المؤتمر العام لمنظمة العمل الدولية يصوت بالإجماع لصالح رفع عضوية فلسطين إلى دولة مراقب    السفير الأمريكي لدى اليابان: المحادثات بشأن الرسوم الجمركية لن تقوض التحالف بين البلدين    موعد مباراة الأهلي وباتشوكا استعدادا لكأس العالم للأندية| والقنوات الناقلة    بث مباشر مباراة تونس ضد المغرب وديًا    القبض على سائق ميكروباص لسيره عكس الاتجاه بعين شمس    البنك المركزي الروسي يخفض سعر الفائدة للمرة الأولى منذ مايقرب من ثلاث سنوات    نائب محافظ قنا يتابع جاهزية مركز سيطرة الشبكة الوطنية للطوارئ خلال عيد الأضحى    فلسطين ترحب برفع عضويتها إلى دولة مراقب في منظمة العمل الدولية    مواعيد مواجهات الوداد المغربى فى كأس العالم للأندية 2025    المملكة المتحدة : تحديد جلسة لمحاكمة 3 أشخاص في افتعال حرائق استهدفت رئيس الوزراء البريطاني    مخاوف من ارتفاع أسعار الذهب مع بدء الرد الروسي على أوكرانيا.. رئيس «الشعبة» يوضح    فروع البنك الأهلي المصري تعمل خلال العيد لتلبية احتياجات العملاء    العودة من بعيد.. رافينيا أفضل لاعب في الدوري الإسباني    ترامب يدعو مجلس الفدرالي الأميركي إلى خفض أسعار الفائدة نقطة مئوية كاملة    نشاط وزارة التربية والتعليم والتعليم الفني في اسبوع    تركي آل الشيخ يكشف حقيقة انضمام زيزو ل «7Dogs»    مصطفى حمدى يكتب: هل يسابق «نجم الجيل» الزمن فى عصر ال «تيك توك»؟!    ياسر جلال يحتفل بعيد الأضحى بصحبة مصطفى أبوسريع أمام مسجد الشرطة (فيديو)    أحمد العوضي من مسقط رأسه بعين شمس: «ضحينا وسط أهل بلدي»    محافظ السويس يتفقد المنشآت الطبية فى أول أيام عيد الأضحى المبارك    في أول أيام عيد الأضحى.. غرفة الأزمات بصحة المنوفية تنعقد لمتابعة المنشآت الصحية    مائدة صحية فى عيد الأضحى ومخاطر الإفراط فى تناول لحوم الأضحية    الملايين يصلون «الأضحى» بالساحات والمساجد فى القاهرة والمحافظات    كيفية اختيار أضحية العيد وشروطها؟.. استشاري توضح    وزير التموين: استمرار عمل المجمعات الاستهلاكية خلال أيام العيد    مصرع طفل سقط من علو في أكتوبر    حسين لبيب: تتويح الزمالك ببطولة كأس مصر نتاج عمل جماعى.. صور    وزيرة العدل الأوكرانية: أمامنا عام واحد لتلبية شروط التمويل الأوروبي الكامل    السعودية: 10 آلاف نشاط توعوى و34 مليون رسالة خلال يومي التروية وعرفة    الهيئة الوطنية للإعلام تنعى الإذاعية هدى العجيمي مقدمة برنامجي مع الأدباء الشبان وإلى ربات البيوت    السينما والمسرحيات.. أشهر أفلام عيد الأضحى التي لا غنى عنها في البيوت المصرية    وزير الأوقاف يشهد صلاة الجمعة بمسجد سيدنا الإمام الحسين بالقاهرة    أمين "الجبهة الوطنية" يؤدي صلاة عيد الأضحي مع أهالي قريته بالغربية (صور)    نسب وأرقام.. أول تعليق من حزب الأغلبية على «القائمة الوطنية» المتداولة ل انتخابات مجلس الشيوخ    بالفيديو| مها الصغير تغني "علي صوتك" ومنى عبدالغني تشاركها الغناء    محافظ الدقهلية يزور الأطفال الأيتام في أول أيام عيد الأضحى    الصحة: إجراء 2 مليون و728 ألف عملية جراحية ضمن المبادرة الرئاسية لإنهاء قوائم الانتظار    الرئيس النمساوي يهنئ المسلمين بعيد الأضحى المبارك    "السياحة والمصايف" بالإسكندرية: نسبة الإشغال أول يوم الغيد بلغت 40%    باكستان تدين الغارات الإسرائيلية على الضاحية الجنوبية لبيروت    أهالى بنى سويف يلتقطون الصور السيلفى مع المحافظ بالممشى السياحي أول أيام عيد الأضحى المبارك    جوزيه بيسيرو يهنئ الزمالك بعد الفوز بلقب كأس مصر    الهلال الأحمر المصري يشارك في تأمين احتفالات عيد الأضحى    حكم من فاتته صلاة عيد الأضحى.. دار الإفتاء توضح التفاصيل    محافظ دمياط يحتفل بمبادرة العيد أحلى بمركز شباب شط الملح    محافظ القليوبية يتفقد حدائق القناطر الخيرية    لا تكدر صفو العيد بالمرض.. نصائح للتعامل مع اللحوم النيئة    محافظ بني سويف يؤدي شعائر صلاة عيد الأضحى بساحة مسجد عمر بن عبدالعزيز    وزير الدفاع الإسرائيلي يهدد لبنان: لا استقرار دون أمن لإسرائيل    الونش: الزمالك قادر على تحقيق بطولات بأي عناصر موجودة في الملعب    سعر الريال السعودي مع بداية التعاملات في أول أيام عيد الأضحي 2025    محافظ الفيوم يؤدي صلاة عيد الأضحى المبارك بمسجد ناصر الكبير.. صور    محافظ جنوب سيناء يؤدي صلاة العيد بشرم الشيخ ويوزع عيديات على الأطفال    مدح وإنشاد ديني بساحة الشيخ أحمد مرتضى بالأقصر احتفالا بعيد الأضحى    عاجل - موضوع خطبة الجمعة.. ماذا يتحدث الأئمة في يوم عيد الأضحى؟    سنن وآداب صلاة عيد الأضحى المبارك    سنن وآداب صلاة عيد الأضحى المبارك للرجال والنساء في العيد (تعرف عليها)    بالفيديو.. استقبال خاص من لاعبي الأهلي للصفقات الجديدة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



بلاغَة ُالصامتين!!
نشر في محيط يوم 22 - 10 - 2007


بلاغَة ُالصامتين!!
* عبد القادر مصطفى عبد القادر
قد يكون لإيماءات الصامتين صوت أعلى من أي صوت..وربما تكون إشاراتهم أبلغ من أي حديث..وربما تكون أنات صدورهم أفصح من أي رسالة...!!
فليس العجز عن الكلام عجز عن التعبير..وليس العجز عن البوح بمكنونات الضمائر عجز عن استخدام مفردات اللغة، إنما لكل وقت لغته، ولكل حدث حديثه، ولا يدرك ذلك إلا العقلاء الذين تساوت عندهم حالة الصمت مع حالة الكلام، أو الحكماء الذين ينقشون بالصمت أروع الكلمات، ويصنعون بالصمت أجمل المواقف.
وحَرىٌ بالإيضاح في هذا المضمار..أن أفصل فصلاً قاطعاً بين صمت يفرضه عقل وفكر وحكمة وموازنة..وتحركه مصلحة عامة، وبين صمت يفرضه جهل أو جبن أو خوف، فشتان الفارق بين هذا وذاك، والمَعْنِىُّ في هذه السطور المتواضعة هو النوع الأول وهو ذاك الصمت الإيجابي الجميل الذي ينشأ عن اقتناع بأهميته وضرورته.
إن الكلام مثل الحركة..والصمت مثل السكون، والبشر يحتاجون بين الحين والحين إلى لحظات توقف وسكون..لترتيب الأفكار..وتنظيم الخطوات..ولملمة شظايا النفس المبعثرة في متاهات الهوى والبحث عن التافه والمجهول من عرض الدنيا، وهنا يكون الصمت لحظة تجول وتحول..تجول فيما مضى لمراجعة النفس ومحاسبتها..وغربلة المواقف وفرزها..وتصحيح المسار كشأن الأذكياء الذين يتعلمون من سقطاتهم وأخطائهم..ثم يتحولون من الخطأ إلى الصواب، ومن الكبوة إلى النهوض والمواصلة.
إن الثرثرة بعثرة لما مضى في دروب النسيان أو التناسي..وطمس لما انقضى من مآثر وفضائل ولو كانت مثل الجبال..وحَجْر وحَجْب طويل الأمد على الآتي من الفعل و القول، فالإنسان يخسر خسراناً كبيراً..إن سبق لسانه عقله..وإن تغلبت شهوة كلامه على فطرة صمته، بل إن المجتمع يخسر إن كَثُر فيه الضجيج الذي تتوارى بين أنقاضه شاهقة الحق..وتضيع في متاهاته بَيِّنَةُ الرشد، فلا يتبين الناس الطريق..ولا يهتدي الخلق إلى صواب، لأن الكل يثرثر..فلا مجال للسمع أو للتعقل.
ولقد علمتنا الحياة عبر دروسها وتجاربها الشاقة..أن الكلام بلا روية..كشف للهوية..وإظهار للطوية..وبيان لحالة المتكلم، ومن ثم زوال غموضه وتَكَشُّف أسراره، وعليه فلا تعب ولا نصب في استبيان ما أراد أن يخفيه، وهذه أحد دروب السذاجة..أن تكون بائعاً لا مشترياً..وأن تكون متحدثاً لا مستمعاً..فيوماً ما سوف يجف بئر الكلام..أو سوف يزهدك الغير من كثرة التكرار..والدوران في نفس المدار..وسوف يصبح الحكم عليك أمراً سهل المنال..بعدما كشفت نفسك للآخرين بلا ثمن، إذ قدمت لهم الفرصة بكثرة الكلام الذي لا يفرضه موقف أو تستوجبه قضية.
هناك من يكره الصمت..لأن الصمت غموض، وحصار الصمت سلوك يتجلى فيه الدهاء حتى يخلع الصمت رداء الغموض..إذ بين الفينة والفينة يداعبك عدوك بلعبة (بالونات الاختبار) لقياس قوتك أو حماسك من واقع رد فعلك إزاء قضية ما..فيفتعل لك أزمة ليرى صُنعك وصَنيعك، وأحسب أننا فرادى وجماعات وقعنا أسرى لهذه الفخاخ اللئيمة.
لما أساءت الدنمارك إلى شخص الرسول الكريم عبر رسوم مسيئة..هاج الناس وماجو، وعلت بالنعيق حناجر تطلب المقاطعة لكل ما أنتجته الأيدي الآثمة، ثم إعلان القطيعة السياسية والاقتصادية..وهكذا فعل الكثيرون..ولكن ماذا حدث؟..هدأت النار المتأججة في الصدور بل ربما زالت دونما أثر أو تأثير..( وعادت ريمه لعادتها القديمة)، وكأن شيئاً لم يحدث..كل ما هنالك أن الطرف الأخر كشفنا..وقاس بدهاء رد فعلنا..وتبين على وجه اليقين حالنا..فليس أسهل عليه بعد ذلك من تحديد المنهج المناسب للتعامل معنا.
يجب أن نعرف..متى يجب أن نتكلم؟..ومتى يجب أن نصمت؟.. فليس الصياح والعويل دليل حياة، وليس الرد العشوائي الانفعالي أسلوب دفاع، ومن حكمة الخالق أن خلق لنا لساناً واحداً وخلق لنا أذنين..كي نسمع أكثر مما نتكلم..بل و وضع على جارحة اللسان سدَّين..أسنان وشفتين..كي لا تخرج الكلمة إلا نقية هادفة مؤثرة، وهنا أتذكر حكمة نطق بها لسان خامس الخلفاء الراشدين عمر بن عبد العزيز لما سُئل..متى تحب أن تتكلم؟..قال أحب أن أتكلم عندما أشتهى الصمت..قيل له ومتى تحب أن تصمت؟..قال أحب أن أصمت عندما اشتهى الكلام، والمغزى من وراء هذه الحكمة رائع للغاية..خاصة عندما يصدر من صاحب أكبر منصب بدولة الخلافة، فالكلام عند اشتهاء الصمت سوف يكون مغلفاً بالحكمة..ممزوجاً بالتأني..محاطاً بالتعقل..ومن ثم يمضى نحو أهدافه بلا إثارة، والصمت عند اشتهاء الكلام وقار وهيبة..وكبح لجماح المفردات المتأججة، ومن ثم تضييق الخناق على بواعث الشر و مكامن التناحر.
وبنظرة سريعة على واقعنا المتوتر..نجد أن كماً هائلاً من المشكلات التي تهدد استقرار المجتمع يكمن في العجز عن الصمت، وما الأخبار الكاذبة، والشائعات المغرضة، والفتاوى المنحرفة، والشعارات البراقة، والنميمة، والغيبة..إلا أمراض خطيرة تنشرها كلمات رنانة في محيط المجتمع، فتزلزل استقراره وتهدد أمنه.
نعم..إن اختلاف الرأي وتباين الرؤى أمر طبيعي بين البشر لأنهم هكذا خُلقوا..لكن يجب أن نواجه أنفسنا بعدة أسئلة قبل أن نتحدث عن حق الاختلاف..يجب أن نعلم أولاً..لماذا نختلف؟..وكيف نختلف؟..وما هي مبررات الاختلاف؟..وما هي أهداف الاختلاف؟، حتى لا يكون الاختلاف مجرد معارك كلامية جدلية لا تسمن ولا تُغنى من جوع.

والحقيقة أنا لا أؤيد مطلقاً حلقات العراك والصياح والجدال العقيم التي تعقدها بعض الفضائيات..تحت مبررات البحث عن الحقيقة، فالحقيقة تتوه في غابة الجدل، والمحصلة الحقيقية هي دفع الناس بلا روية إلى دائرة فقدان شهية الصمت، وإلى بلوغ الذروة في شهوة الكلام.
وأخيراً..فلدى في القرآن الكريم مشهد يجسد حكمة الصمت..وروعة الصمت..وعظمة الصمت، عندما تكون له دواعيه وضروراته، وأبرزها الحرص على وحدة المجتمع..لما ذهب نبي الله موسى عليه السلام لمناجاة ربه ثلاثين ليلة ثم أتمها بعشر، وترك في قومه هارون أخاه وشريكه في الرسالة..ماذا حدث؟..عَبَدَ القوم في غيبة موسى عجلاً صنعه السامرى من حلى القوم..فلما رجع موسى عليه السلام وجد هذا الانحراف..فغضب..وألقى الألواح..وأخذ برأس أخيه ولحيته يجره إليه غيظاً وحنقاً، وقال كما حكي القرآن (قَالَ يَا هَارُونُ مَا مَنَعَكَ إِذْ رَأَيْتَهُمْ ضَلُّوا. ألا تَتَّبِعَنِ أَفَعَصَيْتَ أَمْرِي).
وهنا بيت القصيد..أجاب هارون على السؤال كما حكي القرآن (قَالَ يَا ابْنَ أُمَّ لا تَأْخُذْ بِلِحْيَتِي وَلا بِرَأْسِي إِنِّي خَشِيتُ أَن تَقُولَ فَرَّقْتَ بَيْنَ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَلَمْ تَرْقُبْ قَوْلِي).
معنى هذا أن هارون عليه السلام قد (صمت) لحكمة ولوقت معين عن (الشرك الأكبر)..لماذا؟..حفاظاً على (وحدة المجتمع)، وخشية من تفرقه حتى يرجع موسى فينظران معاً كيف السبيل لإرجاع الناس إلى الحق.
وعلى قدر فهمي المتواضع استخلص الآتي:-
1. وحدة المجتمع وتماسكه فريضة.
2. الصمت الحكيم ليس معناه الرضا عن الأزمات..ولكن معناه التفكر من أجل اختيار أفضل الطرق لعلاجها.
3. ليس صحيحاً أن يتحدث كل من ملك صوتاً في شئون العامة..ناهيك عن الصياح والعويل غير المبرر، إنما يجب أن يترك المجال لأولى الأمر.
4. أن نعمل سوياً في صمت خير ألف مرة من أن نملأ الأرض كلاماً بلا عمل، أو أن يقدح بعضنا بعضاً بحثاً عن مجد شخصي..لا يتحقق إلا من فوق جماجم الآخرين.
** مصر


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.