هل يمكن للانتخابات الباكستانية القادمة أن تمثل مخرجاً من الأزمات السياسية الحالية ومدخلاً إلى استئناف الحياة الديمقراطية؟
فهذا البلد الذي عاش أكثر من نصف عمره بعد الاستقلال في ظل حكومات انقلابية عسكرية حكمت 33 عاماً، بينما لم تحكم فيه الحكومات المدنية الديمقراطية سوى 27 عاماً، يبدو أنه لن يتجاوز أزماته إلا بعودة الحياة الديمقراطية وبحكومة تمثل الإرادة الشعبية الحقيقية من خلال انتخابات حرة ونزيهة بمشاركة جميع التيارات والأحزاب السياسية دون إقصاء.
وبينما يقترب موعد الانتخابات العامة، فقد سبقتها أكثر من أزمة، وتنتظرها أكثر من عاصفة، فمنذ الانقلاب العسكري بقيادة الجنرال «برويز مشرف» على الحكومة المنتخبة لحزب «الرابطة الإسلامية» برئاسة «نواز شريف» قبل ثماني سنوات شهدت باكستان عدة تحديات خارجية وداخلية.
في الخارج كان اضطرارها إلى التحالف مع أميركا تحت التهديد والانقلاب على حلفاء الأمس في أفغانستان وذلك في إطار ما يسمى «الحرب على الإرهاب», بكل ما كان لهذا التحالف من آثار وتداعيات وردود فعل داخلية شعبية خاصة في منطقة القبائل الباكستانية، وفي الداخل لم تكن أولى الأزمات هي خلافات الرئيس الجنرال «برويز» مع المعارضة على الاحتفاظ بقيادة الجيش إلى جانب رئاسة الجمهورية.
ولا كان أوسطها إقدام الرئيس على عزل رئيس المحكمة العليا الباكستانية «شودري» التي فجرت معارضة شعبية واسعة، ولا كان آخرها دفع الجيش إلى فض اعتصام طلاب «المسجد الأحمر» بالقوة المسلحة بإجراء دموي مما ألقى بظلال سلبية غاضبة في الأوساط الشعبية والسياسية، وأحدث فتنة بين المعارضين والجيش الأمر الذي أدى إلى تعرض الجيش لهجمات مؤسفة، وبين زعماء القبائل في إقليم «وزيرستان» والحكومة أدت إلى إلغاء القبائل للتعاون مع الحكومة ضد حركة «طالبان» الأفغانية.
هذه الأزمات والتداعيات الداخلية كانت لها أيضاً انعكاسات وتداعيات خارجية حيث أغرت هذه الأزمات الداخلية بعض المسؤولين الأميركيين بالتهديد في سابقة خطيرة بشن هجمات جوية على منطقة القبائل عند الضرورة حتى ولو بدون استئذان الحكومة الباكستانية مما دفع الرئيس «مشرف» إلى الاعتراض بشدة على أي انتهاك للسيادة الباكستانية من جانب القوات الأميركية.
يحدث هذا في ظل نوع من الأزمة الصامتة بين واشنطن وإسلام أباد بسبب ضغوط الإدارة الأميركية على «مشرف» واتهاماتها له بالتقصير في التعاون مع القوات الأميركية في الحرب ضد طالبان خصوصاً في منطقة الحدود الباكستانية الأفغانية!
هذه الأزمات والتوترات السياسية الداخلية والخارجية التي وضعت نظام الرئيس الباكستاني في أكثر من مأزق، دفعت به إلى عدد من التحركات الخارجية لتقوية وضعه الداخلي استباقاً للعاصفة التي تتجمع في الأفق، بدءا بالذهاب إلى أفغانستان للتنسيق مع حكومة «قرضاي» في مواجهة طالبان، وحضور «اللويا جيرجا» الأفغانية التي خرجت منها إلى جانب ذلك دعوة للحوار مع حركة طالبان الأفغانية تبناها عدد من زعماء القبائل في هذه «الجيرجا».
ومع اقتراب موعد الانتخابات ومع إعلان كل من «بنازير بوتو» زعيم حزب الشعب الاشتراكي ورئيسة الوزراء السابقة، و«نواز شريف» زعيم حزب «الرابطة الإسلامية» ورئيس الحكومة التي أطاح بها انقلاب مشرف عزمهما على العودة إلى باكستان لخوض هذه الانتخابات سعياً لتغيير النظام الحالي والعودة إلى الديمقراطية تزداد الأزمة السياسية تعقيداً قد يقود الانتخابات إلى نوع من الانفراج.
وقد بادر الرئيس مشرف إلى الاجتماع مع السيدة «بنازير» خلال زيارته الأخيرة لدولة الإمارات في محاولة للوصول إلى صيغة ما للتفاهم في ظل نصائح أميركية له باقتسام السلطة مع حزب بوتو العلماني لتقوية حكومته في مواجهة المعارضة الإسلامية في الشارع الباكستاني.
وقد نتج عن هذا الاجتماع موافقة «مشرف» على مبدأ عودة بوتو مع اختلافه معها على توقيت هذه العودة، كما حدثت اتصالات مماثلة مع الزعيم الإسلامي «نواز الشريف» بشأن ترتيبات العودة لتجنب تأزم الوضع خلال الانتخابات.
فهل ينجح «مشرف» بتحركاته الداخلية والخارجية في عبور الأزمة التي لا يبدو مخرجاً منها إلا بتنظيم انتخابات ديمقراطية نزيهة وشفافة بمشاركة جميع القوى السياسية الليبرالية منها و العلمانية و الإسلامية دون محاولة للإقصاء أو للتهميش أو الالتفاف مرة أخرى على الديمقراطية.