حرصا على سلامة قواي العقلية، فقد توقفت عن المتابعة الدقيقة للأعمال الدرامية، فلم احرص على متابعتها بدقة، وهذا يختلف مع طبيعتي السمحة، فقد كنت في كثير الأحيان اكتشف أنني تورطت بمتابعة عمل تافه، ومع هذا استمر في متابعته للنهاية!. يبدو أن مساحة التفاهة في هذا الموسم أكثر من قدرتي على التحمل، ويبدو ان رصيدي من الصبر قد نفد، فصرت أتوقف عن المشاهدة يوما، أو يومين، وعندما أعود من جديد متابعا، اكتشف ان شيئا لم يفتني، فلدينا حالة إسهال مزمن، مني بها كتاب الدراما الرمضانية، الذين يستهدفون الوصول بأعمالهم حتى نهاية الشهر الفضيل، وشاهدنا أعمالا على شاكلة 'كريمة كريمة'، لا تصلح لأكثر من سهرة تلفزيونية، ومع هذا يتم المط فيها، بشكل يصيب المشاهد ب 'العته'، وهو الأخ غير الشقيق للتخلف، وشقيق الجنون من الرضاعة.. اقصد بذلك 'العته'!. في الحلقات الأولى لمسلسل 'ادهم الشرقاوي'، ظننت أنني أمام عمل درامي متميز، فإذا به بعد الأسبوع الأول يسرف في رواية أشياء ربما تصلح لتقديمها في بحث تاريخي، لكنها تُفقد المشاهد للعمل الدرامي تركيزه وربما عقله.. أدهم شخصية اختلف حولها المؤرخون، فالبعض ينظر إليه باعتباره شابا شجاعا، والبعض يقول انه ليس أكثر من لص، لكن الوجدان الشعبي المصري ينظر إليه باحترام، ويردد حتى وقتنا هذا الموال الذي كُتب في حقه: الاسم ادهم.. لكن (النقب) شرقاوي.. والنقب لغير المصريين يعني اللقب!. ومهما يكن الخلاف حول طبيعة الشرقاوي، فقد ظننت في الحلقات الأولى انني سأستمتع بعمل درامي بديع، لكن (يا فرحة ما تمت)، فقد سيطر على أصحابه بعد الأسبوع الأول الرغبة الجامحة في ان يصلوا به الى ثلاثين حلقة.. قلنا من قبل ان القائمين على الفضائيات يقيمون الدراما بالكيلو، وكأنهم يشترون طماطم، أو بطيخ!. ولهذا فقد تخليت عن دقتي المعهودة في المتابعة، فلم يفتني ما يمكن ان يؤثر على تسلسل الأحداث، وعلى غير العادة في شهر رمضان، فانني اذهب الى القنوات الإخبارية، لكي اسلي صيامي، وكان فيها ما يسلي، يكفي انها جميعها اهتمت بقضية 'المناضلة لبنى'، التي أكدت لنا اننا امة ولادة، يكفي انها بعد عقم طويل، وشح مطاع، أنجبت لنا 'لبنى'، صحيح ان اسمها لرقته، لا يصلح لما صار يسبقه، واعني بذلك صفة 'المناضلة'، لكننا في زمن المناضل 'وائل'، والمناضل 'هيثم'، والمناضل 'تامر'، فلماذا لا تكون المناضلة اسمها 'لبنى'؟..' عاشت الاسامي!'. ظللت يوما بطوله انتقل من قناة الى قناة، ومن 'الجزيرة' الى 'العربية'، الى ' الحرة'، الى ال ' بي بي سي'، فاطرب وانا أطالع قارئ، او قارئة، النشرة، في وضع الاحتشاد، عند تلاوة خبر الصحافية السودانية ' لبنى'، التي حكم القضاء بتوقيع عقوبة الحبس عليها، بدلاً من الجلد، والغرامة المالية لوقف الحبس، لكنها وقفت شامخة وقالت: 'السجن أحب إلي'! كنا أمام لحظة نادرة في تاريخ حركة النضال السياسي والشعبي بالمنطقة، فها نحن نشاهد صحافية تتمرد، وها نحن نشاهد فضائيات الأمة والأمم المجاورة محتشدة لتؤازرها، ومن اهتمام الفضائيات، بما في ذلك فضائيات الخواجات، بقصة ' المناضلة لبنى' ظننت ان المتهمة اقتيدت الى المحكمة بتهمة التخطيط لقلب النظام المستبد في السودان، بيد ان التهمة الموجهة للمذكورة هي أنها ارتدت بنطلونا، يراه الأشقاء في السودان انه يمثل خروجا على قيم المجتمع. ولا اعلم ما هو المثير في هيئة 'لبنى' الذي اعتبره القانون السوداني جُرما؟. موقعة البنطال الكبرى وبدون الخوض في التفاصيل أود التأكيد على انه لا مانع عندي من ان ترتدي 'الشجاعة لبنى' ولو البكيني ولو بعيدا عن البحر، ولو في صحراء نجد، مخالفا بذلك نصيحة عباد الله الصعايدة: 'كل ما يعجبك وارتدي ما يعجب الناس'، لكن اعذروني لأنني اكتشفت ان لدي القدرة على الاندهاش، لتدويل القضية، لدرجة ان ' لبنى' تحولت من صحافية مغمورة، الى مناضلة سياسية، فعدد من المنظمات الحقوقية، أعلنت عن تضامنها الكامل مع ' لبنى' دافعا عن الحق في تقرير المصير، كما أعلنت بعض الدول الغربية انحيازها ل ' لبنى' في شجاعتها، وقد تمنحها العديد من المنظمات جائزة أشجع صحافية في العالم العربي، مع ان ما قامت به لا علاقة له بالعمل الصحافي!. لا اخفي إعجابي ب ' لبنى' وشجاعتها في 'موقعة البنطال الكبرى'.. ولا اخفي انبهاري بها وهي تتمرد في البداية معلنة أنها لا تخاف من الجلد.. ولا أخفي اعتزازي بها وهي تقف صامدة في مواجهة الحكم فلم تخف ولم تهتز!. فقد أعلنت 'لبنى' انها لن تتزحزح قيد أنملة عن حق بنات السودان في ان يلبسن 'البنطلون' الضيق الذي لا يسمح للهواء العليل بأن يمر من خلاله فيداعب اللحم الناعم.. سوف تفطريننا في رمضان يا لبني، وسوف تؤلبي على قرائي من تنظيم القاعدة، مع اني طوال عمري احلم بقراء لا ينظرون اليّ على انني من كتاب القضايا الاستراتيجية والمصيرية الكبرى، فانا تستهويني معارك ومواقع البنطلونات و'القمصان المقلمة'، لكن حظي في الدنيا قليل عندما اكتشف من التعليقات والرسائل ان قرائي ينتمون الى تنظيم الجهاد الجناح الملحق باسامة بن لادن، وليس الجناح الذي أقدم على المراجعات في مصر، فصارت عناصره هينة لينة. أذكر اسم 'جمانة نمور'.. مجرد ذكر الاسم يكفي لان يخبطني احدهم بالدرة على قفاي.. ( بلاها جمانة) على طريقة فؤاد المهندس في مسرحية 'سك على بناتك': (بلاها سوسو خذ نادية).. وان كنت ميالا لرد احمد راتب (بلاها سوسو.. بلاها نادية).. (فبلاها جمانة.. بلاها ريما صالحة).. المهم رضا القراء، الذين اسهر على راحتهم!. أمة ولادة ما علينا، فقد أعجبت وانبهرت بالزميلة 'لبنى'، عندما قالت أنها ستُكمل المشوار، وبشكل جعلني أظن أنها تخوض حرب الاستقلال الكبرى في السودان، ولم يدهشنا موقفها، على الرغم من عدم معرفتي السابقة بها، وعدم إطلاعي على إنتاجها المهني، لكني على يقين من أننا امة ولادة، وهي قادرة على العطاء ولو في زمن القحط ، ويكفي أنها منحتنا 'لبنى'، التي وقفت بطولها في مواجهة النظام السوداني المستبد، والمتهم بارتكاب مذابح في دارفور، لكن من غير 'لبنى' يمكنه ان يتصدى للمستبدين!. الذي أدهشني حقا يا قراء هو هذا الاحتشاد الفضائي والغربي في (موقعة البنطال الكبرى)، لدرجة ان خبر القضية احتل مكانا معتبرا بين الأخبار، في عموم الفضائيات الإخبارية، في حين ان زملاءنا بجريدة ' الشعب ' المصرية، وعددهم يتجاوز الأربعين صحافيا يعتصمون في مقر نقابتهم بالقاهرة منذ شهرين، احتجاجا على إغلاق جريدتهم بقرار حكومي جائر منذ تسع سنوات، وتوقف نمو رواتبهم منذ هذا التاريخ، وإقدام لجنة شؤون الأحزاب المصرية على اغلاق الملف التأميني للصحيفة، حتى إذا خرج احدهم على التقاعد، فلن يجد هو أو أسرته معاشا ليعينهم على نوائب الدهر!. تظاهروا أكثر من مرة أمام مجلس الشورى، حيث مكتب رئيسه العامر بالإيمان، ورئيس المجلس الأعلى للصحافة، ورئيس لجنة شؤون الأحزاب السياسية، الرائد متقاعد صفوت الشريف.. لكن لا حياة لمن تنادي!. تظاهروا في ذات المكان بالشموع، وتظاهر أبناؤهم بالبالونات، وفي الليلة الأولى لشهر رمضان افترشوا الأرض وتناولوا سحورهم في الشارع.. لكن قد أسمعت إذ ناديت حيا!. كل هذا ولم نشاهد كاميرا ' الجزيرة'، ولم نطالع تقريرا على 'العربية'، ولم تتحفنا ال 'بي بي سي' بخبر ولو في ذيل نشرتها والناس نيام.. دعك من 'الحرة'، فربما تكون مشكلة ' الشعب' انها كانت ضد الهيمنة الأمريكية على المنطقة، وضد الانحياز الأمريكي للاحتلال الإسرائيلي للأراضي العربية!. سيقال ان 'موقعة البنطلون' هي الأهم لان الزعيمة انثى وهي الزميلة 'لبنى' ونحن في زمن المرأة، لكن المدهش حقا ان ثلاثة من الزميلات يتزعمن اعتصام صحافيي جريدة ' الشعب': مايسة حافظ، ونجوى عبد الحميد، وهالة شعبان. لا بأس فالدنيا حظوظ، لكني على اي حال، فقد كانت متابعة قضية الزميلة المناضلة ' لبنى'، عبر الفضائيات المحتشدة فرصة هائلة لتسلية صيامي، بعيدا عن الأعمال الدرامية التي تبعث على النكد العام. أرض جو كنت أتصور ان النكد صناعة مصرية، فالمرأة المصرية فقط هي المعجونة بماء النكد الأزلي، الى ان شاهدت المسلسل السوري 'زمن العار'، وأداء سلافة معمار، التي أتقنت دور المرأة النكدية، فهي تعيش في نكد مقيم، حتى في لحظات السعادة النادرة التي مرت بها.. لقد تأكد ان النكد صناعة عربية أصيلة. حيث أتقنت سلافة هذا الدور، وكأنها لا تمثل، وربما كانت بالفعل لا تمثل!. فقد فاروق الفيشاوي في مسلسل 'قاتل بلا اجر' لياقته كممثل، وفقد رضا محرم لياقته كممول، وفقدت رباب حسين لياقتها كمخرجة. 'عبودة ماركة مسجلة' مسلسل استنزف موهبة الفنان الشاب 'سامح حسين'، فالأصل فيه انه عمل فكاهي، ومع ذلك فان الوحيد الذي يقدم هذا اللون في المسلسل هو سامح. قرأت لمن كتب ان تلفزيون الريادة الإعلامية توقف عن إذاعة قرآن الفجر، والحقيقة انه اختصر المدة الزمنية الى عشر دقائق، يبث مثلها لأي مسؤول يفتتح كوبري، أو محل بقالة!. في الحملة القومية على انس الفقي وزير الإعلام المصري تم اتهامه بأنه أهدر الريادة الإعلامية للتلفزيون.. متى كان هذا التلفزيون رائدا؟!