القاهرة وواشنطن.. من دون أزمة جديدة محمد صلاح لم تكن المرة الأولى ولن تكون الأخيرة، ويبدو أن المسؤولين المصريين تمرّسوا على التعاطي مع تصريحات السفراء الأميركيين المتعاقبين والتي تتضمن انتقادات إما لأداء حكومي أو حكم قضائي أو سلوك رسمي تجاه قوى المعارضة. وفي هذا الإطار وضعت الإدارة المصرية التصريحات التي أدلت بها السفيرة الأميركية مارغريت سكوبي وعلّقت فيها على حكم قضى بسجن الناشط الحقوقي الأكاديمي الدكتور سعدالدين إبراهيم لمدة سنتين بعد إدانته بالإساءة لسمعة مصر. بدا رد فعل وزير الخارجية المصري أحمد أبو الغيط وكأنه لا يصدق وصف سكوبي للحكم بأنه «عار» ما أوحى بأن المسؤول المصري لا يتصور أن السفيرة الأميركية تعيد الكرّة مرة أخرى رغم أن إدارتها سبق أن واجهت مواقف مصرية صارمة تجاه كل الانتقادات التي صدرت عن واشنطن في شأن الأوضاع الداخلية في مصر. ولا يبدو أن في الأفق أزمة مصرية - أميركية جديدة على رغم أن الوزير ابو الغيط علّق بحدة على كلام السفيرة، لكنه ترك الباب مفتوحاً كي تتراجع عندما ربط تعليقه بشكوكه حول صدور التصريح عنها، وهي بدورها لم تؤكد أو تنفي أن تكون وصفت الحكم بذلك الوصف، وتركت هي الأخرى الباب مفتوحاً لتحليلات المحللين من دون أن تُؤكد كلامها أو تنفيه. وليس سراً أن الأوساط السياسية المصرية وخصوصاً بين دوائر المعارضة لم تبد ارتياحاً لاختيار سكوبي كسفيرة للولايات المتحدة في مصر ليس فقط بسبب المعلومات التي ترددت عن مواقفها تجاه العرب عموماً لكن أيضاً لكون السفير السابق فرنسيس ريتشاردوني ترك انطباعات جيدة لدى المصريين، من رسميين وشعبيين، بحرصه على عدم الخوض في أمور داخلية مصرية وتفاديه القيام بأفعال قد تفسر على أنها تدخل في الشأن الداخلي. في حين استبقت سكوبي وصولها إلى القاهرة بتصريحات ردت عليها وسائل الإعلام المصرية بحدة فخلقت نزاعاً قبل أن تبدأ مهمتها بشكل رسمي. والى أن تأتي إدارة أميركية جديدة الى البيت الأبيض ستبقى العلاقات المصرية - الأميركية عند مستواها الحالي. ويسود شعور بين المصريين بأن بقايا إدارة الرئيس الأميركي بوش بشكل عام لا تتعاطى ايجابيا مع السياسات المصرية، بل أن القاهرة تعرضت خلال ولايتي بوش اللتين شهدتا أقل عدد من زيارات الرئيس مبارك للولايات المتحدة لمعضلات عكست تبايناً في مواقف الطرفين تجاه قضايا إقليمية عدة، وكذلك أبرزت مواقف متناقضة في شأن قضايا حقوق الإنسان والحريات والديموقراطية داخل مصر. وفي كل الأحوال فإن قوى المعارضة المصرية التي تتهم الحكومة أحياناً بالخضوع لتوجيهات أميركية في شأن قضايا إقليمية أو حتى داخلية، تجد نفسها في موقف مغاير حين ترصد ردود الفعل الغاضبة من جانب المسؤولين المصريين واستخدامهم لغة حادة عند وصفهم كل انتقاد يصدر عن أي مسؤول أميركي تجاه الأوضاع الداخلية المصرية، بمن فيهم الرئيس الأميركي نفسه. وعند رصد ردود الفعل الشعبية تجاه المواقف الرسمية من واشنطن فإن الصورة دائما تشير إلى أن حجم الكراهية الذي تتمتع به الإدارة الأميركية في الشارع المصري يصب في مصلحة كل مسؤول مصري يقدم على انتقاد الأميركيين أو تحدّيهم، كما أن الكراهية نفسها هي التي تجعل بعض دوائر المعارضة تنأى بنفسها عن الدخول في مشاريع مشتركة مع جهات أميركية، في ما يتعلق بالحريات أو الديموقراطية، فالشعب المصري مثل غيره من الشعوب يدرك أن لدى الأميركيين معايير مزدوجة عند الحديث عن الديموقراطية. عن صحيفة الحياة 10/8/2008