بعد أكثر من ثلاث سنوات من حكم الرئيس الموريتاني محمد ولد عبد العزيز أدخل بلاده خلالها في أزمة سياسية ودستورية واكبها فشل تام في إدارة الدولة وتدهور حاد في ظروف معيشة السكان ونهب ممنهج لثروات البلاد, فضلا عن مغامرات عسكرية وتخبط دبلوماسي وتشهد الساحة السياسية الموريتانية حراكا شعبيا وسياسيا متواصلا طرفاه حركة الشباب المناهضة للنظام ومنسقية المعارضة من جانب والحزب الحاكم والأغلبية الداعمة لولد عبد العزيز من جانب آخر. وفي وقت صعدت فيه حركة الشباب ومنسقية المعارضة باتجاه إسقاط النظام وطالبت ولد عبد العزيز بالرحيل, ركز الأخير علي توجيه الاتهامات لمناوئيه بالتصعيد من أجل تخريب البلاد وصنع ثورة علي غرار ثورات الربيع العربي دون أي مبرر وليست لها أدني فرصة للنجاح كما يصفها أنصار النظام. ولعل من أبرز الدوافع التي تسهم في إشعال الأزمة- خاصة مع شبح الجفاف الذي يهدد موريتانيا هذا العام انتشار البطالة وارتفاع الأسعار والفوضي وفقدان المواطنين للأمن. وكان ولد عبد العزيز قد تعهد عقب توليه الحكم ببناء موريتانيا الجديدة.. غير أن ماحدث هو ظهور موريتانيا اخري ليس فيها سوي طوابير لا نهاية لها للفقراء وللعاطلين ولأصحاب المظالم...تزداد طولا وعددا مع مرور الأيام! وقد اعتبر بعض المحللين أن الرئيس الأسبق ولد الطايع عاد من جديد متجسدا في ولد عبدالعزيز, الذي بدا كأنه تناسي تعهداته, غداة استيلائه علي السلطة بتقليص صلاحيات رئيس الجمهورية, وتعزيز دور البرلمان, وتوسيع نطاق الحريات العامة, وترسيخ الممارسة السياسية السليمة, وتوطيد الوحدة الوطنية, وتحسين الظروف المعيشية للمواطنين ومكافحة الفقر والفساد, والقضاء علي الإرهاب والانفلات الأمني, واستعادة موريتانيا لمكانتها. ولأن وعود الإصلاح لم تتحقق, اتجهت منسقية المعارضة نحو التصعيد حيث قررت إسقاط النظام في أقرب الآجال ونظمت مهرجانات مختلفة في العاصمة وفي معظم والولايات لحشد التأييد الشعبي, وخوفا من الفوضي التي قد تواكب الثورة الشعبية و من ثم خلع النظام حتي خرجت أحزاب المعارضة الموريتانية المحاورة للنظام عن صمتها أخيرا لأول مرة, ووجهت نداء لولد عبد العزيز باسم الوطن لإحداث تغيير جذري في طريقة حكمه, معلنة عن تشكيلها لمنسقية سياسية جديدة تدعي المعاهدة من أجل التناوب السلمي, متهمة بعض أحزاب المعارضة بإثارة التمرد والثورة والفوضي والتغييرات اللادستورية العنيفة. وانتقدت المنسقية لرفضها نتائج الحوار علي الرغم من أنها هي التي اختارت أن تغيب عنه بمحض إرادتها. وقالت إن منسقية المعارضة الديمقراطية قررت عمدا أن تكون خارج اللعبة بتحريضها المتواصل عبر رفع شعارين تقليديين: طرد رئيس الدولة بالقوة, وإعلان لا شرعية البرلمان. و في ظل إصرار المعارضة علي مطلب رحيل ولد عبد العزيز عن السلطة, وإصراره هو في المقابل علي البقاء, يبدو الوضع السياسي والأمني متأزما وتقترب موريتانيا الجديدة من حافة الهاوية.