اعتقد البرازيليون انهم لم يتذوقوا يوما اسوأ من مرارة خسارة نهائي مونديال 1950 على ارضهم امام جارتهم الاوروغواي، لكن الالمان جعلوا من ذلك السقوط ذكرى "جميلة" للبرازيليين بعدما اذلوهم والحقوا بهم اسوأ هزيمة في تاريخهم على الاطلاق وعلى كافة الاصعدة والمسابقات (1-7) اليوم الثلاثاء في الدور نصف النهائي لمونديال 2014. تكررت خيبة عام 1950 بالنسبة للبرازيليين الذي لم يعجزوا عن الفوز بلقب كأس العالم على ارضهم وحسب، بل انهم فشلوا حتى في الوصول الى المباراة النهائية بعد ان ودعوا النسخة العشرين من الدور نصف النهائي بخسارة مذلة لم تكن في الحسبان ولم يحلم بها حتى عشاق "ناسيونال مانشافت". ففي اذار/مارس 2003 اعلن الاتحاد الدولي لكرة القدم "فيفا" ان نهائيات كأس العالم 2014 ستقام في اميركا الجنوبية للمرة الاولى منذ ان استضافت الارجنتين العرس الكروي العالمي عام 1978 وتوجت بلقبه على حساب هولندا التي ستواجهها في المباراة الثانية من نصف نهائي النسخة الحالية. وهذا الامر كان يعني بان النهائيات ستقام للمرة الاولى في نسختين متتاليتين بعيدا عن القارة العجوز، كون جنوب افريقيا استضافت نسخة 2010، ولم تتقدم في السباق على هذا الشرف سوى البرازيلوكولومبيا لكن الاخيرة قررت الانسحاب ما ترك الساحة خالية امام البرازيل التي حصلت في 30 تشرين الاول/اكتوبر 2007 على حق احتضان البطولة للمرة الثانية بعد عام 1950. وبدأ البرازيليون منذ حينها الحلم باحراز اللقب على ارضهم وتعويض الخيبة التي تعرضوا لها عام 1950، لكن حلم "اوريفيردي" بالتتويج السادس اصطدم بماكينة الالمان الذين نجحوا في ان يثأروا شر ثأر من البرازيليين بعد ان خسروا امامهم نهائي 2002 (صفر-2). ودخل البرازيليون الى العرس الكروي العالمي وهم متفائلون بحظوظهم خصوصا ان مدربهم الحالي هو لويز فيليبي سكولاري الذي قادهم الى اللقب الخامس عام 2002 في كوريا الجنوبية واليابان. "البرازيل جاهزة، كل شيء منظم ومحدد وعلى الطريق الصحيح. اذا التزمنا بهذا البرنامج ستسير الامور بشكل جيد بالنسبة الينا بكل تأكيد"، هذا ما قاله سكولاري سابقا لموقع الاتحاد الدولي عن استعدادات منتخب لنهائيات 2014،. لكن الرياح جاءت بما لا تشتهي سفن "سيليساو" الذي كان يعول كثيرا على نجم برشلونة الاسباني نيمار لكي يكرر انجاز رونالدو الذي قاد بصحبة ريفالدو بلاده الى لقبها الاخير، لكنه تلقى ضربة قاسية جدا قبل ثوان معدودة على احتفاله بالتأهل الى نصف النهائي للمرة الاولى منذ 2002 بفوزه على كولومبيا 2-1. كانت نهاية مباراة "سوداوية" للبرازيل باكملها سقط نيمار ارضا على عشب ملعب "استاديو كاستيلاو" في فورتاليزا وسقطت معه احلام بلد باكمله حتى قبل خوض الموقعة النارية مع الالمان. خرج نجم برشلونة الاسباني والمنتخب البرازيلي نيمار بخطاب مؤثر حاول ان يحبس دموعه خلاله وهو يوجه دعوة الى زملائه في "سيليساو" من اجل اكمال "الحلم" باحراز لقب مونديال 2014 الذي يقام على ارضهم. "انها لحظة صعبة علي ومن غير السهل معرفة ما يجب قوله. حلمي لم ينته. بل تعرقل"، هذا ما قاله نيمار بتأثر في شريط فيديو نشره الاتحاد البرازيلي قبل ان يرحل نجم برشلونة عن مقر المنتخب بعد ان تأكد غيابه عما تبقى من مشوار بلاده في النهائيات بسبب كسر في احدى فقرات ظهره بعد خطأ قاس من الكولومبي خوان تسونيغا. وواصل نجم برشلونة "الحياة تتواصل. انا واثق من ان زملائي سيقومون بكل ما هو ممكن لكي نحقق حلمنا بان نكون ابطالا. كان حلمي ايضا ان العب في نهائي كأس العالم. لن احصل على الفرصة هذه المرة، لكني واثق باني ساتجاوز هذه المحن وسأتمكن من الاحتفال بتتويجنا باللقب". لكن شيئا من ذلك لم يتحقق بعد ان عجز زملائه عن الخروج من الصدمة المعنوية الناجمة عن خسارته خصوصا في ظل غياب القائد تياغو سيلفا بسبب الايقاف. حاول البرازيليون ان يأخذوا المعنويات مما حصل معهم قبل 52 عاما، الذكرة التي تطرق اليها قائدهم في المنتخب الذي احرز لقب 1970 كارلوس البرتو الذي قال للتلفزيون البرازيلي: "تذكروا 1962". كان حاملو اللقب يتطلعون حينها الى نجمهم المطلق بيليه لكي يقودهم في تشيلي لتتويجهم الثاني على التوالي. كل شيء بدا على الطريق الصحيح عندما استهل "الجوهرة السوداء" النهائيات بتسجيل هدف وتمرير كرة حاسمة ضد المكسيك (2-صفر). لكن الكارثة حلت في المباراة التالية ضد تشيكوسلوفاكيا (صفر-صفر) حين تعرض لتمزق عضلي في ساقه، غير ان دخول اماريلدو واداءه المتميز امام منتخب اسبانيا ساهما برفع معنويات البرازيل بأكملها ثم اكمل غارينشا المهمة وحمل المنتخب على كتفيه، ورغم طرده في نصف النهائي ضد تشيلي (4-2) بعد ان افتتح التسجيل لبلاده، عاد للمشاركة في النهائي والمساهمة بالفوز على تشيكوسلوفاكيا بالذات 3-1، منهيا البطولة كافضل هداف مشاركة مع مواطنه فافا (4 لكل منهما). لكن "المنقذ" هذه المرة لم يأت، فمن اين سيأتي بوجود مهاجمين عاجزين مثل فريد وجو او هولك او برنارد الذي حل بدلا من نيمار امام المانيا، وخط وسط عاجز عن خلق الفرص ولم يشفع للبرازيليين في مشوارهم العشريني في العرس الكروي العالمي سوى عملاق الدفاع دافيد لويز الذي كان الافضل على الاطلاق بفضل مجهوده الرائع والحيوية التي اعطاها للمنتخب لكن حتى... مباراة المانيا التي انهار فيها كغيره من زملائه وبدا كأنه لاعب هاو في مواجهة لاعبين من كوكب اخر! سكولاري رفض قبل النهائيات الحديث عن ان عدم احراز كأس العالم يعتبر فشلا لمنتخب بلاده: "منتخب البرازيل يشارك في كأس العالم دائما والجميع يتوقعون منه ان يحرز اللقب. نحن بكل تأكيد نعمل على تحقيق هذا الهدف لكننا نكن الإحترام لطموحات المنتخبات الأخرى التي تشارك في العرس الكروي ولديها الأهداف ذاتها. خوض البطولة على أرضنا سيحفزنا على الاعتماد على موهبة لاعبينا لتحقيق هذا الهدف واذا لم ننجح في ذلك يكون الامر لأن فريقا آخر تفوق علينا". ما هو مؤكد ان لاعبي البرازيل كانوا ليقدموا اداء افضل لو كانت البطولة في مكان اخر، وذلك لان الضغط الجماهيري والامال الكبيرة المعلقة عليهم جعلتهم يعانون نفسيا ما دفع سكولاري الى الاستعانة بطبيبة نفسانية من اجل مساعدتهم، خصوصا بعد اللحظات الصعبة التي عاشوها في الدور الثاني حين اضطروا لخوض ركلات الترجيح من اجل تخطي جارتهم الاخرى تشيلي (1-1 في الوقتين الاصلي والاضافي). وقد بدا التأثر واضحا على غالبية اللاعبين وعلى رأسهم الحارس جوليو سيزار ودافيد لويز والقائد تياغو سيلفا الذين بكوا طويلا بعد ضمان وصول بلادهم الى ربع النهائي. وبعد تلك المباراة، بدأت الشكوك تساور الجمهور البرازيلي ووسائل الاعلام المحلية حول قدرة اللاعبين على التعامل مع الضغط الناجم عن السعي الى احراز اللقب العالمي على ارض "سيلسياو". وقد شاهد العالم باجمعه نيمار وهو يبكي خلال اداء النشيد الوطني البرازيلي قبيل صافرة انطلاق المباراة الافتتاحية ضد كرواتيا (3-1)، ولم تفارق الدموع المنتخب البرازيلي منذ تلك اللحظة. "يبكون خلال اداء النشيد الوطني، يبكون بعد انتهاء الشوطين الاضافيين، يبكون قبل وبعد ركلات الترجيح"، هذا ما قاله المدير الفني للمنتخب البرازيلي كارلوس البرتو باريرا عن الوضع النفسي للاعبي "سليساو"، فيما قيم نجم المنتخب السابق زيكو حالة اللاعبين معتبرا بان الافتقاد الى السيطرة على الذات قد يؤثر على الاداء البرازيلي في ارضية الملعب. اما النجم السابق كارلوس البرتو الذي كان قائد المنتخب المتوج باللقب العالمي عام 1970، فرأى ان على لاعبي المنتخب الاحتفاظ بدموعهم حتى فوزهم بالنهائي في 13 تموز/يوليو في ريو دي جانيرو، مضيفا "الفريق يبكي خلال اداء النشيد الوطني، عندما يتعرضون (اللاعبون) للاصابة، عندما يسددون ركلات الترجيح!... بالله عليكم، توقفوا عن النحيب! هذا يكفي". وفي نهاية المطاف، اجتمعت جميع الظروف لتسقط "سيليساو"، من الضغوطات النفسية الى اصابة نيمار وغياب تياغو سيلفا وصولا الى الاصطدام بالماكينة الالمانية التي جعلت سكولاري يختبر ما عاشه قبل 10 اعوام مع منتخب من القارة العجوز. فهذه ليست المرة الاولى التي يشرف فيها سكولاري على منتخب يستضيف بطولة كبرى على ارضه اذ سبق ان اختبر هذا الامر عام 2004 مع المنتخب البرتغالي في كأس اوروبا حيث وصل "برازيليو اوروبا" الى المباراة النهائية قبل السقوط في المتر الاخير امام اليونانيين. ويتحدث "بيغ فيل" عما اختبره في 2004، قائلا: "كانت تجربة مفيدة. لدي الان فكرة اوضح عن كيف يجب ان نتصرف قبل خوضنا المباراة النهائية وكيف يخوض المنتخب المضيف النهائي على ملعبه وكيف يتعين عليه تنظيم ومراقبة المباراة وانتزاع اللقب". لكنه لم يحظ هذه المرة بفرصة حتى الاختبار تجاربه في النهائي وانتهى المشوار بالنسبة ل"سيليساو" عند هذا الحاجز، علما بانه بانه وصل الى المباراة النهائية في المرات الثلاث السابقة التي تجاوز فيها ربع النهائي اي 1994 (توج باللقب على حساب ايطاليا) و1998 (خسر امام فرنسا) و2002 (فاز على المانيا). وسيكون على البرازيليين الانتظار اربعة اعوام اخرى لمحاولة الفوز باللقب السادس على الاراضي الروسية لكن من المؤكد ان مرارة الهزيمة التي منيوا بها اليوم ستبقى عالقة في احلاقهم ليس حتى 2018 بل لن ينسوها لسنوات طويلة.