نهضة فيتنام وتيارات السرد في عدد " العربي " الجديد الغلاف محيط – مي كمال الدين صدر العدد الجديد من مجلة " العربي" الكويتية وهي مجلة شهرية ثقافية ، تأسست عام 1958 تصدرها وزارة الإعلام بدولة الكويت، ويرأس تحريرها د. سليمان العسكري الذي افتتح هذا العدد بمقالة عن ثقافة الهزيمة لدى الشعوب العربية، كما تضمنت المجلة ملفا مصورا عن دولة فيتنام، وحوار مع الكاتب المغربي محمد برادة، أما الملف فتحدث عن تيارات السرد في الرواية العربية وتناول نماذج لكتاب كبار من دول مختلفة، كما تحدث عالم الأنثروبولوجي المصري د. أحمد أبو زيد عن حروب الماء أو حروب المستقبل . شمل العدد أيضا سيرة للشاعر بدر شاكر السياب بقلم الأديبة سعدية مفرح والتي استشهدت بأبيات شعرية من قصائده ، كما تضمن عددا من الأبواب الثابتة الثرية . في مقاله عن ثقافة الهزيمة أوضح د. العسكري أن الثقافة العربية المعاصرة اتخذت موقفا عدائيا مطلقا من الغرب في سعيها لإثبات استقلاليتها ، باعتبار الغرب هو العدو المستعمر ، ولم تفرق بين مفهوم العصرنة كرافد غربي وبينه كتطور طبيعي لأي مجتمع يبتغي النهوض. ويرى د. سليمان انه عندما تقع إحدى الجرائم البشعة التي يروح ضحيتها أحد أفراد العرب أو المسلمين تثور نيران الغضب العربي في كل مكان وهذا ما حدث عقب مقتل مروة الشربيني في ألمانيا وأن هذا من حقنا ، ولكنه ينتقد أن يقتصر هذا الغضب على الصراخ فحسب والحديث عن الحقوق العربية المهدرة أو سوء نوايا الغرب تجاه المسلمين والعرب ، كما تتبارى أجهزة الإعلام لإثارة الجدل لدى الرأي العام بعيدا عن توعيتهم بحقائق الأمور ، فكثير من الحوادث تكون فردية وليس لها أبعاد تخص الحضارات أو الشعوب . ودائما نتجاهل انتهاكات حقوق الإنسان المسلم والعربي إذا ما تمت داخل وطنه وبأيدي مواطنيه ، وكأن المستنكر فقط هو أن تكون على يد آخر غربي . ولكن المقال يضرب مثلا بأحداث الإيجور في إقليم شينج يانج الصيني التي راح ضحيتها مئات المسلمين الصينيين من سكان الإقليم على يد بعض المنتمين لعرقة الهان الصينية ، فتعالت بعض الأصوات مطالبة بانفصال الإقليم ذو الأغلبية المسلمة عن دولة الصين إنقاذا لهم بعد أن فشلت الحكومة في وقف أحداث العنف ، وتدخل عرب ومسلمون ينضمون لنفس النداء ، الأمر الذي يعتقد صاحب المقال أنه أمر ما كان ينبغي أن يحدث من العرب لأنه بالنهاية شأن داخلي . يرجع العسكري تزايد نبرة الحديث عن العداء الغربي للمسلمين لسيادة ثقافة الهزيمة لدى العرب ، معتبرا أنها طريقة لاعقلانية في التعامل مع هذه الحوادث وأن الردود الانفعالية أو العدائية من جانب العرب لا تؤدي إلا لمزيد من سوء الفهم من قبل الأطراف الأخرى ، يعني غير العربية ، للإسلام والمجتمعات العربية ، في وقت يعوزنا تفهمهم لقضايانا الكبرى في العراق أو فلسطين وغيرها ، بحسبه . هانوي - فيتنام فيتنام .. انفتاح حذر أفرد عدد " العربي" مساحة كبيرة للتعريف بدولة فيتنام ، وتحدث الكاتب ابراهيم المليفي عنها كدولة شيوعية آسيوية تتبنى سياسة إصلاحية تعتمد على الاقتصاد . وكانت سياسة ترك المزارعين يملكون ويديرون أراضيهم الزراعية بحرية ناجحة هناك ؛ إذ تحولت فيتنام إلى ثاني دولة في العالم في تصدير الأرز بعد أن كانت مستوردة له، كما عززت هانوي سياسة الانفتاح الاقتصادي بالانفتاح الدبلوماسي والإقليمي براً وبحراً وجواً مع أكثر من 160 دولة حول العالم. ويأخذنا الكاتب في جولة بشوارع هانوي ومعالمها ، حيث رافق الشرح صورا رائعة بعدسة حسين لاري ، ومنها بحيرة "هان كيم" والتي تتمتع بجمال ساحر، بالإضافة ل "معهد الأدب" والذي يعد من أقدم معالمها ويعود تاريخه لعمر هذه المدينة والذي شارف على الألف سنة، ويعتبره الفيتناميون أول جامعة في بلادهم، ومعهد الأنثولوجيا والذي يمكن من خلال معروضاته التعرف على تاريخ فيتنام القديم والحديث والمجموعات العرقية والقوميات الفيتنامية، بالإضافة لمسرح العرائس العائمة. أما مدينة "هوشي منه" فهي مدينة نابضة بالحياة وعامرة بالتجارة وتكتسي بطابع فرنسي في شوارعها ومبانيها ومطاعمها، وتتميز بمتانة بنيتها التحتية والتي يعول عليها لتكون رافعة للاقتصاد الفيتنامي. حروب الماء يتحدث عالم الأنثروبولوجي المصري د. أحمد أبو زيد في عدد المجلة عن "الماء" الذي أصبح مشكلة عالمية من حيث ندرته ووفرته وسبل الحصول عليه، وينبه في مقاله إلى الوضع المائي الخطير في العالم ككل وفي منطقة الشرق الأوسط وهو وضع ينبغي التوقف عنده فنظراً للعديد من المتغيرات والتي تترك أثاراً سلبية على موارد وكميات الماء المتاحة لكثير من المجتمعات مما يهدد بنشوب النزاعات حول حقوق استغلالها وطرق الإفادة منها. ويتردد الآن القول بأن حروب المستقبل في العالم ستكون من أجل التحكم في مصادر الماء أو "الذهب الأزرق" والذي لا يقل أهمية عن البترول إن لم يفقه، فقد أصبح هناك شعور متزايد بدول العالم بقرب اندلاع "حروب الماء"، وقد حذرت الأممالمتحدة في مارس 2009 من أن التغيرات المناخية قد تثير الصراعات حول الماء، ومن المناطق الأشد تعرضاً لخطر تناقص الماء والمؤهلة بالتالي للصراع هي الشرق الأوسط وأجزاء كبيرة من أفريقيا، فالصراع سوف ينشب بين الدول الفقيرة والغنية على موارد الماء مع تفاوت في مدى الحاجة الفعلية إليه، وسيكون أشد بين الدول التي تشترك في مصدر مياه واحد. محمد برادة والكتابة نشرت المجلة حوارا مع د.محمد برادة تحت عنوان " الكتابة حبل سري يمدني بالحياة " وبرادة هو أحد الأسماء البارزة في المشهد الثقافي والأدبي العربي شارك في تأسيس إتحاد كتاب المغرب وانتخب رئيساً له في ثلاث دورات على التوالي، كما انه أحد أهم المترجمين العرب الذي اثروا المكتبة العربية بمجموعة من الترجمات الهامة في مجال الإبداع والتنظير والنقد، وترجمت بعض نصوصه الأدبية إلى عدد من اللغات الأجنبية. حصل على جائزة المغرب للكتاب عن كتابه النقدي "فضاءات روائية" ولعل هذا ما جعل شهرته كناقد تطغى على شهرته الأدبية، له خمس روايات منها "إمراة النسيان"، "الضوء الهارب"، "مثل صيف لن يتكرر"، "حيوات متجاورة" في الحوار تحدث برادة عن كتابه "حيوات متجاورة" قائلاً أنه أنه جرب فيه إعادة كتابة النص السردي في 30 صفحة لها شكل سيناريو سينمائي حتى يقارن بين لغة السرد والوصف ولغة السيناريو البصرية المقتصدة، الشيء نفسه بالنسبة لتعديد الساردين وهي عناصر شكلية تخرج من واقع السرد في الحياة اليومية وتلفت النظر إلى أن النص المقروء قابل لأن يسرد بأكثر من طريقة. ويقدم الفنان الكويتي جعفر إصلاح في صفحات العدد ألبوما مصورا بعنوان "روح مصر - وثائق وصور خلال مائة عام " الصادر عن مؤسسة الشراع العربي ليعقب ألبوميه السابقين "الأطفال ملائكة"، و"الدراجة"، ويتضمن ألبومه الجديد العديد من الصور التي تعبر عن الروح المصرية في الآداب والفنون وأطياف الحياة المصرية كافة على مدى قرن أو أكثر.
رواية الثوب السرد في الرواية العربية يتحدث ملف العدد عن "تيارات السرد في الرواية العربية" وفي هذا الملف يضيء نقادنا تيارات سردية في كتابة الرواية العربية المعاصرة، لأبرز كتابها في كل من المغرب ومصر وسوريا والكويت، وهم طاهر بن جلون برواية "المرتشي"، وطالب الرفاعي "الثوب"، صنع الله إبراهيم "العمامة والقبعة"، و خيري الذهبي "رباعية التحولات ". تحت عنوان تعدد الأصوات في الرواية المغربية يتناول الكاتب المغربي د. عبد الجليل غزالة رواية "المرتشي" لطاهر بن جلون والتي تقوم على مكونات سردية جوهرية تحيك نسيجها عدة شخصيات وأحداث وفضاءات وزمكانية ورؤية رصينة يروجها سارد/ متكلم محنك بين المتلقين وقد ظهر هذا العمل باللغة الفرنسة عن دار "سوي" بباريس، وتعانق الأحداث موضوعات عامة مثل التدخين والأمراض الاقتصادية عند موظفي الإدارات المغربية وغلاء المعيشة وقلة الدخل. ويقدم الكاتب في عمله السردي عدة مظاهر تخص التمايز الطبقي ويتعرض للهدايا العينية التي يقبلها الموظفون نظراً لتدني أجورهم مما يوسع دائرة الارتشاء، كما يقدم للمتلقي عالماً خاصاً بشخصية "المرتشي" يرمز من خلاله إلى الواقع المغربي الخارجي، المتقلب السلوكيات والتفاعلات وتبرز لنا طريقته المتميزة في السرد والتحليل مراحل متواصلة من التردد والحيرة التي تهز شخصية المرتشي فيحيط به الخوف من كل ناحية ويؤازره الفساد.
كما تتناول الكاتبة المصرية د.داليا فهمي رواية "الثوب" للروائي الكويتي طالب الرفاعي، فتقول عنها أنه لم يجد الرفاعي أسلوباً أفضل من السخرية المرة والكلام الموارب لمقاربة الواقع الاجتماعي الكويتي والعربي بوجه عام ليشمل الجماعات في سوادها الأعظم وشرائحها الأكثر اتساعاً، وانطلاقاً من العنوان الذكي نفسه تتفتح الرواية على عشرات المواقف التي يمكن للقارئ لو أكتفي بقراءتها لعثر على نص سريالي بالغ الدلالة والتأثير أما التقنية التي يستخدمها المؤلف فهي تعتمد الانطلاق من فكرة أو ظاهرة أو حادثة أو جملة بعينها حتى إذا تناولها الرفاعي بعقله وقلبه وقلمه أخذ يقلبها على جمر مخيلته المتوقد مستخرجاً منها كل ما يثير الشهية للضحك ولكنه ضحك أسود كالبكاء، كما يشير المتنبي في معرض هجائه لكافور. في جانب آخر من العدد يصحبنا د.خالد عزب بجولة معمارية بمدينة "فُوَّة" إحدى أشهر مدن العالم الإسلامي في العصور الوسطى، والتي يمثل إعادة اكتشافها بمنزلة إحياء مدينة كانت طوال العصر المملوكي المحطة الرئيسية للتجارة بين الشرق والغرب في شمال الدلتا بمصر ومن أقدم مدن دلتا النيل حيث كانت عاصمة الإقليم السابع بمصر الفرعونية وكان يطلق عليها "إمنتي" أو "نفر إمنتي"، التي تعني الإقليم الغربي الأول. وتضم المجلة العديد من الأبواب الأخرى، ففي باب القضايا العامة يناقش د.خطار أبو دياب أستاذ العلاقات السياسية الدولية – جامعة باريس موضوع البعد المتوسطي في تعزيز حوار الحضارات، وفي قسم التاريخ تأتي تجليات "الحنيفية" في مكة قبل الإسلام ل د.إبراهيم بيضون الأكاديمي والمؤرخ اللبناني، وفي باب القضايا العامة تناقش د.هالة أحمد فؤاد خواطر فلسفية صوفية لحظة الانتباه الصوفي وتأسيس الآن الأبدية، وغيرها العديد من الأبواب والمقالات الأخرى. وتضم المجلة قصيدة شعرية بعنوان "الزيتون" للشاعر اللبناني د. حسن جعفر نور الدين نقرأ منها والتين أقسمُ والزيتون زيتوننا شجرٌ يُدِلُّكَ خبزهُ أن السلامَ مخيمٌ في ريعهِ الميمون ليس الخنوعُ ولا الهوانُ طباعهُ لكن، إذا جنحت إلى السلمِ الجميلِِ ثمارهُ وغصونه فلأنهُ متأملٌ ما جاء في القرآن شجرٌ تحسُُّ هدوءه متجذرٌ في سمتهِ ويحبه المتصوفون لصمتهِ ويشيِّدون صوامعَ الذكرى على شرفاته