يحدث في (الاراضي الفلسطينية).. الآن! محمد خروب لم تكتف الحركتان.. فتح وحماس بكل ما الحقتاه بقضية الشعب الفلسطيني ومشروعه الوطني الذي يقف على حافة التصفية، نتيجة صراعهما المكشوف (اقرأ المفضوح) على السلطة وتجاوزهما كل قواعد اللعبة المقبولة، بل هما الآن تحت مجهر منظمات حقوق الانسان الفلسطينية وخصوصاً الدولية، حيث احتل موضوع التعذيب الذي تمارسه الحركتان بصورة منتظمة، صدر الصفحة الاولى لصحيفة الاندبندنت البريطانية الرصينة وذات المصداقية والمهنية العاليتين. الصحيفة البريطانية نشرت تقريراً اخبارياً لمراسلها في القدس يتحدث بالتفصيل ونقلاً عن تقارير لمنظمات معنية بحقوق الانسان تقول: ان التعذيب يمارس بصورة منتظمة على الفلسطينيين الذين تعتقلهم الاجهزة الامنية التابعة لحركة فتح في الضفة الغربية، كذلك الذين تعتقلهم حركة حماس في قطاع غزة. لا داعي لاستحضار مقولات وابحاث ودراسات علماء النفس، الذين قالوا ان الضحية غالباً ما تلجأ الى تقمص دور الجاني والتَمثُّل به في اغلب الأحيان، في محاولة للتغلب على عوامل القهر والنقص واحياناً الدونية التي صاحبتها وهي تجلس على مقاعد او في سجون القامع والمحتل اضافة الى رغبتها في التعويض عن مثل هذه الامراض والاثار الجانبية النفسية المدمرة بممارسة دور الجلاد كلما سنحت لها الفرصة. يحدث هذا من اسف على ارض فلسطين وتحديداً منذ ان برزت السلطة الفلسطينية كنتاج لاتفاق اوسلو ومنذ ان تم نقل عقلية ونموذج وشخصيات جمهورية الفاكهاني الى رام اللهوغزة، وبات معيار الوطنية والنجاح في نظر اصحاب السلطة، عسسها وثلة كتبة التقارير هو قمع الخصوم والمنافسين وتصويرهم وكأنهم في معظمهم عملاء للشاباك الاسرائيلي ومن تبقى منهم انما يريدون افشال القفزة النوعية التي حققتها قيادة الثورة عندما نقلت الصراع الى ارض فلسطين التاريخية ووضعت المشروع الصهيوني (لأول مرة) امام سؤال وجودي لم يسبق ان طرحته اسرائيل المنتصرة على الدوام، على جدول اعمالها، وخصوصاً بعد الانتصار المدوي في حرب الايام الستة عام ,67. نكلّت السلطة الوطنية الفلسطينية بخصومها السياسيين وكانت حماس الضحية الاولى للأجهزة الامنية المتعددة التي انشأتها السلطة على عجل لحماية التجربة الفذة ولتكون نواة اجهزة الدولة العتيدة التي سترى النور في العام 1999، كما اشّر على ذلك اتفاق اوسلو، الذي وقعوا ضحيته ولم تسعفهم حماستهم لالقاء المعارضين لمسيرة اوسلو في السجون، ولم تسهم عمليات نتف اللحى وعدم احترام الرموز الدينية والسياسية في اقناع رابين او بيرس ولا نتنياهو وخصوصاً باراك بالنيات الحسنة للقيادة الفلسطينية التي ستغدو بعد عام واحد فقط من وجود ايهود باراك في السلطة، بأنها غير ذي صلة، وان اسرائيل تفتقد الى شريك فلسطيني لانجاز تسوية تاريخية معه. حماس من جهتها، ركبت الموجة، واستغلت ارتباك السلطة وضعفها، وربما هشاشة وضعها والاحتمالات الماثلة لانهيار مسيرة اوسلو بأكملها، فراحت تمارس لعبة الاستفزاز والاحراج اكثر مما كانت راغبة في تكريس برنامج نضالي مقاوم، مضاد لبرنامج السلطة او بديل عنه.. واختارت ان تكون ضحية وراحت تصف السلطة بالقمعية، وانتهاك حقوق الانسان، وممارسة التعذيب، ولم تكن تلك الاتهامات - في واقع الحال - بعيدة عن الحقيقة لأن سجون السلطة شهدت حالات من موت معتقلين سياسيين داخلها، اكدت منظمات حقوق انسان محايدة فلسطينية واسرائيلية واجنبية انها كانت بسبب التعذيب الذي يمارس على نطاق واسع وبلا ضوابط او معايير او انظمة واضحة. عاد التعذيب في السجون الفلسطينية الان الى واجهة الاحداث ولكل من الحركتين المتنافستين سجونها وسجانوها وزنازينها وادوات التعذيب متوفرة وتحت الطلب. لا داعي للعودة الى الاسطوانة المشروخة التي رددتها سلطة الرئيس الراحل عرفات والتي تتهم كل من يتحدث عن هذا الموضوع بانه يخدم اسرائيل والصهيونية وكل اعداء الشعب الفلسطيني (هذا إن لم تتهمه بانه عميل لهم) وان نشر هذه التقارير انما يستهدف التشهير بالنضال الفلسطيني وتشويه صورته. من يشوه صورة النضال الفلسطيني هم اولئك الذين فتحوا السجون واغلقوا المراكز الصحية والمدارس ووكالات الانباء ومنعوا توزيع الصحف وضاقوا ذرعا بالرأي الآخر ولا يعترفون بشيء اسمه المعارضة. من يشوه صورة النضال الفلسطيني هم الذين يسارعون الى اعتقال معارضين والخروج على الناس بتصريحات معيبة ودعوات مخجلة يتردد اسرائيليون في الحكومة وجيش الاحتلال عن الادلاء بها. تستوي هنا حركة حماس مع حركة فتح، ولا يكاد المرء ان يكتشف ان ثمة فوارق حقيقية بينهما لان النهج والتفكير والرؤى وخصوصا العقلية القمعية الثأرية احادية النظرة التي تحكم سلوكهما. لن يكون مفاجئا ان تخرج دعوات اليوم الاربعاء من منظمة هيومان رايتس ووتش، للمجتمع الدولي الذي تعهد بتقديم 4 مليارات جنيه استرليني (7 مليارات دولار) للسلطة الفلسطينية بأن يتأكد من ان القوات الامنية الخاصة بتلك السلطة لا تستخدم التعذيب وتحترم حقوق الانسان.. كما ليس مستغربا ان يتحدث تقرير هذه المنظمة الشهيرة وتقرير منظمة الحق الفلسطينية (اليوم ايضا) عن حالتين حدثتا في غزة (حيث تحكم حركة حماس) تم فيهما اطلاق النار من مسافة قريبة على المعتقلين. التعذيب في الاراضي الفلسطينية حقيقة يجب ان يخجل الذين يمارسونه من انفسهم ويعتذرون من شعبهم. عن صحيفة الرأي الاردنية 30/7/2008