لقد كان شهر رمضان ظرفا لنزول القرآن الكريم ، الذى شرف الله به الخلق، وغدا أعظم منهج خاتم عرفته الدنيا ، وأقوم طريق ، جمع الله فيه أطراف الخير وجوهر الحق، وخلاصة ما يتطلع إليه البشر فى مجالات العقيدة والشريعة والخلق والسلوك والمبادئ والمثل وغير ذلك مما لبى ويلبى به داعية الإنسانية وحاجتها أمثل تلبية وإلى أن تقوم الساعة . جاء ليخرج الناس من الظلمات إلى النور ويهدى إلى صراط الحق قال تعالى فى سورة المائدة " يَا أَهْلَ الْكِتَابِ قَدْ جَاءكُمْ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمْ كَثِيراً مِّمَّا كُنتُمْ تُخْفُونَ مِنَ الْكِتَابِ وَيَعْفُو عَن كَثِيرٍ قَدْ جَاءكُم مِّنَ اللّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُّبِينٌ يَهْدِى بِهِ اللّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلاَمِ وَيُخْرِجُهُم مِّنِ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ " {16} [ المائدة : 15 ، 16] وقال تعالى فى سورة فصلت :{كِتَابٌ فُصِّلَتْ آيَاتُهُ قُرْآناً عَرَبِيّاً لِّقَوْمٍ يَعْلَمُونَ } [فصلت3]، ومن الطبيعى أن يكون هذا الكتاب دائما ينبوع العطاء الذى لا ينتهى له مدى ولا ينضب له عين. وما على المجتمعات الإسلامية التى آمنت بالقرآن إلا أن تفتح القلب لآيات القرآن حتى تنفض عنها غبار السهو والغفلة، ويعود بها الزمن إلى سابق مجدها غالبة غير مغلوبة ومنتصرة غير مهزومة ومؤثرة فى كل مناحى الحياة. وإن كتابا هذا شأنه لجدير أن يضعه الإنسان بين عينيه وإن شهر رمضان هو شهر القرآن. وفى شهر رمضان كان جبريل عليه السلام يدارس النبى صلى الله عليه وسلم القرآن. ففى صحيح البخارى ومسلم قال عبدالله بن عباس رضى الله عنهما: "كان رسول الله أجود الناس وكان أجود ما يكون فى رمضان حين يلقاه جبريل وكان يلقاه فى كل ليلة من رمضان فيدارسه القرآن". وكان الصحابة رضوان الله عليهم يتخذون من رمضان موسماً للعبادة وقراءة القرآن وموسماً للخيرات والصدقات والتعاون على البر والتقوى. والمؤمن الصائم حينما ينشغل بقراءة القرآن وسماعه ومدارسته فإنما يصدر فى ذلك عن هدى من هدى النبوة وسنة من سنن السلف الصالح. وتعاهد القرآن بالتلاوة والسماع واجب على كل مسلم ومسلمة فى كل وقت، وأنه فى رمضان أولى وأن المؤمن الذى ينكب على القرآن الكريم يتلوه لتنثال على خاطر منه دلالات وطيوف، تملأ النفس روعة وجلالا. ولا عجب إن كانت السعادة لا تنال إلا بالاهتداء بهديه وإن كان الشفاء لأمراض النفوس وأدواء المجتمع لا يتم إلا به. قال تعالى فى سورة الإسراء:-" إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يِهْدِى لِلَّتِى هِى أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْراً كَبِيراً " [ الإسراء : 9] وقال تعالى فى سورة الإسراء :- ( وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاء وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ وَلاَ يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إَلاَّ خَسَاراً( [الإسراء : 82] هذا القرآن الذى نزل فى شهر رمضان هو الذى حول مجرى التاريخ وصلحت به الدنيا وأقام أمة كانت مضرب الأمثال فى الإيمان والإخاء والعدل والوفاء. كتاب لا تنفد عجائبه ولا تنقضى ولا تخلق عن كثرة الترداد ولا يزداد على التكرار إلا حلاوة ولا على الترداد إلا جدة وطرفة ، ولايزال غضاً طرياً كما نزل وكلما تقدمت العلوم والمعارف تكشف للناس منه العجب العجاب . وصدق الله تبارك وتعالى إذ يقول :- ) سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِى الْآفَاقِ وَفِى أَنفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ ( [فصلت : 53] إن القرآن الكريم روح المسلمين الذى يشع فيهم الكينونة والوجود وقلبهم الذى ينبض بالحياة وحركتهم التى تدفع وتدفق وعقلهم الذى به تتلألأ شهب المنى وتدر أثداء الأمل . وإذا كان الإنسان ذلك الكائن الحى لا وجود لشخصيته ، ولا حياة بغير الروح والقلب والعقل فإن المسلمين فى الماضى والحاضر والمستقبل لا كيان لهم ولا حياة ولا شخصية بغير القرآن. فهو لهم الروح والعقل والقلب وهم لهم الضياء والشفاء والنور . قال تعالى" يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءكُم بُرْهَانٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَأَنزَلْنَا إِلَيْكُمْ نُوراً مُّبِيناً{174} فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُواْ بِاللّهِ وَاعْتَصَمُواْ بِهِ فَسَيُدْخِلُهُمْ فِى رَحْمَةٍ مِّنْهُ وَفَضْلٍ وَيَهْدِيهِمْ إِلَيْهِ صِرَاطاً مُّسْتَقِيماً " [النساء: 174 ، 175] وقال تعالى " ذَلِكَ الْكِتَابُ لاَ رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ {2} الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ {3} والَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنزِلَ مِن قَبْلِكَ وَبِالآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ {4} أُوْلَئِكَ عَلَى هُدًى مِّن رَّبِّهِمْ وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ " [البقرة : 2 – 5] . إن أمتنا الإسلامية فى شبابها، ورجالها، ونسائها، أحوج ما تكون إلى مدارسة القرآن الكريم، وتدبر آياته، وما جاء فيه من قصص ومواعظ، وحكم، وأحكام. وإن المجتمعات التى تدعو إلى حفظه، وتلاوته، وتعمل على ذيوعه، ونشره جديرة بكل خير.فما أحرانا أن تتسابق الأمة فى مدارسة القرآن الكريم، وتتنافس فى حفظه وتلاوته، وتعمل بما فيه لتصل إلى خير ما قدر لها فى الحياة.