إنقلاب موريتانيا : حينما تعجز الديمقراطية عن التصحيح؟؟ نمر الزناتي بتاريخ 18 و 30 حزيران 2007، كتبت مقالين، في الرأي،عن الانقلاب العسكري الذي جاء بالديمقراطية لموريتانيا؟! حينما أطاح بولد الطايع وأنزله عن كرسيٍّ ظنً أنه بعض ممتلكاته الشخصيّة. وقام الانقلابيون بتسليم السلطات إلى هيئات منتخبة ديمقراطيّاً. شهد جميع المراقبين بنزاهتها. واكتفوا على ما يبدو بهذا الإنجاز وقد كان المقالان مداخلة على ما كتبه بعضُ كرام الكتّاب عن الحدث (الانقلابي الديمقراطي؟؟!) حيث استهجن هؤلاء قيام ديمقراطية في بلدٍ (متخلّف) كموريتانيا. وقد ناقشنا هذا القول وسواه مما هو على شاكلته بما فتح اللّه علينا مما اعتقدنا أنه مفيد ونافع. وقد وجد المقالان صدى جيّداً لدى كثيرين. ومن جملة ما ذكرنا أنّ القول بأن موريتانيا (حققت الديمقراطية) قياساً بغيرها، غير دقيق ويحتاجُ إلى فحص. فما حصل أنها اختارت الديمقراطية سبيلاً للحكم وتداول السلطة. لكنها لم تحقّقْ الديمقراطية. فهذه مشوارها طويلٌ طويلٌ مليء بالعثرات والعقبات شأنه شأن كل عمل إنساني يجمع الفردي والجماعي على سطحٍ واحد. وما تحقق فعلاً هو اقتناع الجميع ثم اتفاقهم على الاحتكام إلى صناديق الاقتراع والقبول بما يخرج منها بعد أن يئسوا من هزال الحكم السابق ومسلسل الانقلابات العقيمة. وقد شاء العسكر أن لا يكرّروا تجربة مَن سبق. الموريتانيون في بداية طريق طويل.والديمقراطية عملية طويلة ممتدة غير منقطعة تكبو مرّةً لكن لتنهضَ أقوى مما كانت لتواصل مشوارها الطويل الذي هو مشوار الحياة وإلى الأبد، إلى أن يهتدي الناس لما هو أفضل إن كان هناك حقّاً ما هو أفضل. والعبرةُ كل العبرة في ممارستها بصورة سليمة سلمية وعدم النكول عنها والانقلاب عليها عند أول عثرة أو عقبة أو أزمة؟. يبدو لي أنّ ما حسبناه وتحسّبنا له قد تحقّق. فالعسكر اكتفوا ؟ كما يبدو - من المولد بدور المراقب.. كما أنّ آليّات ديموقراطية الأخوة الموريتانيين فشلت في تصحيح الأوضاع المشكوّ منها وعجزت عن تصويب الانحرافات بالوسائل الديمقراطية. ومن بينها سلوك رئيس الجمهورية وسواه. وما يقال عن انهماكه في ترتيب الأمور لجهة بقائه على رأس الدولة. فالقعدة -كما يبدو - طابت له شأنه في ذلك شأن سلفِه ولد الطايع وغيره من حكام العالم. فراح يؤسّس ويفرش لبقائه في الكرسي لزمنٍ طويل باعتباره (صاحب الدار) ووارثها؟ عن طريق (تأثيث) داره هذه وفرشها بما يلزم من اللّوازم وما تحتاجه من الأزلام؟!. فراح يلعب لعبة إقصاء الأقوياء الذين يرى فيهم خطراً عليه وعلى بقائه، وشراء ولاء آخرين جاهزين للعمل مع كلّ من يلبي طموحاتهم الشخصية ويخدم مصالحهم. المجتمع الموريتاني مجتمع قبلي بسيط، والحكم فيه شبه مباشر، ولا توجد (مسافات) بين السلطات التي لم يتح لها الوقت والتجربة النمو والتمكّن والشخوص. فالحدود بينها متداخلة وغير واضحة، والتجربة ما تزال غضّة طريّة. ومن الطبيعي أن تتعرّض للإجهاض والإحباط. ومن الطبيعي ألاّ تصمد أمام قضايا تعتبر بسيطة ؟ هذا إن قيّض لها أن تحدث ؟ في ديمقراطيّات نضجت ونضجت وسائلها. كما أنّ الحكم يأخذ صفة المشيخة عندهم وعند كثيرين غيرهم. يأتي الرئيس عن طريق صناديق الاقتراع لكنه يحوّل الرئاسة إلى مشيخة والبلاد إلى عزبة. فيفرش ويكوّع وينام..على أمل البقاء حتى الذهاب إلى القبر. الجيّد أن الانقلاب أبيض لم تُرَق فيه قطرة دم واحدة كسابقه. السيء أنْ يأتي تقويم انحراف السلطة بالانقلاب وليس عند طريق السلطة كما يجب أن يحدث، وكما هي عليه الحال في الديمقراطيات، وأعني بذلك عن طريق الرأي العام والانتخاب والسلطة التشريعية أو القضائية. الظاهر أن الرئيس استعمل صلاحياته الدستورية الشرعية حينما أحال العسكر إلى التقاعد وعيّن من يحلّ مكانهم. لكن المخفيّ أنه استعملها لتحقيق غاية أخرى غير شرعيّة تصبّ في مصلحته الشخصيّة ومصلحة بقائه كما ظهر لحدّ الآن. الديمقراطية، كأسلوب من أساليب الحكم، يمكن أن تؤدّي إلى عكس غاياتها حينما يساء استخدامها. حينما تفشل في تصحيح نفسها بنفسها بوسائلها الذاتية. عن صحيفة الرأي الاردنية 9/8/2008