كل المؤشرات اليوم تكاد تجزم بأن لبنان لن يخرج من النفق المظلم الذي دخل فيه بمعية وتخطيط من أمريكا وإسرائيل، الأزمة مستعصية والوضع مأزوم وسط ما يعانيه لبنان من تصدعات ظهرت معالمها في التناقض والتصادم بين فريقي الموالاة والمعارضة إلي حد بات من الصعب امكانية ترسيخ صيغة للتعايش المشترك بينهما. لبنان ساحة لتصفية الحسابات.. يبدو أن لبنان بعد أن سدد فاتورة الوقائع الحادثة في المنطقة خلال العقود الماضية وعلي رأسها وصول القضية الفلسطينية إلي طريق مسدود وبعد دخوله في حرب أهلية شرسة استمرت من سنة 1975 وحتي سنة 1990 يعاود اليوم نفس المشكلة من خلال عملية تصفية حسابات تجري علي ساحته من قبل عدة أطراف داخلية وخارجية وكأنما حكم عليه القدر اليوم أن يسدد فاتورة المشروع الأمريكي الاسرائيلي في المنطقة، فإسرائيل قامت بالعدوان عليه في يوليو سنة 2006 بدعم وتأييد أمريكي في محاولة لاستئصال قوي المقاومة ولكنها فشلت ولأن أمريكا عمدت إلي احراز إسرائيل النصر بشتي الوسائل فلقد عطلت وقف اطلاق النار لمنح حليفتها فرصة لجز عنق المقاومة ممثلة في حزب الله إلا أن المحاولة فشلت وخرجت إسرائيل مهزومة بعد أن استمرت الحرب 34 يوما. أمريكا وجبهة الممانعة ما تحاوله أمريكا اليوم وبدعم من إسرائيل هو العمل علي ايجاد ظروف ضاغطة من أجل تطويق المعارضة اللبنانية توطئة للإحاطة بها علي أساس أن أمرا كهذا يمكن أن تكون له اثاره السلبية علي دمشق والتحالف السوري الايراني ومن ثم ينشط فريق الموالاة في شحذ أسلحته مدعما بحماية أمريكية، ولعل هذا يشرح النغمة الحادة والخطاب الزاعق الذي تبناه جنبلاط والحريري وجعجع والجميل أقطاب الموالاة في الرابع عشر من الشهر الماضي الذي صادف الذكري الثالثة لاغتيال رفيق الحريري وجاء في أعقاب اغتيال عماد مغنية قائد العمليات العسكرية في حزب الله في الثاني عشر من الشهر الماضي علي يد الموساد فلقد انبروا في مهاجمة سوريا وحزب الله وإيران وكأنما أعطتهم إدارة بوش الضوء الأخضر لتصعيد حملة الانتقادات ضد سوريا. * المغزي من ارسال المدمرة كول..؟ ويبدو أن كل التطورات كانت مرسومة وجاهزة للتنفيذ ليعقبها بعد ذلك ارسال أمريكا المدمرة كول الخميس الماضي لترابط قبالة السواحل اللبنانية بدعوي حماية استقرار المنطقة ولاشك أن ارسالها يبعث برسالة إلي محور الممانعة "سوريا إيران حزب الله" مفادها بأن لبنان وما وراء لبنان في متناول الآلة العسكرية الأمريكية وأن أمريكا علي استعداد جاهزية تامة لحماية حلفائها وقد يكون تحريك المدمرة بمثابة مقدمة تشي بحرب وشيكة بين إسرائيل وحزب الله وايماءة انذار لسوريا. المشروع الأمريكي الصهيوني ما يجري في لبنان يتم في إطار الأجندة الأمريكية الصهيونية التي تسعي إلي تفتيت دول المنطقة والزج بأطرافها في حروب أهلية تنفيذا لمشروع الشرق الأوسط الجديد أما الهدف من جر لبنان إلي هذا المشروع فهو توفير الحماية الخالصة لإسرائيل ولهذا كانت المعارضة اللبنانية علي حق في أن تتشبث بالثلث الضامن كي تأمن عدم هيمنة الموالاة علي اتخاذ القرار وانزلاق حكومة لبنان إلي مستنقع المشروع الأمريكي الصهيوني لتفتيت الدول العربية ونسف بنيتها الاجتماعية لتحقيق استراتيجية الأمن القومي الأمريكي التي وضعها المحافظون الجدد سنة 2002 بهدف تفكيك دول المنطقة واعادة تركيبها علي أسس مذهبية اثنية. لبنان مهددة في الداخل والخارج لقد حرصت إسرائيل علي ابقاء لبنان في وضع مأزوم ولهذا عمدت إلي مهاجمته والتحرش به عسكريا عبر السنوات الماضية في سنة ،1978 سنة ،82 سنة ،93 سنة 96 وأخيرا في يوليو سنة 2006 بالاضافة إلي محاولاتها الحثيثة لاثارة النعرة الطائفية والمذهبية الاثنية ولهذا تحدت لبنان مهددة من الداخل علي خلفية الصراع بين فريقي الموالاة والمعارضة، ومن الخارج بفعل ما يسود المنطقة من توتر وتعدد المشاريع الاستعمارية والتحالفات الاقليمية. العين علي الحرب الأهلية أمريكا وإسرائيل اليوم تسعيان إلي جر لبنان ليكون معبرا لتنفيذ مشروعهما في المنطقة والذي حاولا تمريره من خلال عدوان إسرائيل علي لبنان في يوليو سنة 2006 وهو العدوان الذي دفع بكونداليزا رايس وزيرة الخارجية الأمريكية إلي القول بأن العدوان هو مخاض الشرق الأوسط الكبير! ورغم هزيمة إسرائيل فهما يعاودان الكرة اليوم علي أساس أن استمرار التحرش عسكريا بلبنان قد ينجم عنه ما لم يتم تحقيقه بالوسائل السياسية، فقد يؤدي إلي اندلاع حرب أهلية يمكن في ظلها تحقيق مكاسب سياسية برعاية أمريكية. حذاري من الكارثة المؤكد أن تسوية الأزمة في لبنان تبدو في غاية التعقيد بعدما دخل في مرحلة تجاذب اقليمية ودولية خطيرة قد تهدد مصيره وقد يفضي الوضع إلي اشعال فتيل المواجهة بين الفريقين، فريق الموالاة الذي يجر المنطقة إلي الحلف الأمريكي الصهيوني وفريق المعارضة الذي يرفض تدويل القضية ويرفض الهيمنة والوصاية الأجنبية لهذا كان غريبا أن يجري الربط بين عقد القمة العربية في دمشق بحل الأزمة اللبنانية فلا مبرر يذكر لهذا الربط خاصة وأن أزمة لبنان هي احدي القضايا المطروحة إلي جانب ما يحدث من مجازر إسرائيلية في الأراضي الفلسطينية والحصار اللاانساني الجماعي الذي تنفذه الدولة العبرية والتهديد بمحرقة للفلسطينيين أكبر من محرقة النازي بالاضافة إلي الوضع في العراق والسودان فكلها قضايا في حاجة إلي تحرك عربي من خلال دورية القمة العربية التي لابد من عقدها ولا يمكن بأي حال من الاحوال تعطيلها ولابد للعرب اليوم من التلاقي ودعم وحدتهم لمواجهة الاخطار التي تحدق بمنطقتهم وإلا فإن الكارثة ستعم علي الجميع ولن يكون أحد بمنأي عنها وعن تداعياتها.