تناولنا في الجزء الأول أشكال وأنماط المقاومة اللاعنفية والانتقادات الموجهة لهذا النوع من المقاومة خاصة إذا كانت هذه المقاومة تُواجَه باستخدام مُفرِط للعنف المسلح. وهنا يثور التساؤل عما إذا كان هناك جدوى من الاستمرار في أعمال المقاومة اللاعنفية؟ وهل القمع المسلح لها كفيل بتحولها إلى مقاومة عنيفة؟ من الصعب أن يكون العنف المسلح فقط من الاحتلال أو الحكومات هو ما يتسبب في تحول المقاومة اللاعنفية إلى مقاومة مسلحة، إذ قد يتطلب الأمر عوامل أخرى مثل عدم الاستجابة المتكررة لمطالب المحتجين أو المحتَلين بما يجعل المحتجين يصلون إلى قناعة بأن المقاومة السلمية غير فعالة. كما يُعتبر التدخل الخارجي من خلال وجود قوى سياسية خارجية لدعم إما أعمال المقاومة السلمية أو اللاعنفية عبر التظاهر أو التهديد بالإضراب للضغط على حكومات الدول التي تمارس العنف المسلح ضد المحتجين أو المحتَلين. أو من خلال دعم جماعات مسلحة بين الجماعات المقاوِمة وتوفير السلاح لهم، الأمر الذي يشجع على التحول إلى المقاومة المسلحة. وتتعدد الأمثلة التي تشير إلى تحول المقاومة اللاعنفية إلى مقاومة مسلحة مثل الثورة السورية في عام 2011 التي بدأت بحركة احتجاجات سلمية واسعة النطاق ضد الحكومة، حيث طالب المحتجون بإجراء إصلاحات سياسية وإنهاء حالة الطوارئ، ولكن مع استخدام القوة المفرطة من قبل الحكومة تحولت الاحتجاجات تدريجياً إلى صراع مسلح وإلى تشكيل مجموعات مسلحة مدعومة من أطراف خارجية متعددة كتركيا وإيران وروسيا والولاياتالمتحدةالأمريكية، مما حول أعمال الاحتجاج إلى حرب أهلية مسلحة شاملة غذتها التنوعات والانقسامات الطائفية والإثنية. كما تحولت انتفاضة أطفال الحجارة في الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1987 إلى مقاومة مسلحة ضد الاحتلال الإسرائيلي من خلال جماعات كحماس والجهاد الإسلامي. وتبرز الإشكالية في أن المقاومة المسلحة أو تحول المقاومة اللاعنفية إلى مقاومة مسلحة قد يدفع المُحتَل أو العدو إلى تحقيق بعض المطالب تحت ضغط الخسائر التي يتكبدها أو تحت ضغط المجتمع الدولي الشاهد على أعمال القمع للمقاومة السلمية. وفي حالة حرب غزة تزامنت المقاومة اللاعنفية لسكان غزة المحاصرين مع مقاومة مسلحة لحركة حماس منذ السابع من أكتوبر 2023. وبَرُزَ دور العوامل الخارجية في هذه الحرب سواء من قبل الأطراف الدولية التي تساند الاحتلال من خلال مده بالسلاح من أجل المزيد من قمع المقاومة السلمية والعنيفة على الجانب الفلسطيني، وتحديداً من قِبَل الولاياتالمتحدةالأمريكية. كما تصاعدت أعمال المساندة والتأييد من قبل المجتمع الدولي للمقاومة السلمية لأهل غزة المحاصرين من قبل قوات الاحتلال الإسرائيلي. وقد اتخذت تلك المساندة صوراً عديدة على المستوى السياسي الدبلوماسي والقانوني الدولي بإدانة وتجريم الاحتلال ورموزه في محكمة العدل الدولية وفي المحكمة الجنائية الدولية أو في الجمعية العامة للأمم المتحدة بالاعتراف بالدولة الفلسطينية. كما امتدت أعمال المساندة إلى العمل على اختراق وكسر الحصار الإسرائيلي لقطاع غزة بتسيير قوافل مساندة دولية للصمود. إن جميع ما سبق يشير إلى أن أعمال المقاومة اللاعنفية وإن ارتفعت خسائرها وطالت فإنها قادرة على كشف وكسر وتجريم أعمال العنف والقمع الذي يمارسه الاحتلال الإسرائيلي. كما أنها قادرة على حشد التأييد والمساندة الدولية لصالح القضية الفلسطينية