طالعتنا حركة حماس منذ نحو أسبوع بإعلان نيتها توسيع حكومتها في غزة لجهة تخفيف الأعباء عن وزراء حكومتها الحالية المثقلين بأعباء أكثر من وزارة، ولجهة الحصول على أداء أكثر جودة في خدمة المواطنين، حيث أكدت في الوقت ذاته على ألا أبعاد سياسية البتة لهذه الخطوة التي أكدت أنها خطوة إدارية بحتة.
وللمفارقة العجيبة أن تتزامن هذه الأنباء مع أنباء عن تحركات أخرى في المنطقة لجهة قلب الأوراق وتهيئة الأجواء للتغيرات التي تعتزم إسرائيل وأمريكا ترسيخها في المنطقة.
على الصعيد الإقليمي:
-تقاطرت إلى المنطقة عدد من الأساطيل والمدمرات الأمريكية التي انضمت إلى أخواتها المتمركزة في الموانئ العربية والخليجية.
-تواصل أمريكا نشر ما يسمى بالدرع الصاروخية في غلاف الدول الشرقية، والتي تؤكد أن هدف هذه الصواريخ ليس روسيا، فاذا كانت روسيا حليفا و ليست هدفا فمن يكون العدو غير دول تعادي أمريكا الان مثل ايران او قد تعادي أمريكا في المستقبل كالصين.!
-يعقد بوش وبوتين في هذه الاثناء لقاءهما الاخير قبل تسليم مقاليد حكمهما لخليفتها وذلك لرسم خارطة طريق للتفاهم وتقسيم المصالح ومناطق النفوذ في الدول النفطية، وذلك على حساب أخرى كالعرب وايران، وكما هو معروف ان ما يعلن في نهاية مثل هكذا لقاءات ليس هو بالضرورة ما تم الاتفاق عليه فيها، فهل سبيطن الاتفاق ضربة قاسمة لايران وعلى روسيا ألا تتدخل.!
على صعيد الوضع العربي:
-نجحت أمريكا في منع الموالين لها من حكام العرب من حضور القمة العربية الأخيرة في دمشق مما رسخ الانقسام العربي لصالح ما أطلق عليه بوش حلف الأشرار وحلف الأخيار.
-امتناع اكبر الدول العربية عن حضور القمة العربية في دمشق لا يشي إلا بحتمية تعرض دمشق لضربة عسكرية كبيرة، ولا يؤكد إلا تخلي هذه الدول عن مسؤولياتها العربية في صد هذا العدوان أو مساندة سوريا في صده أو ربما حتى في إدانة هذا العدوان المحتمل.
-كان الصراع في بداية القضية الفلسطينية إسلاميا صهيونيا، ثم عربيا صهيونيا، ثم فلسطينيا صهيونيا، وعليه فقد شطب الكيان الصهيوني من خانة العداء للدول العربية وحلت مكانها أطراف أخرى كإيران وسوريا وحزب الله وحماس.
-وكانت الأولوية لدى الدول العربية في الماضي الدفاع عن حدودها ومصالحها في وجه الأطماع الصهيونية، وبما أن الكيان الصهيوني أصبح من الحلفاء وليس من الأعداء، فقط أصحبت الأولوية لدى الحكام العرب هي الدفاع عن عروشهم في وجه أطراف أخرى كالاخوان المسلمين وحماس التي تهدد بنهجها وعدالة قضيتها وممارساتها ومقاومتها هذه العروش الورقية الظالمة، وعليه بتنا نرى كيف تساند أمريكا والكيان الصهيوني مصر في إقامة جدران إسمنتية وصخرية وحتى بشرية في وجه أي طوفان بشري آخر باتجاه الحدود المصرية بفعل الحصار الخانق الذي تتعرض له غزة، كما بتنا نرى العلاقات الحميمية الأردنية الصهيونية في الوقت الذي نرى فيه المحاكمات لكل من يتعاطف مع حماس ومقاومتها المشروعة للمحتل الغاصب.
-وبالأمس فقط كشفت القناة الثانية في التلفزيون الصهيوني عن معلومات غريبة تفيد بأن مصر أعلنت عن إمكانية نشر قوات عربية في قطاع غزة وذلك لأول مرة منذ خروجها من قطاع غزة عام 67م والهدف المعلن لهذه الخطوة هو " كسر الأزمة"، وبما ان الكيان الصهيوني- حسب التلفاز الصهيوني - لم يعترض على هذه الفكرة، فلابد أن يكون الهدف تحقيق ما عجز عنه الكيان الصهيوني وما عجزت عنه قوات امن الرئيس عباس وهو كسر وتركيع حماس.
-وما قد يؤكد ذلك الإفراط غير المبرر في التفاؤل الذي يبديه الرئيس عباس بانجاز اتفاق سلام مع الكيان الصهيوني قبل نهاية العام الجاري، رغم حملة الاستيطان المحموم الذي يقضم أي امل باقامة دولة فلسطينية قابلة للحياة حتى بالحدود الدنيا المقبولة من الشعب الفلسطيني، وحيث ان حماس ومعها كل فصائل المقاومة تمثل العقبة الكأداء أمام هكذا اتفاق، فلابد لطرف ثالث كمصر من التدخل لجهة دخول القطاع بحجة كسر الأزمة بعد أن يكون الجيش الصهيوني أنهك حماس وقوى المقاومة عبر اجتياح شامل لقطاع غزة.
على الصعيد الفلسطيني:
-في الضفة: تثبت الأحداث يوما بعد يوم ان الجنرال الأمريكي كيث دايتون وليس وزير الداخلية الفلسطيني هو من يقود تطبيق الشق الأمني من خطة خارطة الطريق القاضية بإنهاء المقاومة وتجفيف منابعها والقضاء على بنيتها التحتية الأمر الذي يتمثل بحملات الاعتقال المنسقة والمتزامنة مع الاحتلال ، وحملات اغلاق الجمعيات والمؤسسات الاسلامية التي تقوم بها قوات الاحتلال واجهزة امن عباس دايتون على حد سواء، الأمر الذي يرسخ القطيعة لجهة الارتماء العباسي الكامل في حضن الرهان على سراب الوعود الصهيونية بدولة فلسطينية.
- ويتواصل الحنق الشعبي على سياسات السلطة الأمر الذي يتمثل بتنفيذ أكثر من عملية هروب للمناضلين الذي توقفوا عن النضال على أمل شطب أسمائهم من قوائم المطلوبين صهيونيا، وحملات الإضراب المتكرر الناتج عن عجز سلطة عباس عن الوفاء بالتزاماتها المالية تجاه موظفيها رغم المليارات المشروطة التي تصب في جيوب مقاولي المقاطعة الأمنيين والسياسيين.
-في غزة: تتواصل فصول الحصار وتزداد حدة الأزمات والاختناقات الإنسانية الناتجة عن الانسدادان السياسية، فيما تواصل الشقيقة مصر تثبيت جدران سجن غزة الكبير والمفتوح على كل الاحتمالات عدا احتمال رفع هذا الحصار إلا إذا تغيرت سياسات وأولويات النظام في القاهرة الذي من غير المرجح أن تتغير إلا إذا تغير النظام برمته.
-وتواصل حكومة حماس الغرق في تفاصيل الحياة اليومية لسكان القطاع لجهة تسهيلها وتلبية احتياجاتها، فيما تواصل فصائل المقاومة وعلى رأسها حماس استغلال التهدئة غير المعلنة لرص صفوفها استعداد للجولة الدامية التي يتوعدون بها قطاع غزة.
-استمرار عباس ومقاوليه العزف على وتر المبادرة اليمنية كنتيجة للتدخلات الخارجية، لجهة التطبيق وليس الحوار مع حماس، وبما ان عباس يراهن على عدم إمكانية تطبيق حماس للمبادرة دون محاورة، فان العزف عليها لا يكون إلا من باب التضليل وبث مزيد من دخان المزايدات حتى يشرع الاحتلال في حملته العسكرية لإنهاء حماس.
- تزايد التحضيرات لإرسال قوات بدر المتمركزة في الأردن إلى قطاع غزة بعد تحريرها من سيطرة حماس، ما يضيف احتمال آخر امام الكيان الصهيوني للاختيار بين قوات بدر وقوات عربية بينها مصر لدخول واستلام قطاع غزة من الاحتلال الصهيوني الذي يراهن على تنظيف غزة وتحريرها من ايدي حماس عبر تنفيذ اجتياح دموي شامل للقطاع هو عبارة عن احتلال مؤقت، علما ان اكثر المحللين الصهاينة يجمعون على ان ما يؤخر الحملة العسكرية الشاملة على قطاع غزة هو عدم وجود جهة تستلم قطا غزة بعد خروج الاحتلال منه.
على الصعيد الصهيوني:
-يواصل الكيان الصهيوني منذ أشهر توزيع الكمامات الواقية على شذاذه خشيةً تعرضهم لهجوم بأسلحة كيماوية قد يشنه حزب الله رداً على اغتيال قائده العسكري عماد مغنية، أو أي تصعيد طارئ، بالإشارة للجبهة السورية أو صورايخ إيرانية تطلق من الجبهة الشمالية بعد إعلان حزب الله النفير العام في صفوفه.
-تصريحات باراك المتكررة – في سياق الحرب النفسية- عن كون كيانه الأقوى في المنطقة ويمكنه مواجهة أي تهديد، وأنها استعادة الهيبة لقواته عقب هزيمته في حرب تموز 2006م، وإعلان اشكنازي غير مرة عن استعداد جيشه التام والتي كان أخرها أمس، وأنه ينتظر قراراً من القيادة السياسية للبدء في شن الهجوم على غزة.
-المراهنة الصهيونية على التخلص من عقدة حزب الله عبر إغراقه في حرب داخلية مع الموالين لأمريكا والكيان الصهيوني على قاعدة الخلاف حول اسم الرئيس اللبناني، ، لجهة إبعاد قاعدة ايران المتقدمة والمتاخمة للحدود من قائمة التهديد واستغلال ذلك للانقضاض على إيران.
مسؤولية حماس:
وعليه تقع على حركة حماس التي باتت تمثل خيارا شعبيا وثقافة شعب ورهان امة ورأس حربة قوى الخير في العالم لجهة الاستعداد لكل الاحتمالات وجميع السيناريوهات ولجهة تجهيز الخطط والبرامج في جميع المجالات والاتجاهات لمواجهة كل احتمال على حدة بما يضمن بقائها وتجذرها ونجاحها في السيطرة على إدارة قطاع غزة حتى في ظل الحملة العسكرية والاجتياح الذي يهددونا به صباح مساء، فهل من يكون تجهيز حكومة سرية بوزراء غير الوزراء، وبكوادر عمل غير الحاليين، لإدارة القطاع من ضمن الخطط والسيناريوهات التي تعدها حركة حماس لحكم غزة في ظل الاجتياح الشامل – لو تم - .!!