لم تكن شيماء عبد الحميد، الطالبة بالفرقة الأولى بكلية الهندسة جامعة المنوفية، تعرف أن صباح الجمعة سيكون الأخير في عمرها القصير. شيماء، بنت ريفية من قرية كفر السنابسة، خرجت من بيتها قبل طلوع الشمس، مثل كل يوم، وفي بالها حلم بسيط وهو تدبير مصروفات دراستها ومساعدة أسرتها، حتى لو كان الأجر لا يتعدى 120 جنيهًا في اليوم. «هنزل أجمع عنب وأرجع بسرعة».. لكن القدر أسرع شيماء وزميلاتها من القرية اعتدن الذهاب في ميكروباص واحد إلى مزارع العنب في منطقة السادات، حيث يعملن لساعات طويلة ليعودن نهاية اليوم ببضع جنيهات. في هذا اليوم المشؤوم، لم تصل شيماء إلى أرض المزرعة حيث اصطدمت تريلا مسرعة بالميكروباص على الطريق الإقليمي، فتحول الحلم إلى مأساة، والصباح الهادئ إلى صراخ ودموع. نعي من الجامعة وحزن ثقيل في القرية أصدرت جامعة المنوفية بيانًا نعت فيه شيماء، الطالبة بالفرقة الأولى بكلية الهندسة، داعيةً لها بالرحمة والمغفرة، وأن يلهم أهلها وذويها الصبر والسلوان. وفي كفر السنابسة، تحولت البيوت إلى عزاء مفتوح، وأصبح الطريق المؤدي للمسجد مزدحمًا بالنساء والأهالي الذين لم يصدقوا أن ابنتهم المجتهدة لن تعود مرة أخرى. حلم لم يكتمل.. وصرخة باقية كانت شيماء تحلم أن تكمل دراستها وتصبح مهندسة ترفع رأس أسرتها البسيطة، لكن رحلت في لحظة لم تكن في الحسبان، رحلت هي وبنات غيرها خرجن يكدحن في صمت، ليبقى السؤال المؤلم: إلى متى ستبقى دماء الإهمال على طريق الموت؟