يظن المتحدث كثيراً أنه ينتصر ويظل فى انتصار دائم طالما أُتيحت له الفرصة للكلام لاسيما إذا كان عالى الصوت خفاقاً وممن يُحدثون ضجيجاً ... فى الوقت الذى ينظر فيه أصحاب الحق من الصامتين لأنفسهم على إنهم مغلوبون وعادةً ما يتملكهم الإحباط وربما يتسرب اليأس إلى قلوبهم من جراء الصمت الذى يرون فيه الحكمة فأين يكون الانتصار ؟!!! استدركت هذه الحقيقة والإجابة على هذا السؤال بالبرهان والدليل القاطع وذلك من خلال القرآن الكريم استدركت الأمر فى صلاة المغرب اليوم بينما كنتُ أؤم المصلين وأقرأ جهراً وكان التلاوة من سورة مريم فتلوت قول الله تعالى ( فأجاءها المخاض إلى جذع النخلة قالت ياليتنى مت قبل هذا وكنت نسياً منسياً * فناداها من تحتها ألا تحزنى قد جعل ربك تحتك سريا * وهزى إليك بجذع النخلة تُساقط عليك رُطباً جنيا * فكلى واشربى وقرى عينا فإما ترين من البشر أحداً فقولى إنى نذرت للرحمن صوماً فلن أُكلم اليوم إنسيا) استوقفتنى بشدة بلاغة اللفظ وظاهره فى كلمة ( فأجاءها) وهو ما يعنى أن المخاض ( طلق الولادة ) هو الذى أتى بمريم إلى جذع النخلة وهو قوى خارجية لم تستطع هى مقاومتها .... فى يوم من الأيام حدثنى أحد الأساتذة الكبار من أساتذة الطب فى بحث عن هذا الأمر فأهدانى بحثاً كتابياً قال فيه أن الله تعال أمر مريم عليها السلام أن تصنع لنفسها زجاجةً من الجلوكوز إذا أكلت الرُطب الجنى ومضغته مضغاً شديداً شربت بعده الماء لأن الرطب الجنى هو البلح الناضج المثمر الذى اكتمل نُضجه فأكله وشرب الماء بعده يُصفى هذه المادة ليستفيد بها الجسد .... ثم أمرها الله تعالى بالصمت فى وقت تحسرها وندمها على ذنب لم تقترفه بنفسها وهى أنها حملت بأمر من الله لكن من حولها لن يرحمونها ولن يعلموا ذلك .... فكانت وقت تحسرها وخوفها لا تخاف من نفسها ولا على نفسها لكنها تخاف من كلام الناس من حولها وقد كان بعد أمر ربها لها بالصمت فلفظة الصوم فى الآية الكريمة ( ... فإما ترين من البشر أحداً فقولى إنى نذرت للرحمن صوماً فلن أُكلم اليوم إنسيا ) لا يُقصد بها الصوم عن الطعام وإنما المقصد هنا الصوم عن الكلام .. صمتت العذراء الحصان الرزان امتثالاً لأمر ربها واتباعاً لكلامه رُغم تكاثر القوم عليها وتأنيبهم إياها بالألسنة فقالوا (.... يا أخت هارون ما كان أبوك امرأ سوء وما كانت أُمك بغيا ،،، [ولا زالت العذراء مأمورة بالصمت] فما كان منها إلا أن أومأت بالإشارة نحو الرضيع فسخر القوم من إشارتها وهى صامتة قال تعالى ( فأشارت إليه قالوا كيف نُكلم من كان فى المهد صبيا ) فكان الانتصار الحقيقى المُنتظر والذى لم تتوقعه مريم ولم تكن تتخيل أبداً أنها سنتنصر بالصمت ... انتصرت ونطق الرضيع فى مهده وأسكت الجميع واظهر براءتها فأسكت الأصوات العالية ليتكلم هو ويصغوا جميعاً إليه فى ثُبات عميق وإنصات مهيب ليقول لهم ( إنى عبد الله آتانى الكتاب وجعلنى نبيا* وجعلنى مُباركاً أينما كنتُ وأوصانى بالصلاة والزكاة مادُمتُ حيا * وبرا بوالدتى ولم يجعلنى جباراً شقيا * والسلام على يوم وُلدت ويوم أموتُ ويوم أُبعثُ حيا ) شرف الله مريم بتخليد إسمها ونسب ولدها إليها إلى يوم القيامة ومن هنا يتبين للجميع [ إذا أراد الله أن يخلق من غير أب ومن غير أُم خلق آدم عليه السلام ،، وإذا أراد الله أن يخلق من أب دون أم خلق حواء عليها السلام ،، وإذا أراد الله أن يخلق من أم دون أب خلق عيسى عليه السلام ،، وإذا أراد الله أن يخلق من أب وأم خلق سائر الخلق ومنهم محمد - صلى الله عليه وسلم - يا الله .... يأمر ربنا السيدة مريم أن تصمت ولا تتحدث إلى أحد فى الوقت الذى تتضافر فيه القوى والجهود الأخرى للنيل منها فيهجمون عليها هجمةً شرسة بألسنتهم وأقوالهم ولا ترد ؟؟! طريقة صعبة جدا لكنها سبيل مُمهد للانتصار ،،، فقلت فى نفسى إذاً كنتُ على حق لما آثرتُ الصمت !!! لا سيما وأننا قد دخلنا فى زمان الفتنة وتأكدتُ أن المُخلص لربه كالماشى على الرمال لا تسمع خُطواته .... لكن ترى آثارها .... هؤلاء هم الصامتون الذين يعملون فى هدوووء وبلا ضجيج أو صوت عال ،، نعم إذا أردت أن تتحدث ويسمعك الناس فيجب أن تسمتع إلى من تُحدثهم كى تصل إلى ما تُريد !! الصمت:يمنحك طاقه قويه للتفكير بعمق في كل ما يحصل حولك والتركيز بعقلانية على إجاباتك الصمت :يجعلك تسيطر على من أمامك من خلال نظرات محملة بمعان غير منطوقة تجعلهم حائرين في تفسيرها الصمت : المصحوب ببعض الحركات والإيماءات يرغم من أمامك على البوح بما داخله فيقول أكثر مما يريد فعلا وقبل الختام أتذكر حكمة همس بها إلى أحد الأصدقاء من الأطباء فى ليلة ذات مساء قال لى إليك هذه ( حين يتعمد الآخرون فهمك بطريقة خاطئة لا تُرهق نفسك بالتبرير .. فقط أدر ظهرك .. واستمتع بالحياة ) وهنا أكتفى لأترقب بشغف ولهفة تعليقات حضراتكم النافعة والمُثمرة والتى أستفيد منها كثيراً وتستخرج منى مكنون قلمى