تم تكليف مولاى ولد محمد لغظف من قبل قادة الانقلاب العسكرى بتشكيل أول حكومة فى عهد العسكريين الجدد، فمن هو ولد محمد لغظف، الذى اختاره قادة الانقلاب من بين رجال السياسة والديبلوماسية فى موريتانيا ليكون واجهتهم السياسية؟ لم يشغل ولد محمد لغظف أية مناصب سياسية فى موريتانيا، باستثناء عمله سفيرا لبلاده فى بروكسل، هو رجل أعمال ولد عام 1957، ينحدر من ولاية الحوض الشرقى، ويعتبر من الشخصيات المقربة من حكام نواكشوط الجدد وهو حفيد مولاى محمد بن الشيخ ماء العينين، الذى كان أحد أبرز شيوخ العشائر المناهضة للاستعمار الأسبانى ومن بعده الاستعمار الفرنسى فى موريتانيا فى بداية القرن الماضى. درس لغظف القانون غير أنه تمتع بحس تجارى نافذ، وعندما أسس شركة تجارية حقق نجاحا خلال سنوات وأصبح لشركته عدة فروع فى أسبانيا وفرنسا وبلجيكا إلى أن عين عام 2005 سفيرا لبلاده فى بروكسل من قبل العقيد ولد محمد فال، الذى قاد انقلابا عسكريا أطاح بولد الطايع. يبدو أن اختيار قادة انقلاب السادس من أغسطس 2008 لولد لغظف جاء لاعتبارات عديدة، منها أنه من الشخصيات ذات البعد العشائرى الكبير، وأنه لم ينتم لأى من الأحزاب الموريتانية، كما أن للرجل علاقات وثيقة بشخصيات سياسية أوروبية بارزة، وهو ما قد يدعم الانقلابيين، خاصة إذا ما علمنا أن الاتحاد الأوروبى كان أول من ندد بالانقلابيين، الذين وعدوا لدى وصولهم للحكم الأسبوع الماضى بإجراء انتخابات رئاسية جديدة. اللافت أن الجنرال محمد ولد عبد العزيز قائد الانقلاب العسكرى الذى أمسك بزمام السلطة فى موريتانيا، تلقى دعما من قسم كبير من الطبقة السياسية فى البلاد، فقد وقع أكثر من ثلثى نواب البرلمان الموريتانى ونسبة مماثلة تقريبا من أعضاء مجلس الشيوخ على وثيقة تؤيد الانقلاب وزعيمه. وجاء فى الوثيقة التى مهرها السياسيون بتوقيعاتهم أن الجيش قام بواجبه، عندما أطاح بالرئيس سيدى ولد الشيخ عبد الله الذى اتهمه النواب بانتهاك الدستور الموريتانى، ودعا السياسيون المجتمع الدولى إلى تقبل التغيير اللاديمقراطى الأخير لمصلحة الاستقرار فى البلاد. وكان المجتمع الدولى قد أدان بشدة الحركة الانقلابية، وقام بخطوات لمعاقبة موريتانيا، وعلق الاتحاد الأفريقى عضوية موريتانيا، كما جمدت الولاياتالمتحدة وفرنسا برامج المساعدات التى كانت تقدمها لموريتانيا، إلا أن الدعم الذى عبر عنه ممثلو الشعب الموريتانى المنتخبون لنظام حكم الجنرال محمد ولد عبد العزيز العسكرى، سيزيد من مصداقيته لا محالة. من جانب آخر، اتخذت بعض الأحزاب السياسية الموريتانية موقفا معاديا للحركة الانقلابية، ونظمت تجمعات جماهيرية للمطالبة بإعادة الرئيس ولد الشيخ عبد الله إلى سدة الحكم، وأكدت الوثيقة البرلمانية أن غالبية النخبة السياسية الموريتانية تؤيد الانقلابيين. ويعتقد قسم من هؤلاء أن فشل الرئيس ولد الشيخ عبد الله فى معالجة مشكلة ارتفاع أسعار المواد الغذائية، إضافة إلى اتهامات الفساد التى طالت زوجته، جعلته غير كفء لتبوء منصبه، بينما يحاول آخرون التزلف لحكام البلاد الجدد. وكان رئيس مجلس الدولة الجنرال ولد عبد العزيز بدأ الأربعاء مشاورات أولية لتشكيل الحكومة المقبلة، التى ينتظر الإعلان عنها خلال الأيام القليلة المقبلة، واستقبل ولد عبد العزيز فى هذا السياق عددا من رؤساء الأحزاب السياسية، بما فيها الأحزاب المعارضة للانقلاب. وقال تكتل القوى الديمقراطية وهو حزب المعارضة الرئيسى الذى يتزعمه أحمد ولد داداه، إنه سيشارك بحقائب مهمة فى الحكومة الجديدة، وقال رئيس حزب الاتحاد والتغيير الموريتانى صالح ولد حننا، إن الرئيس الجديد عرض على حزبه المشاركة فى الحكومة وإن حزبه أكد مبدئيا عدم اعتراضه على المشاركة، مضيفا أن هناك بعض المسائل التفصيلية التى تحتاج إلى نقاش وتفاهم. أوضح رئيس حزب التجمع الوطنى للإصلاح والتنمية الإسلامى محمد جميل منصور، الذى التقى الأربعاء بالرئيس ولد عبد العزيز، أنه لم يعرض على حزبه المشاركة فى الحكومة الجديدة التى ينتظر الإعلان عنها فى الأيام القليلة القادمة، مؤكدا رفضه للمشاركة فى الحكومة المزمع تشكيلها، إذا عرضت عليه، انطلاقا من موقفه المبدئى المعارض للانقلاب. يذكر أن موريتانيا قد شهدت أحد عشر انقلابا فى العقود الثلاثة الأخيرة.