فى غمضة عين ضاع معاوية ولد سيد أحمد الطايع ، ...بعد أكثر من واحد وعشرين عاما قضاها متربعا على مقعد السلطة، تحول فى لحظة واحدة من ولد الطايع إلى ولد الضايع! باعتبار أنه الآن لم يعد أمامه إلا التشرد وإطلاق البيانات الساخنة من العواصم الأفريقية التى يتنقل بينها!،...كان ولد الطايع خارج بلاده يؤدى واجب عزاء عندما أطاح به الإنقلاب الأخير ... ولو كان يعلم أن أداء مثل هذا الواجب سوف يترتب عليه ما حدث،..لو كان يعلم، فلربما كان قد كف عن أداء جميع الواجبات بما فى ذلك الواجبات الزوجية!، ولكان قد تفرغ للواجب الوحيد الذى ينبغى أن يتفرغ له رئيس دولة قد عقدت عزمها على أن تبقى فى العالم الثالث إلى الأبد!!، وأعنى به إحكام القبضة على البلاد، والبقاء فى سدة الحكم أيا ما كان الأسلوب وأيا ما كان الثمن! ...والحق يقال فإنه قد بذل جهدا لا يمكن إنكاره فى هذا المجال فقد ترأس الحزب الديموقراطى وهو الحزب الذى كان حاكما فى موريتانيا قبل الإنقلاب الأخير ولا يهم بقية اسم الحزب فالمهم أنه مثل كثير من الأحزاب الحاكمة فى الدول العربية يحمل وصف الديموقراطى ضمن ما يحمله من أوصاف أخرى، وقد جاء هذا (الديموقراطى) إلى الحكم محمولا على الدبابات فرنسية الصنع التى كان يقودها ولد الطايع نفسه فى انقلاب عام 1984والذى جعل من موريتانيا دولة ذات علاقات خاصة جدا بفرنسا، غير أن هذه العلاقات الخاصة سرعان ما تزعزعت مع بشائر اكتشاف البترول فى موريتانيا، وبوجه خاص عندما أثبتت نتائج الإختبارات الميدانية أن موريتانيا تمتلك احتياطيا ضخما من البترول والغاز الطبيعى، عندئذ ألقت الولاياتالمتحدة بثقلها فى اتجاه موريتانيا وقامت بتشجيعها، أو بالأحرى قامت بالضغط عليها لنسف جسورها مع فرنسا وإقامة جسور أمريكية وإسرائيلية بدلا منها، وقد نجحت الجهود الأمريكية فى جعل ولد الطايع يقوم عام 1999 بطرد الخبراء الفرنسيين وإلغاء معاهدة التعاون العسكرى بين موريتانيا وفرنسا، ثم يعمد بعد ذلك بعام وفى توقيت له دلالته إلى إقامة علاقات ديبلوماسية مع الكيان الإسرائيلى بعد أسابيع قليلة من اندلاع الإنتفاضة الفلسطينية الباسلة، وبعدها كفّت أمريكا عن توجيه الإتهامات التى دأبت على توجيهها إليه على مدى الخمسة عشرعاما السابقة وهو أنه على رأس نظام عسكرى فاسد دائم الإنتهاك لحقوق الإنسان، بل إنها مضت فى مكافأتها إياه إلى أكثر من ذلك، عندما قامت بالسعى لدى صندوق النقد الدولى لإلغاء مبلغ مليار دولار قيمة مديونية موريتانيا للبنك، وقد قام ولد الطايع بدوره برد الجميل من خلال بيع مصفاة النفط الموريتانية إلى إحدى الشركات الأمريكية بما يوازى عشرة فى المائة فقط من قيمتها الحقيقية،... وربما كان ولد الطايع يتوقع بناء على ذلك مزيدا من الدعم الأمريكى ، لكنه مثل كل أولاد الطايع لم يقرأ التاريخ جيدا ، ولم يستوعب ذلك الدرس المعاد المكرر، وهو أن أمريكا لا تتورع عن مباركة أى انقلاب يطيح بأى حاكم بدأ شعبه يتململ منه ويضيق به أيا ما كانت الخدمات التى سبق أن أسداها إليها ، وهكذا كان من الطبيعى أن يتحول ولد الطايع فى غمضة عين إلى ولد الضايع.