أحمد إسماعيل علي استوقفتني كلمات توقع فيها الكاتب الإسرائيلي "تسبي برئيل" رئيس تحرير صحيفة "هآرتس" الإسرائيلية السابق والمحلل السياسي بها، في مقال له، عن فشل القمة العربية المقبلة في مدينة "سرت" الليبية، وأستغرب إذ ربما كنت ناسيًا ما مفهوم النجاح لدى العرب؟.. وما معنى الفشل الذي يعنيه هذا القلم الصهيوني؟ وتساءلت حائرًا عن الإخفاق في العالم العربي هل هو جديد؟ وهل له صيغة تاريخية في 2010 مختلفة عن السنين العجاف السابقة؟ ولماذا تأكدت لدى العدو تلك الصيغة في الحديث عنا؟! الفشل يتضح توقع الكثيرين منا ومنهم الفشل عندما تصورت ما يلي أن القمة العربية تنعقد في ليبيا وسط خلافات.. ليست عربية- عربية بشكل عام، لكن بالتحديد ليبية مع أطراف أخرى أبرزها مع لبنان على خلفية قضية اختفاء الزعيم الشيعي اللبناني موسى الصدر، بالإضافة إلى الخلاف مع حركة فتح، على الرغم من توجيه الدعوة لمحمود عباس، في للحظات الأخيرة، لحضور القمة، وإعلان السلطة الفلسطينية المشاركة.. وربما لا زال الخلاف قائمًا مع المملكة العربية السعودية على الرغم من عدم مشاركة العاهل السعودي الملك عبد الله.. والتي يتضح أنها تأتي في الوقت الذي ما زال الرئيس المصري حسني مبارك يتعافى، وبالطبع بنسبة كبيرة لن يشارك. من يحضر القمة؟! من يحضر القمة إذًا؟..بل السؤال الأجدر، من الذي يعول عليه إنجاح القمة العربية؟ من يأخذ بزمام المبادرة لتحريك الأوضاع الساكنة السلبية من الدول العربية التي سيكون مستوى تمثيلها ضعيفًا أو التي لن تشارك بالأساس أو التي ستحضر على أعلى المستويات؟ هذه الافتراضات الثلاثة..كيف يمكن أن تؤثر كل واحدة منها على تحقيق المأمول شعبيًا ومنطقيًا تجاه القضايا العربية العالقة على حافة الهاوية؟.. هاوية الاحتلال الأميركي للعراق وتحويله لها إلى فسيفساء طائفية، مصدر إليه في الوقت ذاته ديمقراطية خاوية من السيادة.. هاوية الاحتلال الأميركي بالوكالة عنها "إسرائيل" للأراضي العربية المحتلة في كل من فلسطين وسوريا ولبنان.. فلا صوت ولا وجود ولا غطاء يحمي كل تلك الاعتداءات والممارسات الإسرائيلية سوى الولاياتالمتحدة الأميركية.. ليس من الآن.. ولكن على سبيل المثال لا الحصر مذكرًا بحرب اكتوبر 73 عند هزيمة الجيش المصري الباسل للجيش الصهيوني، ولم يمنع استمرار الزحف المصري نحو تحرير باقي الأراضي العربية رغبة الرئيس الراحل أنور السادات في السلام فقط، ولكن أيضًا وضوح عمق المواجهة لدى القيادة السياسية لأن واشنطن كانت ستخرج من قمقمها كالمارد لتدافع عن هذا الكيان الاستيطاني الخبيث.. وهاوية الانجراف نحو عملية سلام خلقت لنا حالة من "اللاحرب واللا سلم"، في الوقت الذي تراق فيه الدماء العربية وتستنزف الأراضي في مد امبريالي سرطاني يتحور كالفيروس ليقضي على كل ما هو عربي آجلا أو عاجلاً. أردت أن أشير إلى كل تلك التحديات وغيرها على الأجندة العربية أمام القمة العربية ومثل التهديد النووي بالشرق الأوسط، والأوضاع في الصومال والسودان، كانت وستزال.. على أجندة اجتماعات ذات مستويات عالية.. لكن هل هناك إنجازات على مقدار تلك المستويات؟..والحقيقة لا يوجد سوى خطاب ناعم شديد اللهجة..كالذي يصرخ في عملاق كبير لا يستطيع أن يناطحة، ويسمح له أن يصرخ في وجهه فقط..حتى ينفض من جريمته. تكلفة حل النزاع أشير إلى اجتماع وزراء الخارجية العرب ولجنة متابعة لمبادرة السلام العربية آخرها 2 مارس الجاري بحضور الرئيس الفلسطيني بمقر الأمانة العامة للجامعة العربية، اجتمعوا من أجل دفع عملية جديدة نحو إدارة جديدة للمفاوضات، وبعد شد وجذب امتد اكثر من 4 ساعات كانت النتيجة الإعلان عن بدء مفاوضات التقريب "غير مباشرة" مع إسرائيل، بناء على رغبة ما يسمى الوسيط الأميركي بدفع عملية المفاوضات، لكن في الوقت الذي أعلنت إسرائيل ترحيبها، حتى وقت كتابة تلك السطور أعلنت عن بناء 2154 وحدة استيطانية، وأثنائها اجتمعت لجنة طارئة لنفس اللجنة لكن على مستوى المندوبين لتقرر تعليق المفاوضات بالكامل. الأمين العام للجامعة العربية وصف تلك العملية بالنصب، وأعرب عن تشاؤمه، في حين طالبت سوريا كذلك العرب بالرجوع إلى رشدهم، حسب وصفها، والكل اتفق على التفاوض ببدء التفاوض غير المباشر. المشكلة لم تنته بل تعقدت؛ لأن الوضع صعب على العرب.. الإدارات السياسية لا تستطيع سوى أن تشجب وتدين وتتشائم وتشكك وتطالب.. وبعد قليل ندخل في تشكيلات أخرى واجتماعات أخرى، نحو ما يسمى "إدارة النزاع" بعيدًا عن "حل النزاع"، لأن تكلفة حل المشكلة لا تستطيع الدول العربية دفع تكلفتها، لأسباب كثيرة، تحت عنوان "موازين القوى"!. أجواء تقليدية تكتسب القمة العربية التي تستضيفها الجماهيرية العربية الليبية، وضعًا خاصًا من حيث الأجواء المحيطة بها، حيث تظل مشحونة بالأجواء الملبدة بالغيوم العربية في ظل خلاف عربي اصبح سمةً بدلاً من أن يكون استثنائًا.. ففي قمة الدوحة العام الماضي كانت الخلافات على أشدها إبان أزمة قطاع غزة والعدوان الإسرائيلي عليها، وتشكلت دول الاعتدال بقيادة مصر والسعودية. من جانب آخر تشكل فريق أسمى نفس ب"الممانعة" ضم أطرافًا إقليميًا وهي إيران ومنظمات وحركات مقاومة بزعامة سوريا وقطر، والآن على الرغم من زيارة " وزير الصناعة والتجارة رشيد محمد رشيد" في أول زيارة من نوعها منذ ما يقرب من 4 سنوات إلى دمشق في تقريب لعلاقات البلدين، يبقى المأمول أكثر منه.. في حين تتجلى لنا مشكلة ليبية لبنانية نتيجة لساسيات ماض مجهول بخصوص اختفاء الإمام مقتدى الصدر الذي تتهم لبنان العقيد القذافي وليبيا بالتواطؤ حول عملية اختفائه. العرب على مستوى الدول يواجهون عنصر الفرقة في الوقت الذي يجب أن تلملم الصفوف للتصدي للهجمات الاسرائيلية المستعرة التي تحرق الأخضر واليابس وتصادر ما ليس لها فيه حق.. دون أن تحرك وضعًا على الأرض أبرزها موضوع متجدد بطبيعته أصبح حالة مزمنة غير قابلة للحل لكنه يتعاطى الدواء. تراخي تواجه القمة العربية الخلافات العربية البينية وسط زخم بأجندة مثقلة بالهموم والمشكلات في قضايا محورية في العالم العربي، وتظل القضية الفلسطينية على رأس تلك الهموم، خاصة الجديد-القديم منها المتعلق بالإجراءات الإسرائيلية الأخيرة لتهويد مدينة القدس ومصادرة الممتلكات الدينية الإسلامية والمسيحية..في ظل إدانات وإجراءات غير ذات جدوى وتحركات باتت تبعث على اليأس بدلاً من أن ترسل لنا فعلا عن الأمل الذي نسمعه فقط ولا نرى نتائجه.. ووسط تراخي دولي يصل إلى حد العجز السياسي للضغط على إسرائيل، الطرف المعطل لكل فرص السلام التي تقدمها يد العرب، أصبحت إسرائيل تسخر ليس ممن يمد يده للسلام فقط، وإنما لمن يزعم أنه يساعد ويتوسط لتهيئة تلك الأجواء من أجل دفع عملية السلام خلال الوسيط الأميركي، أو الاتحاد الأوروبي أو حتى اللجنة الرباعية الدولية.