة الكيان العبري عن أرض فلسطين، وإجبار سكانه على العودة لمواطنهم الأصلية التي هاجروا منها. والثاني: إن المصالح الأمريكية والأوروبية في المنطقة وبخاصة الإمدادات النفطية، سوف تكون عرضة لخطر التوقف.
لذلك ليس من المستبعد أن تقوم إسرائيل وأمريكا بضرب أهداف لها صلة مباشرة أو غير مباشرة، بمصادر دعم مشروع المقاومة في لبنان وغزه والعراق، بكل قوة وتوحش. كما لا نستبعد أن تستخدم هاتان الدولتان أسلحة غير تقليدية تكتيكية ضد حزب الله وحركة حماس في غزه، للقضاء على ما تسميه إسرائيل بالخطر على أمنها ووجودها إذا تيقنت أن الأسلحة التقليدية غير قادرة على تحقيق هذا الهدف.
من هنا فإن عودة الروح للموالاة !!! ولكل من يؤيد المشروع الأمريكي في المنطقة، يعني (يقيناً) أن الهدوء الذي قد يخيم على الساحة اللبنانية في الفترة القادمة، لن يطول طويلا. كما أن المؤيدين في البلدان العربية للمشروع الأمريكي، لن يستسلموا للنتائج التي تمخض عنها الصراع الأخير في لبنان لصالح المقاومة.
إن قراءة متأنية لاتفاق بيروت الذي توصلت إليه لجنة الجامعة العربية برئاسة قطر، تظهر أن ثمة مؤشرات بدأت تظهر على السطح، لا تبشر بنهاية قريبة وحاسمة للأزمة الحالية. فقد استطاع الاتفاق – في أحسن التقديرات – التوصل إلى ما يشبه عقد هدنة مؤقتة بين الطرفين، وليس إيجاد حل لأسباب النزاع القائم بينهما ..انتظاراً لما قد يسفر عنه الحوار القائم حالياً في قطر حول الخلافات الرئيسة.
وليس من شك أن هذا الحورا لن يبتعد كثيراً عن التزامات أي من الفريقين (الموالاة والمعارضة) نحو المشروعين المطروحين في المنطقة وهما: المشروع الأمريكي، ومشروع المقاومة الذي يتصدى له، كما ذكرنا أكثر من مرة.
فالمتوقع من فريق الموالاة الذي خسر المعركة على الأرض وعادت الروح إليه !!! بفعل الدعم المعنوي (إن لم يكن المادي) الذي تلقاه (بكم وكيف غير مسبوقين) من أمريكا والدول العربية المؤيدة له وبخاصة من أمريكا والسعودية .. أن يعيد رص صفوفه بعد أن تبعثرت قواه داخل لبنان، وأُبطلت خطط مؤيديه ضد المقاومة خارجه.
ودافِعُ أقطاب هذا الفريق في ذلك، ليس العبر التي استخلصوها من تلك الأحداث والتي انتهت بلا شك لغير صالحهم، وإنما رفض أمريكا والسعودية وسائر المؤيدين للموالاة في المنطقة والخارج، لما تمخضت عنه تلك الأحداث من نتائج تصب جميعها في صالح مشروع المقاومة الوطنية اللبنانية بزعامة حزب الله.
والدليل على ذلك، قراءة أمريكا ودول أوروبا (الجيدة) لما ينطوي عليه النزاع بين الفريقين المتنازعين من أخطار على المشروع الأمريكي، لو استمر هذا النزاع أكثر مما وصل إليه. فقد أدركت الموالاة والأمريكيون أن سلاح الفتنة الطائفية الذي حاولوا إذكاءه بشتى الطرق، قد فشل في إثارة حرب أهلية في لبنان،. كما أن التحرك السريع لحزب الله لمجابهة قرارات الحكومة والسيطرة على بيروت في زمن قياسي، والأسلوب السلمي الذي انتهجه الحزب في ذلك .. لاقى من الرأي العام في الشارعين اللبناني والعربي تأييداً لا يمكن لفريق الموالاة تجاهله. وهذا ما أدى إلى التراجع السريع لحكومة السنيورة عن تلك القرارات، وإن جاء بعد عودة الروح للموالاة !!!.
لكن هذا التراجع لا يجوز تقويمه فقط، من منظور الصيغة التي غالباً ما سادت أغلب النزاعات الأهلية التي مرت على لبنان منذ إنشائه، وهي "لا غالب ولا مغلبوب". ذلك أن إدارة الصراع الحالي لا تقتصر على الأطراف اللبنانية الممثلة في الموالاة والمعارضة، وإنما تشمل قوى خارجية مؤثرة وبخاصة أمريكا والسعودية اللتين تؤيدان الموالاة، وإيران وسوريا اللتين تؤيدان المعارضة.
وحين نقول المعارضة، فإنما نعني مشروع المقاومة الذي يقف في وجه المشروع الأمريكي في لبنان والمنطقة، كما يعني - في نظر الأمريكيين – التحسب الإسرائيلي من الخطر الذي يمثله حزب الله على أمنها ووجودها، الأمر الذي طالما أشار إليه وما زال قادتها صباح مساء.
لذلك، فإن قراءة سريعة لاتفاق بيروت الذي تم التوصل إلية برعاية اللجنة التي شكلها وزراء الخارجية العرب، في اجتماعهم الطارئ الذي عقدوه مؤخراً في القاهرة لمناقشة الأزمة في لبنان برئاسة وزير خارجية قطر .. تظهر أن الاتفاق، هو – في رأي البعض - أقرب إلى عقد هدنه بين الفريقين، منه إلى التوصل لاتفاق يحل القضايا الخلافية بينهما كما ذكرنا. ولعل النقاط التالية تلقى مزيداً من الضوء على هذه المخاوف التي يتحسب منها المراقبون والمعنيون بالمسألة لعل من أبرزها:
1- ينص اتفاق بيروت على عودة الاوضاع الى ما كانت عليه قبل الاحداث الاخيرة، ما قد يثير تفسيرات متناقضة ومعوقة. فالمعارضة ترى أن حكومة السنيورة ليست شرعية، الأمر الذي يترتب عليه بالتالي عدم شرعية القرارات التي اتخذتها وستتخذها إذا ما عادت الأوضاع إلى ما كانت عليه (كما ينص القرار).
وفي المقابل، سوف تحاجج الموالاة بأن الحكومة تتمتع بخاصة الشرعية، ما يجعل القرارات التي أصدرتها وقد تصدرها – اذا ما عادت الأوضاع إلى ما كانت عليه قبل الخامس من آذار الجاري - شرعية ولا تتجاوز حدود اختصاصاتها ، طالما لم يتم الاتفاق على تشكيل حكومة وحدة وطنية.
وهكذا نرى أنه ما لم تكن هناك نية صادقة لدى الفريقين لحل جميع القضايا الخلافية بينهما، وما لم يكفا عن أسلوب (المماحكة) والتراشق بالاتهامات الذي ما زال سائدا بينهما، فإن هذا النص سوف يكون عرضة للتحريف، وسيتم إخراجه عن السياق الذي صيغ من أجله.
2- طالب الرئيس أمين الجميل أحد أبرز أقطاب الموالاة، بضرورة بسط سيطرة الدولة على كافة الأراضي اللبنانية. وهذه الدعوة تمثل مطلباً رئيساً للموالاة بجعل الجيش اللبناني، هو الوحيد الذي يقوم على حماية البلاد من المخاطر الخارجية. وبالتالي المطالبة بأن تكون حيازة السلاح من أجل حماية لبنان قاصرة على الجيش فقط ، كما يكون حق اتخاذ قرارات الحرب والسلام قاصراً على الدولة دون غيرها. وهذا يعني – في النهاية – مطالبة الموالاة بانتفاء الشرعية عن امتلاك المقاومة لسلاحها، ما يوجب بالتالي تجريدها منه.
فإذا كان أقطاب الموالاة قد جاءوا لاجتماعات قطر، وفي سريرتهم العمل على تحقيق هذه المطالب، وبخاصة تجريد حزب الله من سلاحه، تطبيقاً للقرار الأممي 1559 الذي كانت أمريكا وأوروبا وراء صدوره، والذي يقوم المبعوث الدولي "رود لارسن" على متابعة تنفيذه، .. فإن القرار الوارد في البند السابق، وهو عودة الوضع إلى ما كان عليه، سوف يفسر على النحو الذي يتخوف المراقبون منه، ونعني عودة التأزم بين الموالاة والمعارضة.
بل قد يحق القول بأن النوايا، لم تصفُ بعد. وإن الحوار الذي يجري الآن في قطر، ليس أكثر من محطة لالتقاط الأنفاس وبخاصة بالنسبة للموالاة، وإن القول بأن ما يحدث الآن هو مجرد هدنة بين الطرفين المتنازعين وليس محاولة لحل الخلافات بينهما .. هو قول صادق بالإطلاق.
3- لا يخفي على أحد، أن عددا من قادة الموالاة، باتوا يُتهمون، بأنهم هم الذين أشعلوا الفتنة وعملوا على إذكائها بهدف نصرة المشروع الأمريكي على مشروع المقاومة في لبنان وفلسطين والعراق وسائر أقطار المنطقة. فما لم يتخلوا عن هذا الموقف، فلا فائدة ترجى من الحوار الذي يجري في دولة قطر.
ولعل من المفيد – في هذا السياق – التذكير بأن المراقبين ومعهم الشارعين اللبناني والعربي، يكادوا يجمعون على أن وليد جنبلاط كان بطل تفجير الأزمة دون منازع، يتبعه في ذلك حليف إسرائيل سمير جعجع الذي لا يستطيع إنكار دوره الدموى في مأساة مخيمي صابرا وشاتيلا عام 1982. وبدرجة أقل تأتي الأقدار بالشاب سعد الحريرى زعيم تيار المستقبل الذي يعتمد في نفوذه على ثروته الطائلة والدعم الذي يتلقاه من مؤيديه في الخارج ، لينضم إلى المعارضين لمشروع المقاومة. ثم يأتي أخيراً رئيس الوزراء فؤاد السنيورة، الذي يشاع عنه أنه يعمل بتوجيهات من الرئيس الأمريكي بوش ووزيرة خارجيته كوندا ليزا رايس !!.


وفي الجهة المقابلة، يُتَّهَم فريق المعارضة الذي يتزعمه حزب الله، ومعه حركة حماس الفلسطينية، بأنهما يسيران في ركاب إيران وسوريا اللتين يعرف عنهما معارضتهما (العقائدية) الشديدة للمشروع الأمريكي في المنطقة. وفي تقويم لموقف كل من هذين الفريقين من زاوية مصالح القضايا العربية، فلا مجال للشك بأن الكفة تميل لصالح المقاومة، حتى لو كان ولاؤها خالصاً لسوريا وإيران.
ويكفي أن نعرف بأن المشروع الأمريكي يدعو صراحة لمفاوضات تدور في قالب الاستسلام، وليس لتحقيق السلام العادل مع الكيان العبري. فضلاً عن سعية لنشر "الفوضى البناءة" التي تدعو إليه كوندي، بهدف رسم خريطة لما يسمى بالشرق الأوسط الجديد، تكون بلاده خاضعة للنفوذ الأمريكي والهيمنة الإسرائيلية.
فمن المنطقى والحال هذه، أن تنتفي تهمة التبعية والعمالة عن حزب الله وحركة حماس لكل من سوريا وإيران، باعتبار أن الدعم الذي تتلقيانه من هاتين الدولتين، يصب في صالح الأمتين العربية والإسلامية، ويدعم تصديهما للمشروع الأمريكي الذي يعمل على ترسيخ وجود الدولة العبرية في المنطقة وتأكيد هيمنتها عليها ، إضافة لتكريس يهودية هذا الكيان العنصري الاستعماري الاستيطاني. لذا فأن أكثر ما يُخشى منه، أن يحاول فريق الموالاة – بعد عودة الروح لأقطابه !!! – أن يفتعل أزمات أثناء الحوار، من شأنها إعادة الأوضاع إلى ما كانت عليه.
لكن هذه المخاوف لا تمنع الاستبشار ببعض المؤشرات الإيجابية الناجمة عن اتفاق بيروت، والمباحثات التي تجري الآن في قطر لعل من أظهرها وقف حملات التخوين المتبادلة بين الفريقين، والتوقف عن حملات الشحن الطائفي والمذهبي التي باتت تهدد بإشعال فتنة طائفية خلال الأحداث الأخيرة. كما أن هناك مؤشراً آخر، وهو تأكيد رئيس اللجنة القطري على أن الحوار سيستمر، حتى يتم التوصل لاتفاق على تشكيل حكومة وحدة وطنية تمثل كل اللبنانيين، وإقرار قانون انتخاب جديد.
ومع ذلك فليس من اليسير على المراقبين أن يفرطوا في التفاؤل، ذلك أن حل المشكلات القائمة في لبنان تفوق طاقة اللجنة العربية، نظراً لتعقد الوضع على الأرض في بيروت وسائر المناطق اللبنانية، حتى بات يبدو للكثيرين أن تشكيل هذه اللجنة، لم يأتِ من أجل إيجاد حلول سياسية للأزمة، وإنما جاء ليحل التعقيدات التي طرأت على الوضع بعد سيطرة حزب الله على بيروت، وبعد الأحداث الدامية التي شهدتها مناطق أخرى في لبنان، وبخاصة في الجبل وفي الشمال.
ومما يزيد الوضع تعقيداً، أن ما يحدث في لبنان بالذات، لا يمكن أن ينفصل عما يدور في المنطقة، وما يُخطط لها مستقبلاً (وبكل الأبعاد). كما لا ينفصل عن الصراعات بين الدول العربية ذاتها، ودخول إيران دائرة هذا الصراع، فضلا عن التدخل الفاعل للولايات المتحدة وإسرائيل ومحاولاتهما فرض حلول لقضايا المنطقة على أساس المشروع الأمريكي.
وهكذا نجد أن الوصول السريع لاتفاق بيروت الأخير، لا يعد حلاً سياسياً للنزاع بين الموالاة والمعارضة. فأغلب الظن أنه يعبر عن رغبة واشنطن والدول العربية الداعمة للموالاة لالتقاط الأنفاس، بعد ما تيقنت من خسارة المشروع الأمريكي للمرحلة الأولى من المعركة ضد مشروع المقاومة في المنطقة، ممثلة في خسارة الموالاة في لبنان أمام حزب الله.
لكن الأهم في كل ما سبق، أن ثمة معادلة يستعصي حلها سلماً .. تجمع بين إسرائيل وأمريكا ومن والاهما من ناحية، وبين حزب الله وسوريا وإيران وحركة حماس، والتي تتبنى خيار المقاومة من ناحية أخرى.
ذلك أن ثمة أمرين لا يمكن لإسرائيل وأمريكا تجاهلهما: أولهما- اعتقادهما الجازم بأن حزب الله بات يشكل خطراً حقيقياً على أمن إسرائيل ووجودها، ما يفرض على إسرائيل أن تعد العدة لمعاودة شن حرب جديدة حاسمة على حزب الله بهدف التخلص منه نهائيا. وثانيهما- أن أمريكا وإسرائيل والدول الأوروبية ترى أن من الخطورة بمكان تمكين إيران أو أي من الدول العربية من صنع أو امتلاك سلاح نووي، كما تحرص (أصلاً) على عدم حيازة العالم العربي وإيران على التكنولوجيا النووية، خشية أن تمكنها يوماً من صنع سلاح نووي. وهذا يمثل الطرف الأولى من المعادلة.
أما الطرف الثاني، فهو أن ما تصفه أمريكا بمحور الشر الذي يتبنى خيار المقاومة، يدرك تماماً أن شن إسرائيل وأمريكا حرباً عليه بات أمراً حتميا، ومن ثم أصبح لزاما على أطراف هذا المحور الاستعداد لخوض هذه الحرب.
فإذا صحت هذه المعادلة، يبقى التأكيد على أن استخدام الموالاة ومؤيديها لسلاح الفتنة الطائفية (على نطاق واسع)، ضد مشروع المقاومة في لبنان والمنطقة، هو بمثابة التمهيد للمعركة الحاسمة التي يعد لها العدو. فمثل هذا السلاح إذا ما نجحت الموالاة وحلفاؤها في استخدامه، سوف يؤلب البسطاء في هذه الأمة على مشروع المقاومة، الأمر الذي سيزيد من أعباء التصدي للعدوان الإسرائيلي الأمريكي المرتقب.
من هنا فإن القول بأن الحوار الذي يجري الآن في قطر بين الموالاة والمعارضة سوف يؤدي لحل القضايا الخلافية الرئيسة بين الطرفين، إذا ما حسنت النوايا .. هو قول مشكوك فيه. ذلك أن لبنان وبلدان المنطقة العربية تخضع - في اتخاذ القرارات - لتدخلات إقليمية وخارجية، تجعل من الصعب عليها أن تحل مشاكلها بنفسها دون تدخل من الخارج.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.