استقبلتهم استقبالا جافا خشنا، قست عليهم إلى درجة لا ينفع معها الرحمة، لفظتهم كما تلفظ البحار الأسماك، لكنهم ليسوا بأسماك ولا حيوانات، هم أشخاص مثلنا خلقنا بنفس الأعضاء والعقل، بل منهم من تختبئ وراء ملامحه التعيسة، وسامة قدر لها أن تقبر وسط حاويات الأزبال نعم هم يقتاتون من هذه الأخيرة غير آبهين برائحتها المقرفة، لأنها الوحيدة التي سمحت لهم بالدخول ولم تتغلق في وجههم أبوابها. حسن، أو كما يلقبونه ب " براد بيت" والسبب في ذلك لكونه يتمتع بوسامة واضحة لا يمكن إنكارها وجه مستدير، إبتسامة لامعة، عينان بارزتين بالإضافة إلى شعره الأشقر الذي تلطخت خصلاته، ببقايا الأزبال ورائحتها المنفرة . باختصار وكأنه نجم من نجوم السينما ظل طريقه نحو الحاويات. لم يكن من السهل علينا التحدث مع حسن، ومحاولة إقناعه بالبوح لنا بمعاناته وما يختلج صدره من هم وحزن لكنه في الأخير اقتنع وبدأ في رواية قصته لنا، وكأنك أمام فيلم بطله شاب بئيس ويائس من الحياة. يقول " ولدت سنة 1987 من أبوين فقيرين جدا رزقا بأربعة أبناء وأنا أكبر إخوتي، أبي كان سيكرا إلى درجة لا تصدق، أمي تخلت عنا بعدما ضاقت بها الدنيا ولم تعد تتحمل أبي ومشاكله اليومية التي لا تنتهي صباح ذات يوم وأتذكر هذا اليوم جيدا استيقظت ووجدت فراش أمي وإخوتي فارغ حينها عرفت أن أمي حملت إخوتي الصغار ورحلت بعيدا عنا إلى مكان غير معلوم. وكانت تلك الحادثة بالنسبة لي أشبه بسحابة اعترضت وجه الشمس، عندما علم أبي بذلك جن جنونه ، ونهض بعدها يسب ويلعن مرسلا صاعقة غضبه نحوي وكأني أنا السبب في ذلك، فكان مصيري الطرد، عشت بعدها في الشوارع تحت قساوة برد الشتاء وحرارة الصيف، حاولت أن أشتغل لكن لا أحد أراد تشغيلي بدعوى ملابسي المتسخة ، إلى أن قابلت يوما سيدا تبدو عليه ملامح الغنى وعدني بتشغيلي لكنه أخلف ذلك، فقد كان يخيل إلى أن العظماء عظماء في مظاهرهم وأزيائهم، كما هم عظماء في أحاديثهم وعهودهم لا يخلفون إذا وعدوا ولا ينكثون إلى عاهدوا ، فقررت بعدها أن أجعل حاوية الأزبال بمثابة ثلاجة بالنسبة لي ، يقولها ونفسه تسيل لوعة وأسى " الحمد لله على كل حال". يجلس بالقرب من " حسن" محسن لا تختلف هو الآخر عن قصة زميله عاش حياة صعبة ظلماء كسواد الليل تبدو على محسن ملامح التعب كأنه الهيكل العظمي نحولا وهزلا. اختصر محنته في جملة واحدة "عشت حياة صعبة حتى أني حدثث نفسي كثيرا بالانتحار وعلى الرغم من كل هذا أنا متأكد أن كل ما أعيشه اليوم سيصبح من الماضي ولن يتكرر إن شاء الله وستتحول هذه المحنة إلى نعمة هذا ما تقول لي نفسي" ثم صمت وحمل عدته وذهب بعيدا عن أسئلتي. لم أقصد بكتاية هذه السطور فتح جراح حاولوا أبطالها دفنها ونسيانها مع الزمن ، بل حاولت فقط نقل معاناة أشخاص تسيل نفسهم هما وألما وبلغ بهما الشقاء والبلاء مبلغهما.