تطور الأحداث أعفي الاجتماع الطارئ لوزراء الخارجية العرب من الحرج الذي كان سيشعر به فيما إذا استمرت الاشتباكات العسكرية بين فريقي الموالاة والمعارضة، فعادة اجتماعات وزراء الخارجية العرب لا تقدم ولا تؤخر، وبالتالي فإن كل ما خرج به الاجتماع الاحد الماضي هو الدعوة إلي وقف القتال وتفعيل عمل الجيش في المناطق وتشكيل لجنة وزارية عربية يترأسها عمرو موسي، رئيس وزراء قطر ووزير خارجيتها الشيخ حمد بن جاسم للتباحث مع الفرقاء في بيروت ورسم خريطة طريق لتنفيذ مبادرة الجامعة العربية الداعية إلي انتخاب رئيس الجمهورية وتشكيل حكومة وحدة وطنية ووضع قانون انتخابي جديد. ولقد تحفظت سوريا علي مشروع قرار قدمته مصر يتضمن إدانة ضمنية لحزب الله، وذلك من خلال تأكيده رفض استخدام العنف المسلح لتحقيق أهداف سياسية وهو المشروع الذي لم يحصل إلا علي موافقة عشر دول فقط ورفضته إلي جانب سوريا قطر والجزائر واليمن. * محاولة التخلص من المقاومة لاشك أن الواقع علي الأرض فرض معادلة جديدة، فلولا قرار الحكومة اللبنانية المشئوم لما نزل حزب الله إلي الشارع، بل إن المواجهة المفتوحة أدت إلي إضعاف فريق السلطة الذي حاول التخلص من المقاومة من خلال تجريدها من شرعيتها بهدف تكريس معادلة جديدة علي الأرض، ولكن انقلب السحر علي الساحر وتراجع جنبلاط الذي أشعل المواقف منذ البداية بتصريحاته النارية في أوائل الشهر الحالي وهي التصريحات التي اجتمع مجلس الوزراء اللبناني علي اثرها ليخرج بعد 11 ساعة بمرسومين يعلن فيهما حل شبكة الاتصالات التابعة لحزب الله واتهامه له بوضع كاميرات تجسس في مطار بيروت ويعلن إقالة رئيس جهاز الأمن في المطار العميد شقير، وهو ما تلافاه الجيش بعد ذلك عندما أوكل الأمر إليه وطالب بسحب القرارين. * من أيقظ الفتنة؟! عنصر المفاجأة هو الذي كشف أوراق الموالاة عندما بادرت وأصدرت هذين القرارين الآن، لقد أظهر ذلك أنهم تحركوا إذعانا للخارج من أجل استفزاز حزب الله واستدراجه لمعركة في الداخل تستهدف استنزافه وليتذرعوا بأنه شرع سلاحه ضد اللبنانيين، وبالتالي يجب نزع هذا السلاح وإسقاط شرعيته كمقاومة وهو ما جاء في بيان قوي الرابع عشر من آذار الأمر الذي أثار حفيظة حزب الله ومن ثم تفاقم الوضع واتسعت الأعمال القتالية والعهدة علي "وليد جنبلاط" فهو الذي أيقظ الفتنة النائمة. * اختيار التوقيت لقد تأكد الآن أن ارسال المدمرة "كول" والسفن المرافقة لها للمرابطة عند السواحل اللبنانية لم ينبع من فراغ، وإنما جاء تحينا لهذه الفرصة من أجل التدخل ولجم حزب الله، كما أن اختيار توقيت إصدار القرارين اللذين أججا الوقت لم ينبع من فراغ، فلقد تم عشية زيارة بوش للمنطقة والتي تأتي في الأساس للاحتفال بذكري قيام إسرائيل، بالإضافة إلي استعداء المنطقة مجددا ضد إيران بعد أن تم تهيئة، الوضع لذلك، وشجع بوش أن الأكثرية في المنطقة باتت مرتهنة بالرؤية الأمريكية. * المشروع الأمريكي الإسرائيلي أحداث لبنان الأخيرة لم يغب عنها المشروع الأمريكي الإسرائيلي الذي يهدف إلي القضاء علي المقاومة، ولم يغب عنها مشروع الشرق الأوسط الكبير الذي تتبناه أمريكا ومعه لابد أن تتم إعادة صياغة المنطقة جغرافيا وديموجرافيا، ولعل ما حملته الأحداث الأخيرة في لبنان قد أفصح عن حقيقة مؤادها أن الصراع في لبنان ليس صراعا مذهبيا بقدر ما هو صراع بين مشروع مقاومة ومشروع عانق الاستسلام، أما مدخل أمريكا لذلك الصراع فاعتمد علي نثر بذور الطائفية وترسيخ المذهبية علي نحو ما فعلته في العراق. * محاولة استئصال لقد كان اتهام فريق الموالاة للمقاومة علي أنها شنت عدوانا علي لبنان اتهاما باطلا، فإسرائيل منذ نشأتها وهي التي تشن حربا علي لبنان وارتكبت كل الموبقات، دخلت البيوت، وقتلت المدنيين ويكفي مذبحة قانا واحد، وقانا ،2 أما المقاومة فلقد اتخذت قرارا بالدفاع عن النفس وهو قرار وجوبي وفرض عين فلو لم تتخذه لكانت خائنة أو ذليلة، وبالتالي كان وجود المقاومة واستمرارها يشكل خطرا علي إسرائيل خاصة بعد أن أسقط حزب الله اسطورة إسرائيل في الهيمنة علي المنطقة، علي إثر الهزيمة التي منيت بها علي يده سنة ،2000 و2006 أي أن المقاومة هي التي فعلت ذلك بإسرائيل التي ما لبثت أن تحركت وشرعت في الضغط علي العالم لاستئصال المقاومة. * هل تظل المعضلة قائمة؟ حكومة السنيورة أخطأت في حساباتها وهي عندما اتخذت قرارات مستفزة سقطت في فخ ديكتاتورية الأقلية، وهو ما يشكل خطرا علي لبنان ولا شك أن قراراتها لم تكن عقلانية ولم تكن قابلة للتنفيذ ويكفي أنها حملت الجيش ما لا يجب حمله وأحرجت المؤسسات الأخري، ما يخشاه المرء أن تظل المعضلة قائمة لأن أمريكا تريدها كذلك، فأمريكا حريصة علي أن يظل الوضع مؤججاً في لبنان وأن تظل المشاكل مثارة حتي لا يتم التوصل إلي أي حل. والغريب أن فريق الموالاة وضع كل رصيده في سلة الأجنبي رغم أن أمريكا لا تملك أن تعطيه ما يحلم به، والنموذج حي أمامهم فأمريكا لن تقدم شيئا للفلسطينيين غير الجوع والقتل والدمار والقهر ومصادرة الحقوق، أمريكا لم تساعدهم في تنفيذ قرارات الشرعية الدولية. * إخماد العاصفة يجدر القول بأن ما فعله الجيش اللبناني كان بمثابة تصحيح للمسار من خلال ما اتخذه من قرارات عكست تمسكه بزمام الأمور وحسمها، ظهر الجيش كموسسة تتبني الحكمة التي تؤهلها لأن تكون حكما بين الطرفين لإحراز تسوية تحفظ ماء وجه الفريقين، لقد أضافت المؤسسة العسكرية إلي رصيدها الكثير خاصة بعدما حققته في أحداث نهر البارد 2006 وظهورها علي الساحة اليوم لإخماد العاصفة التي هبت علي لبنان.