اغتيال بنازير بوتو هو جريمة ضد امرأة شجاعة وضد استقرار البلاد والسلام في العالم. لم تكن بوتو قائدة كاريزمية ومثالاً للمرأة الباكستانية والمسلمة وحسب بل كانت أيضاً قائدة سياسية مثقّفة وبعيدة النظر. كانت ضمانة لحياد العالم الغربي والتنمية القوية لبلادها. كانت المفتاح لإدارة الوضع الصعب في آسيا الوسطى ولا سيما في باكستان وأفغانستان. ولذلك قتلوها قبل الانتخابات التي كان من المزمع إجراؤها في الثامن من الشهر الجاري. قتلوا بنازير بوتو لأنها كانت خطرة جداً. كان قتلها الفرصة الأخيرة لإبقاء باكستان تحت سيطرة برويز مشرف والعسكر، لأنه كان واضحاً في باكستان وخارجها أن "حزب الشعب الباكستاني" كان يملك فرصة كبيرة للفوز في الانتخابات. لم تكن بنازير بوتو امرأة عادية. أطيح والد بنازير، ذو الفقار علي بوتو، من منصبه إثر انقلاب عسكري عام 1977 بقيادة قائد الجيش آنذاك محمد ضياء الحق الذي فرض الأحكام العرفية لكنه وعد بإجراء انتخابات في غضون ثلاثة أشهر. لكن لاحقاً وبدلاً من الوفاء بوعده وإجراء الانتخابات، اتهم ضياء الحق ذو الفقار علي بوتو بالتآمر لقتل والد السياسي المنشق أحمد رضا كاسوري. وحكمت المحكمة العسكرية على بوتو بالإعدام. وقد عاشت بنازير بوتو في المملكة المتحدة لفترة طويلة وأصبحت الزعيمة المنفية ل"حزب الشعب الباكستاني". عام 1988، وفي أول انتخابات مفتوحة منذ أكثر من عقد، فاز حزب بوتو بأكبر كتلة نيابية في الجمعية الوطنية. أقسمت بوتو الولاء رئيسة للوزراء على رأس حكومة ائتلافية فأصبحت بسن الخامسة والثلاثين رئيسة الوزراء الأصغر سناً والمرأة الأولى التي ترئس حكومة دولة ذات غالبية مسلمة في الزمن الحديث. وتجسّدت إنجازاتها في ذلك الوقت بإطلاق مبادرات للإصلاح القومي والتحديث، وقد اعتبر بعض المحافظين أنها تسعى إلى إضفاء الطابع الغربي على باكستان. أقيلت حكومة بوتو عام 1990 على خلفية اتهامها بالفساد لكنها لم تُحاكَم قط بهذه التهمة. أعيد انتخابها بوتو رئيسة للوزراء عام 1993 لكنها أقيلت بعد ثلاث سنوات وسط فضائح كثيرة على صلة بالفساد تورّط فيها الرئيس فاروق ليغاري الذي استعمل الصلاحيات الاستنسابية المنصوص عليها في التعديل الثامن لحلّ الحكومة. كانت حياتها مليئة بالألم. فإلى جانب والدها، فقدت بنازير شقيقين. عام 1985، قُتل شقيقها شهنواز في ظروف غامضة في فرنسا. وأدى مقتل شقيقها الثاني، مير مرتضى، عام 1996 إلى زعزعة ولايتها الثانية كرئيسة للوزراء. كانت رمزاً لكثيرين في باكستان، وخياراً جيداً ليس للولايات المتحدة وحسب بل للمجتمع الدولي بكامله. كانت امرأة استطاعت قيادة بلد محوري في قلب آسيا الوسطى يملك قوة نووية ويتواجد فيه تنظيم "القاعدة" بقوة. لم تقتل مجموعة واحدة بنازير بوتو. فعلى الأرجح أنه كان هناك نوع من التآمر بين الحكومة الحالية وحركة "طالبان" و"القاعدة"، على الرغم من أنه لم يتضح بعد للكثير من المحللين أي فرع من "القاعدة" أدّى دوراً في هذا الاعتداء. على الأرجح أن المعارضة ستتهم السلطات بإرجاء الانتخابات لمساعدة الحزب الحاكم المتحالف مع الرئيس برويز مشرف. يعتقد كثر أنه من شأن حزب بوتو أن يفيد من موجة تعاطف إذا أجريت الانتخابات في موعدها. وكانت بوتو قد اتهمت عناصر في الحزب الحاكم بالتخطيط لقتلها، الأمر الذي ينكره الحزب. إذاً نحن الآن أمام امرأة بريئة اغتيلت، وبلد ينهار وشهر من الانتظار يمكن أن يحصل أي شيء خلاله. بريطانيا والولاياتالمتحدة قلقتان. وهما أيضاً متحمستان لحصول الانتخابات في موعدها، لكنهما أشارتا إلى أنهما تقبلان بتأجيل قصير. إلا أنهما تأملان الآن ألا يسوء الوضع أكثر. لسوء الحظ، كل شيء يشير إلى أن الوضع يمكن أن يسوء. قبل يومين، قال لطيف خوسا، وهو مشترع من "حزب الشعب الباكستاني" إن بوتو كانت تنوي أن توزّع على المشترعين تقريراً عن الشكاوى حول "التزوير قبل الانتخابات الذي تمارسه حكومة مشرف ومديرية الاستخبارات التي يديرها الجيش". وقال خوسا إنه لا يعلم إذا كان مقتل بوتو على صلة بنيتها الإعلان عن الوثيقة. رفض المسؤولون في وزارتي الإعلام والداخلية التعليق. وأنكرت الحكومة تهم تزوير الانتخابات وقالت إن لا علاقة لها بمقتل بوتو. ويتحدث الملف عن حالات عدة من التدخل في الانتخابات مثل جلوس ضابط من الاستخبارات بينما كان مسؤول انتخابي يرفض أوراق الترشيح التي يقدّمها مرشحو المعارضة، كما قال خوسا. ومنع مسؤول آخر أحد المرشحين من تقديم ترشيحه في إقليم بالوشستان الجنوبي الغربي، بحسب خوسا الذي أعد التقرير بصفته رئيس الفريق الانتخابي في الحزب. مشرف ضعيف جداً الآن، لكن في المقلب الآخر خسرت القوة المعارضة الأساسية القائدة الوحيدة والأكثر كاريزمية. لا نعرف إذا كان ابن بوتو، بيلاوال زرداري، سيكون زعيماً قوياً مثل والدته. لا يسعنا سوى أن ننتظر ونأمل ونرى. قال مسؤولون أميركيون إن الولاياتالمتحدة انضمت إلى الدعوات المطالبة بإشراف خبراء دوليين على الانتخابات، وتتوقع من المحققين في الشرطة البريطانية أن يؤدوا دوراً مهماً. كانت باكستان الديموقراطية لتشكل الضمانة الفضلى لآسيا الوسطى على طريق السلام. كان تنظيم "القاعدة" أو من قتل بنازير بوتو يعرف ذلك جيداً. لسوء حظهم لم تعد المسألة الفلسطينية أو الوضع في العراق كافيين لزعزعة الاستقرار في العالم الإسلامي والاستقرار الدولي. ففصول هذه الجريمة لا تكتمل إلا بإضعاف باكستان أكثر فأكثر وزيادة "القاعدة" قوة. ومن دون بنازير، يصبح تنفيذ هذا المخطط أسهل بكثير. إنها آفاق سيئة للشعب الباكستاني ولنا جميعاً وكذلك للولايات المتحدة. مقتل بنازير بوتو هو المشكلة الكبيرة الأخيرة في السياسة الخارجية الأميركية.